السلطان المُنحرف !
بقلم/ محمد سعيد الشرعبي
نشر منذ: 14 سنة و 7 أشهر و 21 يوماً
الإثنين 15 مارس - آذار 2010 05:49 م

كلنا نعرفه ، فك ارتباطه مع السلطة في 2006 وعاد إلى مغادرتها قبل أيام بموجب صفقة سرية ، خاصم ماضيه " القندهاري" وهدد شيخ المجاهدين " عبدالمجيد الزنداني " بقطع لسانه، متهماً اياة بـ" المتاجرة بالقضايا " ، ونعت لحيته الحمراء بـ" النفعية " ، شن حملة واسعة لإفشال محافظ أبين ، لتلتف ساقه بساق " الميسري " في مزرعة خارج زنجبار .. هذا هو رجل المتناقضات طارق الفضلي .

حين خاصم السلطان طارق الفضلي سلطة " صالح " وحزبه الحاكم كان باحثاً عن مصلحة شخصية تبددت باختيار " الميسري " مرشحاً عن المؤتمر في محافظة أبين في ما عرف حينها بـ" انتخابات المحافظين "، وزاد حدة الخلافات بعدما همشت طلبة بالإنضمام إلى أمانة الحزب الحاكم ،ما دفعت به غريزة الانتقام من السلطة للانضمام إلى قوى الحراك الجنوبي ، تلاها بممارسات غير لائقة ، كمن يقول للجميع : ها أنذا .. سلطان أبين بلا منازع !

لكن أطرافاً كثيرة لم تنطل عليها مسرحية " السلطان " ، وتعاملت معه كـ" مُندس " ، مهمته قصم ظهر الحراك الحقيقي ، وإزاحة قادته الحقيقيين أمثال " باعوم ، النوبة ، المعطري " ليبقى هو على خشبة المسرح محتالاً حراكياً برتبة " سلطان سابق " ، له كذب الممثل ، وليس له احترام الجمهور ، وبقدر ممارساته الغبية ، توارى عن الكل ، واستبق الجميع لبرم صفقة ، إذا لم تكن " صفعة " ، لينفض المغرر بهم من حوله ، ولم يعد مقيله في قصره بزنجبار عامراً بالزوار والثوار ، فهو وحيد يلوك القات " الدحباشي "، ويرتشف " الويسكي " ليوحي لزواره -وبالذات الأجانب- أنه قاعدي انحرف عن ماضية الراديكالي ، وفقاً لما تنشره الصحف الأمريكية .

ليس هذا وحسب، فالطارق بالفضيلة سارع مذعوراً – كالأطفال - لرفع العلم الأمريكي في شرفة قصره، ونصب مكبرات الصوت مردداً النشيد الوطني الأمريكي ملء المكان ،واستدعى صحفاً أمريكية لنفي صلاته بالقاعدة ، وذكرها بماضيها " الجها أمريكي " ضد السوفييت في أفغانستان ، وطبقاً لأغلب المحليين السياسيين " الفضلي ليس رجل ثورة ، فمن عرف نعيم القصر ، لا يستهوي عذابات السجون " ، بمعنى آخر من منظور الحاكم كان في مهمة ، وعليه أن يستريح ، ماذا ولو ! فالملف جاهز ، والمدافع على بعد شبرين من رأسه ..

الشيء المحير ، والسؤال السهل في معادلة الحراك الجنوبي ، كيف تمكن الطارق من مغالطة الجميع من حراكيي الداخل ومنفيي الخارج ،بنواياه الثورية ولم يكتشف أمره ؟ هل الحراك هش ، سهل الاختراق ؟ وهل مجلسه الأعلى مفتوح لمن هب وتحرك على غرار الفضلي ؟ ربما لايكون كذلك بدليل أن معظم قادة الحراك لم تتغير مواقفهم منه، ولم تسرهم ممارساته الطفولية التي طالت أبناء المحافظات الشمالية في زنجبار ، ووفقاً لمصادر جنوبية فـ "قادة الثورة السلمية هم باعوم والنوبة والمعطري وبقية رفاقهم" ، وما الطارق الفضلي الذي ملأ الدنيا صراخاً في رأيهم سوى " مُندس ليس إلا " هكذا يردد شباب الجنوب الأحرار في عدن ..

