|
إذا كان حبل الكذب قصير، فكذب وسائل الإعلام الرسمية بغير حبل
لا يأتي ـ ما سيأتي ـ في إطار الحرب الإعلامية، بل في إطار اللا مسئولية الإعلامية التي تعلن مقتل المصداقية مع كل خبر قتل كاذب ومفضوح..
هناك عجلة واضحة، بل اختلاق فاضح لا يستند إلى أية معلومة، ولا يخشى أصحابه من انكشافه في الساعـات القادمـة. لا أدري ألهذا علاقة بقلة الحياء، أم بالاعتماد على ذاكرة إعلامية وشعبية متهالكة، أم بالعادة..؟!!..
بعد دقائق من كل عملية عسكرية تسارع وسائل الإعلام الرسمية إلى إعلان نتائج غالبا ما تتحدث عن نجاحها المذهل، وبتفاصيل لا يسندها شيء حتى العامل الزمني..
إنه التعبير عن الولاء بشكل مختلف، شكل قد يعني كل شيء إلا الولاء. إنه النجاح القصير الذي يعني هزائم إعلامية طويلة ومتتالية..
هنا سنرصد بعضا مما كاد أن يضيع وسط زحمة الأحداث والتصريحات الرسمية المتعلقة بها وكيف ناقضها الوقت..
تفاصيل مقتل عبد الملك الحوثي
في ديسمبر 2009م نشرت مصادر رسمية خبر مقتل عبد الملك الحوثي، وعززت الخبر بتفاصيل دقيقة جدا توحي بأن طبيبه الخاص أو أحد مرافقيه الشخصيين هو من سرب هذه المعلومات الهامة..
وعن المصدر الرسمي تناقلت وسائل الإعلام الأخرى الخبر، وأضافت له بعض التفاصيل، رغم أنه مفصل جاهز من مصدره الرسمي..
أصبح لخبر مقتل عبد الملك الحوثي ألف رواية في مختلف وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية، لكن لم يصح منها سوى الرواية التالية :
"تلك خرافات وانتصارات وهمية يطالعنا بها إعلام السلطة بين الحين والآخر منذ بداية هذه الحرب وحتى الآن لم تتغير في نوعيتها وأسلوبها الملفق والتائه البعيد عن الواقع، ولا ندري ما نوع ذلك الهجوم هل هو بري..؟!!.. إذن كيف اجتاز الجيش عشرات الجبهات الصلبة التي لم يستطع أن يتقدم فيها شبراً واحداً منذ بداية الحرب..؟!!.. ومنطقة مطرة تبعد مئات الكيلو مترات عن الخطوط الأمامية للتواجد العسكري للجيش اليمني ".. (المكتب الإعلامي للحوثي)..
تكذيب المكتب الإعلامي والناطق الرسمي باسم الحوثيين، لم يقنع مصادرنا الرسمية الخطيرة، فكذبته، وبلهجة "واثق الخطوة يمشي ملكا".. وبحسب موقع وزارة الداخلية اليمنية فإن " النفي الباهت الذي أطلقه الإرهابي الفار من وجه العدالة يحيى الحوثي أو من يسمي بالمتحدث الرسمي باسم الإرهابيين الحوثيين الإرهابي عبد السلام فليته المدعو (محمد عبد السلام) والذي ذكر اسم الإرهابي عبد الملك الحوثي مقروناً بلفظ الشهيد في احدي مقابلاته التلفزيونية قبل عدة أيام قبل إن يستدرك نفسه، ليس إلا محاولة مكشوفة لتضليل وتزييف الحقيقة وذر الرماد في العيون"..
لكن الحوثي بالغ في القسوة وهو يكذب وسائل الإعلام الرسمية هذه، حين ظهر في تسجيل مصور يتحدث وهو جالس على الكرسي، يرفع رجلا ويضع أخرى، ينقل الميكرفون من يد إلى أخرى، ليكذب خبر مقتله وخبر إصابته أيضا..
يوسف الفيشي يُبعث ليفاوض في الدوحة
في شهر 3 (مارس) من عام 2010م أعلن موقع وزارة الدفاع اليمنية أن القيادي الحوثي يوسف الفيشي لقي مصرعه ومعه تسعة حوثيون في منطقة حيدان, وكان الفيشي قد تولى قيادة العناصر الحوثية في ضحيان الطلح سحار عام 2009م , كما لقي الحوثي أحمد الوهدي (أحمد سعيد الرزامي) مصرعه..
