ما لا يعرفه العرب عن فوائد زيت الزيتون وعجائبه في جسم الإنسان الضالع: وفاة شابة ووالدتها غرقاً في حاجز مائي غلاء عالمي لأسعار الغذاء إلى أعلى مستوى ست مواجهات شرسة ضمن بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز إستعدادات كأس الخليج.. لجنة الحكام باتحاد كأس الخليج العربي تجتمع على هامش قرعة خليجي 26 أول رد من المجلس الرئاسي لوزارة الدفاع السعودية بخصوص مقتل وإصابة جنود سعوديين بحضرموت تقرير: مليون يمني ألحقت بهم أمطار هذا العام أضراراً متفاوتة وضاعفت مخاطر الإصابة بالكوليرا ضبط عشرات الجرائم في تعز والضالع خلال أكتوبر حزب الإصلاح يتحدث لمكتب المبعوث الأممي عن مرتكزات وخطوات السلام وأولوية قصوى أكد عليها المسلمون في أميركا صوتوا لمرشح ثالث عقاباً لهاريس وترامب
خلال المائة عام الماضية، وحتى قبلها، هيمن على السلطة في اليمن الشمالي قبل الوحدة، والجمهورية اليمنية بعدها، المنتمون إلى المنطقة الجغرافية الواقعة في المرتفعات العليا من اليمن. ويحمل هؤلاء أكثر من مسمى تبعاً للجهة التي تسميهم، فهم في مناطق تعز وما حولها (أصحاب مطلع) وفي تهامة (الجبالية) وفي المحافظات الجنوبية (الشماليون، الزيود).
ويمكن اعتبار هذه الهيمنة بما يمكن تسميته بالمارونية السياسية، وهو المصطلح المقتبس من النظام السياسي اللبناني المستند على الطائفية، والذي منح للطائفة المارونية أهم المناصب في الدولة خاصة منصب رئيس الدولة.
وقد تمكن “موارنة اليمن” من احتكار المناصب العليا في الدولة خلال العهدين الملكي والجمهوري بسبب تركيبتهم الاجتماعية ووضعهم الاقتصادي، فمناطق هذه الفئة تتصف بطابعها القبلي، الناتج أصلاً عن شحه الموارد وقسوة الطبيعة. وبفضل عصبيتهم القبلية، ونزعتهم الحربية، تمكنوا من الهيمنة على مفاصل السلطة عبر التواجد الكثيف في مؤسسات السيطرة والقوة (الجيش، والأمن).
وبوصول عبدربه منصور هادي لمنصب رئيس الجمهورية، ومحمد سالم باسندوه لمنصب رئيس الوزراء وهما المنحدران من المحافظات الجنوبية، فإن ذلك يعني، نظرياً على الأقل، سيطرة الاثنين على أرفع المناصب في الدولة اليمنية، الأمر الذي يبشر ببداية النهائية للمارونية السياسية في اليمن.
إن نهاية المارونية السياسية في اليمن لا تعني أو لا يجب أن تعني تغيير الأدوار، عن طريق تحويل الضحية إلى جلاد والجلاد إلى ضحية، فليس المطلوب القيام بعمليات انتقامية لهذه المجموعة، تحت مبرر العدالة أو الكفاءة، فالأمر يحتاج إلى تروٍ وحصافة، ويحتاج قبل ذلك إلى شرعية أخلاقية تغطي عملية التحول، بحيث تجعل الجميع بما فيهم “الموارنة” أنفسهم يؤمنون بضرورة إنهاء هذه الهيمنة. ويكمن المبرر الرئيسي لذلك في حاجة الدولة إلى المساواة ليس بصفتها، قيمة أخلاقية وحسب، وإنما لضرورة سياسية يستفيد منها الجميع، بمن فيهم “الموارنة” أنفسهم. فهؤلاء لم يكن جميعهم مستفيدين من هذا الوضع، كما يعتقد، فخلال العهود السابقة، وتحديداً فترة الرئيس صالح، التي قامت على التمايز، خلق هذا التمايز إحساساً بالاضطهاد النسبي طال جميع أفراد الشعب تقريباً.. فعلى سبيل المثال، حين كان نظام صالح يميز بين المواطنين استناداً إلى القرابة والولاء، أدى هذا الأمر إلى إحساس بالاضطهاد النسبي، في الفئات التي تقف في أعلى سلم الحكم، وما انشقاق اللواء علي محسن وأولاد الشيخ عبدالله الأحمر إلا مظهر من مظاهر الإحساس بالتمايز الذي شعر به هؤلاء، حين منح الرئيس صالح أسرته الصغيرة امتيازات تفوق ما منح لهم، رغم أن جموع الشعب كان يرى في مواقع هؤلاء امتيازات لا يستحقونها.