من السهل أن يكذب المرء ، لكن من الصعب استمرار الكذبة ، فالحق _مهما غُيب _ كالزيت يطفو على الماء ، وسرعان ما تتلاشى حيل المحتالين ، ويبقى الحق وأهله ملء الزمان والمكان ، وبلا سلطان يعربد بأوجاع وقضايا العوام ، ستظل القضية الجنوبية برموزها الحقيقيين ،ومطالبها العادلة شوكة في حلق الحاكم ، وقد تكون سبب زواله ما لم يتدارك أمره ، ويكف عن عناده قبل فوات الحراك إلى البعيد .

ماذا سيقول الطارق بعد اليوم ؟ لقد انحرف عن ماضيه وحاضره ومستقبله ، لقد خاصم الكل فأشباحه في صنعاء وزنجبار له في الانتظار ،وسيكون مصيره كمن سبقوه من أزلام السلطة ، ومهما كانت قوته ،وعلاقته التي ستقيه سوء المنقلب، فالقبيلة الحاكمة لا تُؤمن على خصومها ، وسنذكر غدا _ بالنيابة عنهم _ حكمة البردوني " ليس بيني وبين شيء قرابة " ...

في نظر سلطة تدير البلد بالأزمات منذ عقود، الفضلي كرت محروق ، وهدفه ليس بالبعيد والخطير ، فالناس عرفوا حقيقته ، لهذا لاتخشى من ردة فعل في حال استهدافه ،مقارنة بـ" باعوم ، أو النوبة " جنوبياً ، و"عبدا لملك الحوثي " شمالياً، فهو بالون نفخته ، لثقبته بإبرة ، وهو الآن معزول بين حيطان قصره ، محاط بالعسس، وتضلله تقارير المخبرين - وكالعادة في تعامل مع أذنابها - ستدبر له السلطة مكافأة نهاية الخدمة - مبكراً - ، وعلى أي حال عاد "طارق" مُنحرفاً عن مسار الحراك، ففي صنعاء مالا يتوقع ، وهو أدرى بشعابها ، وأخبر بصلافة عُكفتها !

نقول هذا وليس بمستغرب لو سمعنا عن انحرافات في طابور السلطة ، وليس بمستبعد حدوث اختراقات لهذا الفصيل من هذا الفندم ،أو ذاك الخبير ، فالسلطات الفاسدة ، والأنظمة الشائخة تخاف نهايتها، لذا تحيك دسائس بقائها من موقع خبير بكل تفريخ وتمريخ.. وحكاية الفضلي تعيد للأذهان مؤامرات وانقلابات شهدتها اليمن " شمالاً وجنوباً " قبل الوحدة ،وتبين فيما بعد أن نصف صفوفها الأولى كانوا " لاعبي حبلين " .. فما أشبه الليلة بالبارحة !

حين تسلل الفضلي إلى رأس المجلس الأعلى للحراك الجنوبي ، سعى لطمأنة القيادات التاريخية للحراك الجماهيري ، وتواصل مع الرئيس البيض ،وبقية رفاقه ، وقام برفع علم اليمن الديمقراطي ، وبروز صور البيض في مقيله ، مستغلاً لحظات التسامح الجنوبي الجنوبي ،فسار الغليان لصالحه ، فانبرى لمحاصرة عناصر الحزب الاشتراكي في أبين ، واندفع مسعوراً بأوهام السلطنة لرفع شعارات معادية للحزب ،وقيادته التأريخية التي حملت قضية الجنوب ،وجعلتها في رأس أولوياتها ،بل ونقلت أوجاع الشارع الجنوبي إلى محافل النضال السلمي بناء على رؤية حكيمة ،مستمده من فلسفة غاندية تقول : حارب عدوك بالسلاح الذي يخشاه ، لا بالسلاح الذي تخشاه .

ورغم ضراوة حملات " الحراكيش " أمثال الفضلى الساعين لتسيد الجنوب على حساب الاشتراكي ، لم تأتِ رياح الفوضى بما تشتهي سفنهم ، وظل الحزب حاضراً في يوميات الجنوب السلمية،ولازال قادراً على التعاطي مع معطيات الواقع الجديد ، فيما قيادته برئاسة الدكتور/ياسين سعيد نعمان تعمل في كل المحاور لاستعادة الحقوق دون تنازلات لأي طرف داخلي او خارجي ، وبالنضال السلمي ستستعاد الحقوق ، وتحصن الحريات ، وهذا ما يخيف نظام الحكم في صنعاء ، لهذا دفعت السلطة بمندسيها إلى مكونات الحراك ، وفعاليته السلمية لإدخالها إلى مربع التصادم الدموي ، فكان لهم ما أراود ،هنا نتساءل: من قتل أبناء القبيطة ، والجنود ؟ ومن أحرق محلات الشماليين في مدينة لحج ؟ ومن هم المُلثمون الذين ينكلون بأبناء الشمال في مدن حضرموت ؟ ومن استباح زنجبار وضح النهار ؟ ومن .. ومن ؟