وأفاد موقع وزارة الدفاع أيضا أن حسين الهقلي الملقب بأبي بدر وعددا من حاميته قتلوا في عملية عسكرية لقوات الجيش تم فيها تدمير سيارة كان ومرافقوه على متنها في خط الجرادات، كما اكتفى الموقع بالإعلان عن إصابة يوسف المداني صهر عبد الملك الحوثي..
وفي شهر 9 من العام ذاته ترأس يوسف الفيشي وفد الحوثيين إلى الدوحة للتوقيع على اتفاقية السلام الأخيرة بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين..
وما هبروه
في شهر أغسطس من عام 2009م نشرت وسائل الإعلام الرسمية خبر مقتل الناطق الرسمي السابق باسم الحوثيين ومفاوضهم في الدوحة صالح هبرة مع عدد من مرافقيه في قصف جوي على محطة وقود تابعة للمتمردين في منطقة "العند"..
ستلاحظون أن كل خبر يعلن مقتل شخصية مهمة من قيادات الحوثي أو القاعدة أو غيرهما، يعلن أيضا عن مقتل عدد من المرافقين له، وكأنها صيغة رسمية أُعدتْ سلفا لتناول مثل هذا النوع من الأخبار، والمهم في الأمر هو أن صالح هبرة لازال حيا يُرزق..
محمد عبد السلام
أما محمد عبد السلام فقد خرج بنفسه في عام 2009م، وبعد يومين من إعلان مقتله (مع عدد من مرافقيه طبعا) في مديرية رازح ليكذب الخبر بصوته الذي يعرفه الجميع على قناتي المنار والعالم.. ثم كان اسمه ضمن قائمة الأسماء المشاركة في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني إلى جانب يوسف الفيشي وصالح هبرة..
ضحايا غارة "الأجاشر" من القاعدة يقيمون مأدبة غداء
في أواخر شهر يناير من عام 2010 م استفتحت الحكومة اليمنية عامها الجديد بالاستهداف الناجح للمسئول العسكري لتنظيم القاعدة في اليمن قاسم الريمي (أبو هريرة) وخمسة من الجماعة (كانوا برفقته) وهم عمار عبادة الوايلي، صالح التيس، عايض جابر الشبواني، إبراهيم محمد صالح البناء، في منطقة الأجاشر الواقعة بين محافظة الجوف ومحافظة صعدة، بحسب موقع مركز الإعلام الأمني التابع لوزارة الداخلية وموقع وزارة الدفاع..
تعددت الروايات الرسمية حول مقتل الريمي ورفاقه، وتنوعت أيضا، والقاسم المشترك بين كل روايات وسائل الإعلام الرسمية هو الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة للحدث..
ولتكون وسائل الإعلام الرسمية أكثر دقة ومسئولية، فقد أشارت إلى "أن الإرهابي السادس من قتلى القاعدة في عملية القصف الجوي، لم يتم التعرف على هويته حتى الآن, مشيرة إلى أن الجهود جارية للتعرف على صاحب الجثة".. لهذا لم يرد اسمه ضمن أسماء قتلى الغارة المشار إليها، مع العلم أن هذا التصريح جاء بعد الحادثة بدقائق.. الجدير بالذكر أن وزير الداخلية اللواء الركن مطهر رشاد المصري، أكد خبر مقتل الريمي وخمسة من رفاقه في محاضرة له بمنتدى عسكري..
لم يصح من كل تلك الروايات التي تحدثت عن غارة الأجاشر سوى الرواية التالية :
(كما أن الحكومة اليمنية تكذب في أعداد القتلى في غاراتها السابقة، هي كذلك تكذب في الأسماء التي توردها لتبرير غارتها الأخيرة الفاشلة.. وتأتي هذه الكذبة تكملة لمسلسل الأكاذيب التي روجتها الحكومة عن الغارات السابقة، بدأً من غارة أبين والتي شاهد الناس ضحاياها من النساء والأطفال والآمنين وحتى الغارة الأخيرة، والتي فشلت في تحقيق أهدافها ولله الحمد).. من بيان لـ(تنظيم القاعدة في جزيرة العرب) بعد الحادثة بثلاثة أيام..
