هل الديناصورية ستحمي الوحدة؟
بقلم/ ضياء محمود
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 8 أيام
الثلاثاء 22 فبراير-شباط 2011 04:49 م

كتبت قبل أيام مقالي " مظاهرات سياسية أم شعبية؟!"، عقب خروج اللقاء المشترك بمظاهرات وصفتها بعض وسائل الإعلام بأنه وصلت إلى مليونين، أي ما يقارب عشر سكان اليمن. والحقيقة أنني لم أر في تلك المظاهرات أي علامات يمكن أن توقد الثورة الشعبية، فلم أزد على أن وصفتها بأنها مظاهرات سياسية، وقلت بأنها "مظاهرات لا يمكن وصفها بالمظاهرات الشعبية، فضلا عن وصفها بالانتفاضة الشعبية، أو حتى الثورة الشعبية، فدون هذين الوصفين مراحل لم يتجاوزها الشارع اليمني". وكنت محقا في ذلك، ولهذا نجد أن قوات الأمن لا تحرك ساكنا يذكر تجاه مثل هذه المظاهرات، لأنها امتداد سياسي لفئة سياسية، لا يمكن أن تحدث تغييرا جوهريا في بنية النظام اليمني.

ناديت على إثر ذلك بأن يتنحى قادة المشترك عن قيادة الشارع، وأن يتركوا المجال للشباب ومنظمات المجتمع المدني، وقلت "برأيي، أن الحركة الطلابية التي خرجت من جامعة صنعاء، كان يمكن لها أن تكون نواة حيوية للثورة الشعبية الكبرى، لو لم تجهضها محاولات اللقاء المشترك وغيره من بعض النقابات المحسوبة عليه ركوب موجتها، وتحويلها من نواة لثورة شعبية إلى مظاهرات سياسية هزيلة".

وما رأيته خلال الأيام الأخيرة الماضية من خروج الشباب إلى الشارع، دون قيادة من المشترك – يدل على أن الثورة في اليمن بدأت فعلا، وأن الضمان الحقيقي لها ألا يترك الشباب والناشطون أحدا يركب على ظهر الموجة، ولا ضير في قلة عدد الخارجين، فإذا كانوا اليوم يعدون بالمئات فغدا سيكونون بالآلاف، وبعد غد سيكونون بعشرات الآلاف ثم بالملايين. فالدائرة تتسع، والثورة تقوى، والنظام يضعف وينهار.

وحين يصل عدد المحتجين إلى مليون واحد فقط، فسيهزون النظام وسينهار كما تنهار بقايا الشمع... ولكن "مليون" يخرجون بإرادة شعبية، وبمطالب شعبية، وليس "مليونين" يقومون بمظاهرات سياسية، لا ترفع قلما، ولا تسقط حجرا.

إن العلامة الحقيقية للثورة في اليمن بدأت، وأقول للثوار: لا تنتظروا أن تتحقق مطالبكم خلال أيام أو أسابيع، لا، بل عليكم أن تصمدوا ولو لشهور، فقد ألقيتم الحجر في الماء الراكد، والماء تتسع دوائره وتتحرك باتجاهات جديدة.

إن بقاء النظام الضعيف مدعاة لأن تتحول اليمن إلى يمنات، فصعدة ستنفصل، والجنوب سينشطر، وربما سينشأ يمن أسفل ويمن أعلى...الخ. وخصوصا مع ضعف الجيش في الحفاظ على الوحدة اليمنية. وصمام الأمان الوحيد الذي سيحفظ البلاد من الانشطار والتمزق هو الثورة، فالثورة ستحفظ وحدة اليمن، وتحميها، وسيلتحم أبناء الشمال مع الجنوب، وشرق اليمن مع غربها، وسكان الجبال مع أهل تهامة، والقبائل مع المدن...سيلتحمون ويحمون الوحدة من السقوط.

في التاريخ عبرة، إن مصر قبل الثورة كادت تقضي عليها الطائفية التي كان يؤججها النظام، لأنه يشعر أنها السبيل الأفضل لبقائه، فالكراهية بين المسلمين والمسيحيين كانت على أشدها، وخصوا مع تفجيرات كنيسة القديسيين، والاسكندرية، وحوادث الردة...والانقسامات بين الأحزاب كانت على أشدها، ولم يستطيعوا أن يتخذوا قرارا موحدا حتى في قضية الانتخابات، والفجوة تتسع بين طبقات المجتمع، ومختلف فئاته... فالناظر بعمق في المجتمع المصري كان يدرك مدى خطورة تأجج الانقسامات.

ما الذي حدث؟ قامت الثورة، فوحدت الجميع، وأدركوا أن النظام هو الذي كان يحافظ على هذه الفجوات والمسافات ليضمن بقاءه...فتوحدوا جميعا تحت لواء الثورة، وهاهي مصر تشهد أعظم بطولات الالتحام والمودة.

وما يقال هناك يقال هنا... لا حل للحفاظ على الوحدة إلا اندلاع الثورة، فيشعر أبناء الجنوب أن أبناء الشمال مثلهم يشعرون بمعاناتهم، يهمهم أمرهم، ويفزعون من أجلهم، والعكس كذلك، حيث يشعر أبناء الشمال أن أبناء الجنوب معهم، وأنهم جميعا يقفون في خندق واحد ضد بقايا الديناصور المتوحش...

ألا يدري هذا الديناصور أنه يحد سكاكينه التي سيذبح بها؟! ما هذه القوانين المضحكة التي يريد سنها في مجلس النواب؟ ما هذه الآليات المفضوحة التي يقمع بها المتظاهرين؟! ما هذه التصريحات المكشوفة التي يحاول أن يتلاعب بها على العقول؟!

يكفيك لتدرك تآكل النظام أن ترى أن معظم الذين يُخرَجون –هم لا يَخرُجون، إنما يُخرَجون - لمناصرته، معظمهم من كبار السن!! وهتافاتهم فئوية، شخصية، وتثير النعرات الطائفية، بأيديهم العصي المتآكلة...

عندما رأيت هذا المشهد... أدركت كيف أن هذه الأنظمة غبية عمياء، تكرر فصول المسرحيات التي تؤدي إلى انهيارها، كالشاة التي أرادوا ذبحها فلم يجدوا سكينا، فحفرت بظلفها حتى ظهرت سكين، فذبحت بها...فالنظام كباحثة عن حتفها بظلفها.

فليختر الشعب: إما الديناصور الذي سيمزق بغبائه وسكاكينه مجتمعنا اليمني؟ وإما الثورة التي ستوحد أرض اليمن وقلوب اليمانيين.