قبلما يفك الفضلي ارتباطه بالسلطة ، لم نسمع عن حرائق تلتهم المدن ، وحراك يقتل الأبرياء في شوارع الجنوب ، قبل تحريك طارق، لم تطقطق البنادق في زنجبار و لحج وعدن والضالع ، قبل مجيء القاعدي السابق، لم نشاهد قائداً حراكياً حاملاً للسلاح ، وخلفه عشرون مرافقاً ، متى كان حمل السلاح دليلاً على قوة ؟ وكيف للجنوب أن ينتصر ، وللحقوق أن تعود ومناضلوه كـ" باعوم ، وأبناء شرا حيل "في سجون القهر ، والمتسلقون طلقاء يبرمون صفقاتهم باسم القضية ؟ هنا يتنهد الشرفاء ، ويجني المُنحرفون ثمار الحراك ، وفقاً للأديب العربي نجيب محفوظ فـ" الثورات يدبًرها الدهاة ، وينفذها الشجعان، ثم يكسبها الجبناء. !

وما يثير شفقتي على السلطان المُنحرف تقرير الصحف الأمريكية التي تأتيه إلى قصره -آخرها نيويورك تايمز - ومثلما تبدو تصرفاته طائشة في حضرة صحافة محترفة تلتقط مايثيرها من شرابه ، ولبسه ، ومأكله ، يبدو مرتبكا في أحاديثه، فتارة ينفي صلته بالقاعدة ، وتارة يعرض وساطة بين زعيمها بن لادن ، وأمريكا ، وكأن الحرب بين الطرفين على أرضية واقعة بين " العريش" و"زنجبار" ، ليفض نزاعهما عليه ،وفي ذروة مبادرته يقول الطارق : تربطني علاقات وطيدة مع بن لادن، وأنا معجب به.... ! ألا يعي بأن زعيم القاعدة لا تشرفه علاقة بشخص متقلب يعاقر الخمر، ويفتخر برفع علم أمريكا ، وترديد نشيدها الوطني لغايات ضيقة ، ويضحكني الفضلي حين يتحدث عن استباحة الجنوب ،متناسياً دوره في سقوط عدن ، ألم يدخلها على دبابة الفاتحين ؟

 ماذا تبقى للسلطان ؟ كل شي تبخر من يديه ! وعاد من حيث أتى مهزوماً ، مذموماً ، ونصره المرسوم في مخافر السلطة ، كان نصراً دموياً مقروناً بالغباء - وحد قول غاندي - "النصر الناتج عن العنف هو مساوٍ للهزيمة، إذ أنه سريع الانقضاء " ، فما بالكم بنصر آنيٍّ لرجل خالف تعاليم المخرج ، ليتسلق ظهر الحراك للوصول إلى وهم السلطنة ، مقتفيا ً دور عادل إمام في مسرحية " الزعيم " ، لكن الفرق شاسع بين النهاية الدرامية لـ" الزعيم" ، والنهاية الثورية لـ" السلطان" ، وعلى أي حال ففشل طارق في مهمته - بشكل أساس - هو فشل للمخرج المركزي لأزمات اليمن ، وفي ذات الوقت فانكشاف قناعه هو: نصرا للقضية الجنوبية العادلة ، ولقادتها الشرفاء ، المنفيين خارج الوطن ، والمغيبين في سجون القهر ..

ومهما شطح الغاضبون، ففي يد الرئيس " صالح " الحل ، وبدلاً من هدر أموال الشعب في شراء الذمم ، وإلحاق الأذى بشرفاء الجنوب وقامته الوطنية ، عليه أن يعترف بالقضية ، وينصت لمظالم الناس ، ويعمل بشكل جاد لحل مشاكلهم المستفحلة ، حينها سيهدأ الجنوب ، وستخرس ألسن ذباب الولائم ،ولن يعود بحاجة للفضلى وأشباهه ، وبالتنمية الشاملة ستبقى الوحدة المجيدة مفخرة لكل اليمنيين ..

sharabi53@gmail.com