الوصاية على شعب الجنوب
بقلم/ طه حسين بافضل
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 12 يوماً
الإثنين 13 فبراير-شباط 2012 10:40 م

في حواره الأخير مع صحيفة الوطن الكويتية، يكرر الرئيس علي سالم البيض الحديث عن تقرير شعب الجنوب مصيره بنفسه تجاه الانفصال عن الوحدة مع الشمال، أو الاستمرار فيها، قال ذلك من قبل في حواره مع "الحياة اللبنانية". هذا التصريح المتكرر من أفواه كثير من قادة الحراك الجنوبي في الداخل والخارج، في مناسبات متعددة يجعل التساؤل قائماً حينما نرى على الأرض كيف يتعامل الحراك مع الناس في الجنوب، بطريقة فيها من نوع من الإكراه والتهديد، والسطو والانقضاض على ساحات المخالفين، لإرغامهم عنوة بقبول تصرفاتهم التي تحمل شيئاً من الرعونة والشدة والضغط لإظهار قوة الحراك وهيمنته على الساحة في الجنوب.

القضية الجنوبية ليست حكراً على طائفة معينة أو مكون من مكونات الحراك، أو حزب من أحزاب المعارضة، وبالأخص تجمع الإصلاح، وهي ليست نهباً لأهواء مجموعة من الأفراد بصرف النظر عن حجم الثقافة أو العلم والمعرفة الذي تحملها والمؤهلات التي تساعدها لإيصال القضية للناس جميعاً بله للعالم أجمع ..وعندما نتفق على ذلك، فلا يصلح أن يحتكر زيد أو عبيد من هؤلاء التحدث باسم شعب الجنوب، وأنه يريد ويريد، وأن هذا الشعب المُدّعى عليه يدعو ويشجب ويندد ويهدد!!

عندما يدعو مكون من مكونات الحراك لمقاطعة الانتخابات أو إقامة اعتصاماً عاماً أو إضراباً شاملاً، في مدينة أو قرية من قرى الجنوب، لا يحق له بحال من الأحوال، أن يُرغم الناس لتنفيذ هذا العمل، ويذهب إليهم ويهددهم في أرزاقهم ومعيشتهم، بل ويستخدم النار لتحقيق أهدافه، وهاهو يحرق خيام مخالفيهم من شباب التغيير بساحة الحرية بعدن، بحجة أن القضية لا تحتمل التخلف عن ركبها بزعمهم، وبحجة أن المتقاعس عن النضال من أجلها بطريقة "الحراك الجنوبي" هو خيانة لدماء الشهداء!! الحب بالغصب أيها الأخوة مرفوض، لا وألف لا لحب يأتي بالإكراه والتهديد والوصم بالخيانة والعمالة والجاسوسية ونحو ذلك من الاتهامات الجاهزة..

دعوا الناس ياحراك ويا إصلاح تمارس حقها بنفسها، واليوم الصغير قبل الكبير يعرف ويفهم القضية الجنوبية، كل بحسب عقله الذي منحه الرب له، والمفترض والفعل الحضاري هو أن يتفنن أصحاب القضية في أساليب دعوة غيرهم وجذبهم باقتناع وطواعية، فإذا كان اعتناق الدين لا إكراه فيه فكيف بقضية بشرية فيها ما فيها من القصور والضعف والنقص؟! فلا مناص حينئذ من تكريم الإنسان واحترام إرادته وفكره ومشاعره؛ وترك أمره لنفسه.

يرى البعض أن الانتخابات الرئاسية القادمة، فرصة سانحة ليقرر الجنوبيون بأنفسهم وبدون تهديد أو إكراه أو ترويع وإرهاب ماذا يريدون؟ وماذا يقصدون؟ فالذين سيذهبون للإدلاء بأصواتهم ليسوا بالضرورة محبين لوحدة الضم وإلحاق الفرع إلى الأصل كما يقول "البيض"، بل هم ربما يمقتون وبشدة هذا الإجرام بحق الجنوب، ولكنهم يرون أن المسألة مسألة وقت، فلننته من هذه الانتخابات ولنتفرغ للانتقال إلى مرحلة المطالبة الحازمة لتقرير مصير الجنوب وحل قضيته العادلة ..وهذه الفكرة لها حظ من الوعي والاتزان، بصرف النظر عما قيل عن هذه الانتخابات بأنها شكلية أو نحو ذلك من الألفاظ والتعليقات، لكن المجتمع الدولي - الذي يحتاجه الجنوبي للوقوف معه في محنته- برمته مع هذه الانتخابات بل ويشرعها ولا يرى سواها،وسيدعمها، هذا الاتجاه بالذهاب للتصويت يقول به جمع من الناس لا يستهان بهم ومن الصعب تجاوزهم أو التقليل من شأنهم. وحتى لو كانوا قليلاً فلرأيهم كل الاحترام.

وحديثي هذا ينسحب تلقائياً ليشمل حزب الإصلاح وقواعده التي ترتكب الخطأ ذاته في التهوين من حراك القضية الجنوبية، ويصل الأمر إلى توزيع الاتهامات جزافاً؛ فما أسهل على المرء أن يوزع الاتهامات ويلصق بالآخرين العيوب كأنه بذلك ينزه نفسه عن ما اتهم وألصق بغيره، وإذا أُطلق الاتهام من قبل بعض قواعد حزب الإصلاح للحراك الجنوبي فلن يتوانى المجروح بسهام اتهامهم أن يطلق التهمة وبقوة ويقول: أن ما أصاب الجنوب من مآسي فللإصلاح القدح المعلى فيه، والمشترِك في الإثم والإجرام كفاعل له بل أشد.

لن ننتهي من هذه الدوامة المزعجة وهذا المسلسل الطويل الذي محصلته الخسار للجنوب الذي نبحث له عن مخرج، فهل يُترك للجنوبي خياره بنفسه ليقرر مصير وطنه وليحدد الاتجاه الذي يريد؟ وليبدأ بعدها صفحة جديدة من النضال والتحرك الفاعل بمجموعه وأطيافه، دون استثناء، لتحديد الصيغة السياسية القادمة التي يريدها بطريقة شفافة ونزيهة ودون إكراه أو تهديد ؟!