شرعبتها يا حمود
بقلم/ نائف حسان
نشر منذ: 14 سنة و شهر و 16 يوماً
السبت 18 سبتمبر-أيلول 2010 04:34 م

منذ نحو عامين ونصف؛ وسعيد قحطان يعيش، وأطفاله، حالة خوف مستمرة؛ جراء استهداف منزلهم بالقنابل والرصاص. بين فترة وأخرى؛ يصوب مسلحون نيرانهم نحو منزل قحطان، الذي أصبحت آثار الرصاص بادية على أجزاء كثيرة منه، بما في ذلك جدران غرفه الداخلية. قبل أشهر؛ زارت "الشارع" منزل قحطان، ورأت آثار الخوف في وجوه أطفاله. كانت آثار الرصاص متناثرة على جدران المنزل. وبسبب تكرر الاعتداءات؛ اضطر الرجل إلى سد بعض نوافذ المنزل بالحجارة.

الخميس قبل الماضي، عشية عيد الفطر؛ أمطر المسلحون مطبخ المنزل بالرصاص, فنجت عائلة الرجل مجدداً من الموت. ينام أهل القرية؛ فيما يظل سعيد قحطان وأطفاله في انتظار رصاص وقنابل المسلحين. تكررت هذه الاعتداءات كثيراً؛ حتى أصبح أهل القرية يحاولون، عندما يسمعون طلقات الرصاص في الليل، التأكد مما إذا كان سعيد قحطان مازال على قيد الحياة، هو وأطفاله.

يعيش سعيد قحطان في قرية "بني شعب"، التابعة لمديرية "السلام -شرعب"، وهو شخصية اجتماعية معروفة، وتربوي قديم يدير حالياً مدرسة "مجمع هائل سعيد" في المنطقة. وطبقاً للمعلومات؛ فعدد من البلاطجة، وأصحاب السوابق، يعرفهم أهل القرية والمنطقة، ينفذون هذه الاعتداءات. ويُقال إن أحد أقرباء محافظ تعز، حمود خالد الصوفي، يقود هذه العصابة، ويقف خلف الاعتداءات، التي يُقال إنها رد فعل على المقالات الناقدة التي يكتبها الصحفي محمد سعيد الشرعبي ضد المحافظ الصوفي. إنها ملهاة سمجة؛ تكمن ذروتها في كونها تتم، في إحدى قرى "شرعب"، كعقاب لسعيد قحطان، وأطفاله، بسبب ما يكتبه ولده الذي يدرس في العاصمة صنعاء!

مبكراً؛ وصلتنا أخبار هذه الاعتداءات، إلا أننا لم نتعامل معها بالجدية المفترضة. اعتقدنا أن حمود خالد الصوفي أذكى من أن يتورط في ذلك، ولم نتصور أن هناك مسؤولاً حكومياً يُمكن أن يُعاقب صحفياً بإطلاق القنابل والرصاص على منزل أسرته في القرية.

هناك أكثر من نقطة تقاطع والتقاء في حياة حمود خالد الصوفي وسعيد قحطان. منذ زمن؛ ارتبط الرجلان بصداقة قوية. ينتمي الرجلان إلى قرية واحدة، وأثناء العمل السري؛ كانا ناشطين في التنظيم الناصري، الذي غادراه، في ثمانينيات القرن الماضي، للالتحاق في ركب المؤتمر الشعبي العام الحاكم. لقد ارتبطا بمسيرة سياسية وحياتية مشتركة؛ إلا أن الأول أصبح محافظاً للمحافظة، فيما أصبح الثاني مديراً لمدرسة القرية. وفيما ورث نجل الأول كرسي والده في البرلمان(!)، أصبح ولد الثاني صحفياً ناقداً لصديق والده الذي أصبح محافظاً. والمفارقة أن أغلب أبناء المنطقة يعرفون أن الصديق الذي أصبح محافظاً يقف خلف الاعتداءات المستمرة على منزل صديقه القديم.

تم تحميل سعيد قحطان مسؤولية كتابات نجله الصحفي ضد صديقه المحافظ! ومراراً؛ حاول التربوي القدير إعلان براءته مما يكتبه ولده، إلا أن المسلحين لم يتوقفوا عن رشق منزله بالقنابل والرصاص. قبل أشهر قدم الرجل إلى صنعاء ملاحقاً ولده الصحفي، ووسّط صحفيين كُثراً لإقناعه بالتوقف عن الكتابة ضد صديقه الصوفي.

ومع أن الصوفي ينكر وقوفه خلف هذه الاعتداءات؛ إلا أن هناك أكثر من شخص يؤكدون أنه حدثهم عن انزعاجه من كتابات الزميل محمد سعيد، وبدرت منه "اعترافات" بالوقوف خلف الاعتداءات التي تتم على منزل سعيد قحطان وأسرته في القرية. أحد هؤلاء الأشخاص قال للمحافظ إن قحطان غير راضٍ عما يكتبه ولده، ولا يستطيع أن يمنعه من ذلك؛ إلا أن الصوفي رد عليه بالقول بأنه لا يستطيع أيضاً أن يمنع قريبه المتهم بإطلاق القنابل والرصاص على منزل قحطان!