وفي هذا الشأن أستذكر واقعة، تحمل الكثير من الطرافة والغرابة، لكنها تؤكد ما ذكرناه. وهذه الواقعة، التي يعرفها الكثيرون، تتعلق بموقف الشيخ حسين الأحمر حين مُنع من دخول صنعاء بموكب كبير في عام 2007، وهو ما جعله “يحنق” ويعود إلى مدينة خمر، ويقوم بعمل حشد ضخم لقبيلة حاشد، ويخطب فيهم قائلاً “إن قبيلة حاشد مهمشة” وقد أدى هذا الوصف إلى حالة من التعجب والتندر من قبل الكثيرين، والذي قال أحدهم إذا كانت قبيلة حاشد مهمشة فماذا سنقول على سكان تهامة إذاً؟
والحقيقة أن تهميش حاشد من وجهة نظر الشيخ حسين الأحمر، كان صحيحاً قياساً بالامتيازات التي كانت تتمتع بها قبيلة سنحان، وتحديداً أسرة الرئيس، فبالنسبة لحسين الأحمر فإنه من الظلم أن يكون موكبه لا يزيد عن سيارتين فقط ـ حسب التعليمات التي أقرتها الحكومة في تلك الفترة ـ فيما يسمح لابن الرئيس وأبناء إخوانه وغيرهم من المقربين بمواكب تزيد عن ذلك العدد. وتدل هذه الواقعة، أن القبول بالامتيازات يؤدي بالضرورة إلى حالة من الإحساس بالظلم يشعر بها الجميع بنسب متفاوتة. وعليه فإن إلغاء مبدأ الامتيازات يحقق العدالة للجميع.
ينبغي أن يتم تفكيك “المارونية السياسية” بأكبر قدر من الحيطة والحذر، إذ إن التسرع في هذا التفكيك قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ولنا فيما يسمى بأحداث “أغسطس” تجربة مرة في هذا الشأن، إذ أدى الشروع المتسرع في إلغاء المارونية السياسية في ذلك العام (1968) إلى نتيجة عكسية حين استنفر “الموارنة” قوتهم وتمكنوا من وأد تلك المحاولة ومن ثم القيام بعمليات تطهير طائفي بغيض، طالت أرواح البعض ووظائف ومراكز البعض الآخر، ومازال بعض آثارها السيئة باقياً حتى الآن. وحين نقول إن هذا التفكيك يجب أن يتم بحكمة وتروٍ وبصورة سلمية وقانونية، فإن ذلك ناتج من إدراكنا لصعوبة هذا الأمر، وهي صعوبة تمليها حقائق موضوعية على الأرض، فموارنة اليمن مازالوا ممسكين بمصادر القوة والنفوذ في الدولة، من خلال تواجدهم الكثيف في الجيش والأمن، كما أن خلفياتهم القبلية تمنحهم ميزة إضافية تجعلهم في موقف أقوى في حال كانت هناك رغبة في إزاحتهم بالقوة وبشكل استفزازي.
إن من مخرجات المارونية السياسية في اليمن هذه المشاريع الصغيرة التي تتجاذب اليمن الآن، والتي يمكن اعتبارها بمثابة ردود فعل على المارونية السياسية، التي اتصفت بها الحالة السياسية لليمن. ولهذا فإن على الجميع أن يدركوا، وتحديداً موارنة اليمن، أنه لا يمكن أن تكون هناك دولة مزدهرة يستفيدون من خيرتها، في ظل غياب لمبدأ المساواة.
ونحن على أعتاب مرحلة جديدة بعد الثورة، علينا أن ندرك أن التمسك بالديمقراطية وحكم القانون هو الطريق الوحيد المؤدي إلى إنهاء هيمنة أسرة أو منطقة أو شطر. ولهذا فإن من مصلحة الجميع، وتحديداً ضحايا التمييز، أن يتمسكوا بالعدالة وحكم القانون، بدلاً من عمليات الثأر والانتقام فإنها لا تورث سوى المزيد من الظلم والبغضاء.