ثم شهد منزل الشبواني مأدبة غداء حضرها عدد من أفراد تنظيم القاعدة الذين قتلتهم وسائل الإعلام الرسمية, وقال الشبواني إن تلك المأدبة تأتي في إطار التعبير عن " شكر الله " على سلامة أعضاء الخلية أو القيادات التي كانت متواجدة في منطقة ألاجاشر بمحافظة الجوف..
عملية "وادي الرفض" المهولة
قبل عملية "الأجاشر" كانت الحكومة اليمنية قد اختتمت عام 2009م بخبر من العيـار الثقيـل، ففي أواخر شهر ديسمبر من العام ذاته قالت اللجنة الأمنية العليا إنها قتلت القياديين البارزين في تنظيم القاعدة، ناصر الوحيشي، وسعيد الشهري السعودي، في غارة جوية على منطقة "وادي الرفض" في مديرية الصعيد بمحافظة شبوة، قُتل فيها إلى جانبهما 34 من عناصر تنظيم القاعدة، كما أصيب نحو 30 آخرين..
قبل أن تعلن اللجنة الأمنية العليا مقتل وإصابة هذا العدد من أفراد التنظيم، لم نكن نعلم أن تنظيم القاعدة في اليمن بهذا الكم، ولم نكن نعلم أيضا أن بمقدور سلاح الجو اليمني، الذي لا قدرة له على غير السقوط بخلل فني، أن ينجح في إصابة نحو ثمانين شخصا بين قتيل وجريح، وبغـارة جـوية واحدة..
الجدير بالذكر أن هذه العملية غير عملية محافظة أبين التي سبقتها بأسبوع، ففي 17\ديسمبر 2009م أعلنت الحكومة اليمنية أنها قتلت نحو ثلاثين شخصا من عناصر التنظيم في قرية "شعب مقوع" بـ"بوادي المعجلة" الذي يقع بين مديريتي مودية والمحفد في محافظة أبين..
اتضح فيما بعد أن جميع قتلى "المعجلة" هم من المدنيين، وأن الغارة الجوية على وادي الرفض لم يُقتل فيها سوى شخص واحد من القاعدة ويدعى محمد صالح عمير، وقد كذبت القاعدة الخبرين في بيان عملية "الأجاشر" السابق ذكره، كما كذبها ظهور ناصر الوحيشي وسعيد الشهري بعد ذلك..
اللغز علي سيف العبدلي لم يعد لغزا
في بداية شهر 9 من عام 2010م أعلن موقع الحزب الحاكم (المؤتمر نت) موت علي سيف العبدلي الذي تتهمه السلطات بقتل ثلاثة من أبناء القبيطة في حادثة العسكرية الشهيرة، بعد صراع مع مرض عضال ألمَّ به..
وسائل إعلام أخرى كذبت الخبر، لكن موقع وزارة الداخلية اليمنية (مركز الإعلام الأمني) دحض هذا التكذيب بنشر صور لشخص ميت في مكان معزول، وبمنظر بشع، قال إنها للقاتل علي سيف العبدلي..
وعلى الرغم من أن الصورة دليل قوي إلا أن البعض شكك في موته، وفي حقيقة الصورة، بينما ذهب آخرون إلى أن السلطات تحاول أن تتخلص من العبدلي بأمر كوني بعد أن فشلت في القبض عليه وتقديمه للعدالة..
وسط هذا الجدل المحتدم، خرج علي سيف العبدلي فجأة ليقطع قول كل خطيب بحوار مطول أجراه معه موقع الحدث الإخباري الأسبوع الماضي..
قال العبدلي في الحوار إن ما نشرته وزارة الداخلية من صور، وكذا من معلومات حول خبر موته، يأتي في إطار الكذب والخداع الإعلامي الذي تمارسه هذه السلطة، كما أكد في الحوار أن السلطة تعرف القاتل الحقيقي لأبناء القبيطة..
بغض النظر عن صحة ما قاله العبدلي، إلا أن كل ما تقدم يفصح عن فوضى بل عن كارثة في الأوساط الإعلامية الرسمية أفقدتها مصداقيتها بشكل شبه تام..
* صحيفة الناس
في الإثنين 27 سبتمبر-أيلول 2010 07:09:00 م