الشرق الأوسط الإسلامي الجديد
بقلم/ ابراهيم سيلان العبيدي
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 24 يوماً
السبت 07 يناير-كانون الثاني 2012 06:43 م

إن فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي في المغرب ومن قبله فوز حزب النهضة التونسي وفوزهم الذي يلوح في الأفق في مصر وليبيا واليمن وسوريا يشير إلى مرحلة جديدة قادمة يعيشها الوطن العربي مرحلة شرق أوسط إسلامي جديد.

لم تأتِ هذه المرحلة من فراغ فعند الرجوع للتاريخ نرى أن الحركة الإسلامية (الإخوان المسلمين) تأسست في عشرينيات القرن الماضي ومشروع الأخوان المسلمين كان من اللحظة الأولى مشروعا قام بالأساس على أنقاض الخلافة الإسلامية التي ضاعت في تركيا عام 1924م وقامت الحركة كردة فعل لإعادة الاعتبار للدور الإسلامي الذي ضاع بسبب محاولات طمس الهوية الإسلامية التي تعرضت لها الأمة في بداية القرن الماضي، واندمجت الحركة بسرعة كبيرة في المجتمع المصري، واستطاعت أن تخلق منذ بدايتها علاقات صلبة مع كل الأطراف السياسيّة.

لقد كان الاندماج السريع يرجع بالدرجة الأولى إلى شخصية المؤسس حسن البنا، واليوم انتشر فكر الإخوان انتشارا كبيرا ، فنشأت جماعات أخرى تحمل فكر الإخوان في العديد من الدول، ووصلت الآن إلى 72 دولة تضم كل الدول العربية و دول غير إسلامية.

من المهم أيضا حين نتحدث عن تاريخ الأخوان أن نتحدث أيضا عن الظروف التي عاشوا فيها مرحلة خمسينيات وستينيات القرن السابق وهي مرحلة من القمع والتنكيل حيث عاشوا مختفين قسرا بين الاعتقال والقتل والمنفى، هذه الظروف لم تسمح بظهور فكر متسامح قادر على التعاطي مع الآخر لا يمكن لجيل عاش مطاردا تمارس ضده شتى أساليب التعذيب والقمع أن يكون منفتحا وحرا وقادرا على الثراء الفكري هذه أمور تعيق الإنسان عن الحياة فضلا عن التفكير والتفاعل مما تسبب إلى كفاح مسلح ضد الأنظمة كما حدث في الجزائر و مصر في فترة زمنية معينة.

في فترات متعددة استطاعت حركة الإخوان تأصيل الخروج على الحاكم الظالم الذي يمارس القمع والتنكيل لشعبة لكن الحركة لم تستطع أن تتجاوز موضوع الخلافة، الخلافة التي كان ينظر إليها على أنها جزء من عقيدة أهل السنة وليس مجرد ترتيب سياسي وزماني معين كان مفيدا لفترة من الزمن وظل قائما لكنه غير صالح للأزمنة اللاحقة ولكن لجمود فكري أصاب الأمة وجعلها تخضع لتفسيرات السلطة السياسية التي جعلت من الوسيلة السياسية (الخلافة) جزءا من العقيدة لأسباب كثيرة ولكن منذ خمسينات القرن السابق إلى عصرنا عصر الثورات الربيع العربي جرت تغيرات كثيرة جدا في نهر السياسة العربية بكل أشكالها فتقدمت أفكار وتراجعت أفكار، هذه الأفكار التي نضجت لتبتكر مدرسة جديدة لدى فكر بعض قادة الإخوان المسلمين من أبرزهم الأستاذ راشد الغنوشي ورجب اردوغان والدكتور أنور إبراهيم نائب رئيس وزراء ماليزيا و غيرهم الكثير تلك المدرسة وضعت أولويات عدة لم يكن بينها لا الخلافة ولا الوحدة الإسلامية وإنما التنمية البشرية بكل إبعادها وحقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة وقد حقق أحد رجالها السياسيين (رجب اردوغان) نجاحا منقطع النضير عند تطبيقها في الحكم وأصبح نموذجا بارزا وأصبح العالم أكثر تقبلا لهذه المدرسة الإسلامية العقلانية وكذلك حققت هذه المدرسة الفكرية انتشارا واسعا بين الإخوان في العالم الإسلامي حتى إن فكرها أصبح هو فكر التيار المركزي الرئيسي في أغلب حركات الإخوان دافعا المتطرفين من الشيوخ الكبار إلى أطراف الحركة.

لقد ساهم الربيع العربي المتمثل بالثورات والاحتجاجات الشعبية في صعود نجم حركة الإخوان المسلمين التي أصبحت اليوم لاعبا سياسيا رئيسيا في منطقة تحكمها أنظمة ديكتاتورية منذ زمن و يرجع ذلك لأنهم أكثر تنظيما من منافسيهم، فلو افترضنا أن حركة الإخوان المسلمين فازت بالانتخابات في كل الأقطار العربية فلن يتحدوا في دولة واحدة بالشكل التقليدي مثلما لم يتحد الشيوعيين والقوميون في دولة واحدة من قبل قد يصبح بين تلك الدول تنسيق موحد كاتفاقية الدفاع العربي المشترك مثلا ولكن لن يرقى إلى أي نوع من التوحد السياسي الكامل، الإخوان المسلمين سيكون تركيزهم على التنمية والعدالة والحرية، لن يطبقوا الشريعة بحذافيرها بل سيركزون على التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كلهم سيتبعون نموذج تركيا مع مراعاة الاختلاف في كل دولة مثلا في اليمن لا مشكلة في تطبيق الشريعة فهي قائمة أصلا بعكس تونس الوضع سيختلف، الإخوان سيركزون في هذه المرحلة على تنمية شعوبهم لأنه الباب المنطقي للتقدم على باقي المسارات أن طمحوا الاستمرار في الحياة السياسية.