تمثل الجامعات رأس الهرم الثقافي في عالمنا المعاصر ، فهي من ترسخ الديمقراطية والعدالة والتنمية ، العلاقة بين أساتذة الجامعات والطلاب والإدارة هي علاقة نموذجية تقوم على عدالة تنفيذ القوانين واللوائح الجامعية على الجميع دون استثناء ، يفترض أن تتخذ الجامعات خطواتها بناء على دراسات تخطيطية تقوم على الشراكة بين المستفيدين والإدارة وبالتالي تكون تلك القرارات نافذة ولا تقبل التراجع ، أما أن تتحول القرارات إلى جس نبض ثم بعد تصاعد الاحتجاجات يتم التراجع عنها لظهور اعتراضات منطقية ، فتكل عشوائية مدمرة للتعليم الجامعي وتصرف الجامعات عن مهماتها الرئيسية لقضايا جانبية تتمثل بمعالجة الاحتجاجات اليومية.
إننا نكتب هذا الموضوع بغية تقويم الاخطاء المتراكمة الناتجة عن غياب التخطيط ، نكتب ذلك من منطلق رؤيتنا للجامعة كمؤسسة ذات قوانين ولوائح لا تتغير بين يوم وآخر ، من حق الطالب أو منتسب الجامعة أن يرتب أوضاعه على مدى سنوي على الأقل لا أن يفاجأ بتقلبات أمزجة المختصين بين ليلة وضحاها!!!
لقد شهدت جامعة صنعاء سلوكيات منبوذة من بعض طلابها وصلت حد التجمهر وإغلاق بعض أبواب الإدارات بالسلاسل أو التقطع لأعضاء هيئة التدريس في طرقات بعض الكليات الفرعية ، كثير ما يوجه النقد لسلوك الطلاب وعنفهم غير المبرر ودعوة الجامعة لاتخاذ الإجراءات الصارمة ضد مثيري الشغب ، إننا نرفض تلك السلوكيات المشينة ولكننا في نفس الوقت يجب أن نبحث عن أسباب تلك الاحتجاجات العنيفة خاصة وأننا في قاعات المحاضرات نجد كثير من هؤلاء الطلاب أكثر انضباطاً وسلوكاً ، إذا لماذا يتحولون الى السلوك العنيف؟؟من خلال متابعة ردات الفعل سنجد أن الإدارات الجامعية المتعاقبة تتحمل جزء كبير من المسئولية بسبب قرارات ارتجالية وعشوائية مستفزة تُذهب عن الجامعة هيبتها وتؤدي لتمادي الطلاب وغيرهم ، ويمكن أن نورد بعض من مظاهر تلك العشوائية أملاً في عودة الثقة لدى الطلاب ومنتسبي الجامعة في مؤسستهم الأكاديمية العريقة:
- في نيابة الدراسات العليا منذ أعوام واحتجاجات طلاب الدراسات العليا حول شرط(التوفل)وشروط أخرى دون سابق إنذار دفعت طلاب المنح والدراسات العليا لاحتجاجات متعاقبة انتهت بمعالجة هذه المشكلة قبل عام تقريباً ، والأسبوع الحالي بدأ النقاش مرة أخرى لتفعيل بعض هذه الشروط ، الخطأ الذي وقعت فيه الدراسات العليا أنها ودون سابق إنذار وفي اجتماع يومي وبينما معاملات بعض المتقدمين قد استكملت في الكليات وأعدت للعرض على مجلس الدراسات العليا أسوة بمن سبقوهم منذ أسابيع فقط ، فإذا بهؤلاء المتقدمين يبلغوا بإعادة النظر في شروط الابتعاث قبل أيام من انعقاد المجلس ، إن الإجراء بهذه الطريقة يمثل استفزازاً سيؤدي لتصاعد الاحتجاجات كون هؤلاء اكملوا إجراءاتهم في الكليات وأنفقوا مبالغ لدراسة دورات اللغة الانجليزية وللحصول على قبول من الجامعات الخارجية والذي يكلف في بعضها أكثر من(100$)، كما أن بعضهم في تخصصات علمية الكليات في أمس الحاجة إليهم ، بينما بعض من تم انجاز معاملاتهم منذ أسابيع غالبيتهم في تخصصات أدبية ، لبعضها برامج دراسات عليا في الداخل!!!طبعاً النتيجة لتلك العشوائية ستتمثل بتحول تلك العملية العلمية الهادئة إلى احتجاجات فوضوية ، أليس من المنطقي أن توجه نيابة الدراسات العليا إلى عمداء الكليات بإجراءاتها بداية من العام القادم ، عند ذلك يمكن تجنب الفوضى وتحقيق العدالة بين جميع طلاب الدراسات العليا ، أما هذه العشوائية فإن الظلم سيصبح محققاً فيها ، لأن الفرق بين الزملاء ليس سوى أيام قد تكون نتيجة تأخر قبول من الخارج أو استكمال دراسة دورة لغة إنجليزية ، من المؤسف أن تعمل مؤسسات عريقة بلوائح باليومية وبالتقسيط ووفق ردة الفعل ، ومن المعيب أن تتسلم الإدارات المختصة معاملات المبتعثين كاملة أسوة بمن سبقوهم وبعد أيام فقط وبينما هم في انتظار عرضها على مجلس الدراسات العليا يقال لهم النظام تغير ، ماذا سيفعل المسئول الذي ارتكب هذه المخالفة إن كان في نفس وضع الطالب المبتعث...الإجابة لكم يامن تغيرون أنظمتكم ولوائحكم كل ساعة ، ندعوهم لإعادة النظر في القرارات الآنية ، من المؤسف أن هذا الخطأ حدث منذ سنوات وبعد احتجاجات الطلاب جمدت تلك الإجراءات ،إن من يتخذ مثل هذ القرارات العشوائية من صناع الفوضى.