ينفي الصوفي هذه الاتهامات؛ بيد أن ذلك لا يسقط عنه مسؤولية حماية سعيد قحطان؛ ليس باعتباره صديقاً قديماً له، بل باعتباره "مواطناً" في محافظة يتقلد هو مسؤولية الرجل الأول فيها. ولئن كان قحطان لا يتحمل مسؤولية ما يكتبه ولده محمد؛ فالمؤكد أن الصوفي يتحمل مسؤولية حمايته وإيقاف القنابل والرصاص التي تستهدف منزله.

الغريب أن الصوفي لا يكتفِ بنفي التهمة عنه، بل يتجاوز ذلك إلى التشكيك بحدوث هذه الاعتداءات! من حق الصوفي أن يقول ما يشاء، لكن عليه أن يعرف أنه لم يعد بالإمكان إنكار هذه الاعتداءات. والأهم من هذا هو أن جميع الصحفيين في صنعاء أصبحوا يدركون أن الصوفي يقف خلفها.

قال الصوفي، لـ"نيوز يمن"، الأربعاء، "إن كان صحيحاً ما يدعيه محمد بتعرض منزله لإطلاق نار، فهناك جهات قضائية يلجأ إليها وهي معنية بحماية المواطنين، والنظر بقضاياهم". هذا كلام متحذلق يخلو من الذكاء؛ لأن الصوفي يدرك أن هذه الأجهزة معطلة، وليس بمقدورها إيقاف مسلسل الاعتداءات المتكررة ضد الرجل.

عرفت حمود خالد الصوفي عندما كان وزيراً للخدمة المدنية. جمعني به لقاء قصير تأكدت فيه، يومها، أنه رجل ذكي وشجاع. لكني لا أعرف ما الذي حدث للرجل؛ منذ عاد إلى تعز باعتباره الرجل الأول فيها. كان يُعتقد أنه سيستخدم ذكاءه في تطوير تعز كمدينة وكمجتمع؛ غير أن الاختلال الأمني زاد، واتسعت عصابات نهب الأراضي.

هناك تبرم كبير وسط أبناء تعز، وهناك حديث عام، وواسع، يقول إن الصوفي دعم بعض أفراد أسرته للعمل في نهب الأراضي؛ مستقوين بمركزه الوظيفي، وعصابات تُمارس السرقة والقتل في "شرعب". وقد سمع كثيرون بهذا الاستياء المتصاعد، عبر قصيدة "شرعبتها يا حمود"، التي يتداولها الناس في الموبايلات، وعبر حكايات وقصص أخرى. تُعبر هذه القصيدة الشعبية عن غضب أبناء بقية مناطق تعز من الصوفي، الذي يقولون إنه "شرعب" محافظتهم، فيما أغلب أبناء "شرعب" يحملون مشاعر الغضب ذاتها تجاه الرجل، الذي يقولون إنه يعمل على تقوية أفراد أسرته للعمل خارج نطاق القانون.

بمقاييس المسؤولين الحكوميين في اليمن؛ يُعد ما يفعله الصوفي "نجاحاً كبيراً"؛ إذ يتم النظر إليه "كشخص ذكي"، و"أحمر عين"! بيد أن الرجل لا يستحق أن يتذكره أبناء تعز وقلوبهم تلتهب حقداً وكرهاً.

كان الصوفي ناصرياً متحمساً، وقيل لي إنه يحب قصائد محمود درويش ويردد بعضها. وإذ تذكرت ذلك، وأنا أكتب هذا المقال؛ تساءلت: كيف يُمكن لرجل يحب قصائد محمود درويش أن يقبل أن يكون حضوره في ذاكرة الناس مقترناً بالكره، وقصيدة هجاء شعبية عنوانها "شرعبتها يا حمود"؟!

لا أريد أن أقسو على الرجل، لكني أعتقد أنه ليس بحاجة إلى النفاق وعبارات المجاملة. ولعله يدرك أنه بحاجة إلى تصحيح الصورة السلبية التي علقت له في أذهان الناس. الأهم من هذا هو أن عليه أن يعرف أنه أصبح مسؤولاً عن حياة وأمن سعيد قحطان؛ باعتباره الرجل الأول في تعز، وباعتبار أن أحد أفراد أسرته يقف على رأس العصابة التي تقوم بالاعتداءات على منزل قحطان. والصوفي مسؤول أيضاً عن حياة قحطان باعتباره متهماً بالوقوف خلف الاعتداءات التي مورست، ومازالت تُمارس ضد الرجل.

قد يُكابر الصوفي، ويعمل على استمرار الاعتداءات ضد منزل سعيد قحطان؛ معتقداً أنه سيثبت براءته عبر استمرار تلك الاعتداءات، ومتجاهلاً غضب الناس وموقف الصحافة. الخيار الآخر هو أن يتصرف الصوفي بذكاء، ويعمل على إيقاف هذه الاعتداءات، و ترميم صورته لدى الصحافة والناس.