- التعيينات الأكاديمية المخالفة : تخضع التعيينات الأكاديمية لقانون نافذ هو قانون الجامعات اليمنية ، ولكن ومنذ سنوات وقيادات الجامعة تصدر مذكرات وقرارات مخالفة للإجراءات الواردة في القانون ، ومع استمرار المخالفات تتصاعد الاحتجاجات وتنصب الخيام أمام بوابة الجامعة لأشهر ويتم تعيين البعض وتأخير البعض وتستمر الاحتجاجات والفوضى ويصبح شغل مجلس الجامعة الشاغل مخصص لمعالجة هذه القضايا ، ولو كانت الجامعة منذ البداية ملتزمة بقانون الجامعات لما حدثت تلك الفوضى ، فمن يخترق قانون الجامعات اليمنية في التعيينات الأكاديمية يصنع الفوضى.
- اختبارات القبول في الكليات : من القواعد الهامة في انظمة القبول أن لكل قسم احتياجاته من حيث العدد والنوعية لذا تلجأ الكليات لإجراء اختبارات القبول ويفترض بعدها من الكليات كجهات أكاديمية أن تحترم نتائج القبول المعلنة ، ولكن ما يحدث في بعض الكليات أمر مؤسف حيث تقوم بعض الأقسام بعد الاختبار بقبول كل المتقدمين وبالتالي تظهر الاقسام وكأنها تجري الاختبارات من أجل تحصيل الرسوم ،وأقسام أخرى تقبل بعض الطلاب بعد استكمال اختبارات القبول بتوجيهات أو مبررات أخرى ، كل ذلك يؤدي إلى تراجع قيمة الجامعة وهيبتها لدى الطلاب الجدد ، ويتحولون من التعبير السلمي عن طلباتهم إلى الاحتجاجات الفوضوية حتى تصبح الفوضى سلوك رسمي لهم خلال سنواتهم اللاحقة في الجامعة ، إن من يتلاعب بنتائج القبول هو من صناع الفوضى.
- من القضايا التي أدت لتصاعد احتجاجات بعض الطلاب طلب ترفيعهم من مستوى إلى آخر بأربع مواد مساواة بزملائهم في بعض الكليات التي اتخذت ذلك القرار مراعاة لوضع الجامعة في2011م ، طبعاً مطلبهم مخالف للائحة التي تحدد الترفيع بثلاث مواد ، ولكن اختراق بعض الكليات لتلك اللائحة دفعت بهؤلاء للاحتجاج العنيف كونهم جميعاً طلاب جامعة واحدة ، فمن خالف اللائحة وقرر ترفيع الطلاب في بعض الكليات بأربع مواد هو من صناع الفوضى .
- عشوائية الاختبارات وضياع النتائج وتأخرها وجداول الاختبارات...إلخ: على الرغم من أننا في القرن الواحد والعشرين قرن الحوسبة إلا أن جامعة صنعاء لازالت تعيش في القرون الغابرة ، أحد رؤساء الجامعة السابقين في 2008م في إحدى خطابته أكد على جهود إدارة الجامعة في حوسبة إدارة شئون الطلاب والاختبارات بداية من 2009م حيث ستصبح نتائج الطلاب والمعاملات بالرقم الجامعي وعبر الإنترنت ، وجاء2009م واستمرت تلك الوعود والخطابات لسنوات حتى جاء 2013م ولم يتغير الحال ، حيث لازال الطالب يعاني من ضياع النتائج وغياب المختصين ، وتلك المعاناة قد تدفع ببعض الطلاب المميزين لترك كلياتهم والانقطاع عن الدراسة ، العجيب أن مدارس أساسية حكومية وخاصة ومنذ سنوات تعطي لطلابها شهادات شهرية ونصف سنوية وسنوية يتم استخرجها بالحاسب ، وبتكاليف لا تقارن بالمبالغ والجهود الكبيرة التي تتحملها الطريقة التقليدية في الجامعات ، إن ضياع النتائج وتأخر الرصد...إلخ يؤدي إلى توتر الأوضاع داخل الكليات وتصاعد الاحتجاجات حتى تصل إلى مرحلة الفوضى خاصة مع تزايد أعداد الطلاب وتدني الانضباط الإداري، إن كل من يعيق تحديث وحوسبة الإجراءات الادارية والأكاديمية يعد من صناع الفوضى.
أخيراً ما سبق ممارسات عشوائية لا تتصل بالقيم الأكاديمية وتوجد مبرراً للعنف والفوضى داخل جامعة صنعاء ، لذا يفترض أن نبحث عن المعالجات الناجعة لتلك المشكلات قبل التفتيش في قوانين العقوبات والتفاوض مع مثيري الشغب ، الغريب أن من درس في أي جامعة أجنبية أو عربية وقادته الظروف لمقابلة رئيس الجامعة أو عميد الكلية مثلاً يرى ندرة فيمن يترددون على هؤلاء وهذه الجامعات تدخل في التصنيف العالمي لأفضل جامعات العالم ، بينما تكتض مكاتب إداراتنا الجامعية بالمراجعين وبما يثير الدهشة والاستغراب حتى أن بعض مدراء الإدارات يستمر زحام المراجعين لديهم طوال وقت الدوام !!!؟؟؟.