الثورات العربية ... دروس وعبر للزعماء العرب
بقلم/ فؤاد الحصري
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر و 14 يوماً
الأربعاء 13 يوليو-تموز 2011 07:16 م

لعل أكثر من بني البشر يخططون لموتهم بأنفسهم, فمنهم من يتقربون إلى الله بالأعمال الصالحة التي تقيهم من عذاب القبر وهول الآخرة والتي نخشى منها ونتمنى من الله أن ينجينا منها؛ كي لا نقبع في حفرة سحيقة حامية تصلى وجوهنا وأجسادنا من شدة هيجانها وحرارتها المريبة، والبعض الآخر من بني البشر يخططون لحياتهم بطريقة متقنة ويتمنون لو لم ينته بهم الأجل، بل يظلون يصارعون شبح موتهم بمختلف الوسائل، فالزعماء العرب هم من يفكرون بالحياة أكثر من غيرهم، وأعتقد جازماً بأنهم تناسوا شي اسمه الآخرة وشي اسمه العقاب بما يقترفونه من ظلم تجاه شعوبهم المقهورة.

الغريب أن الزعماء العرب حينما أطلقت شعوبهم صفارة الإنذار لخلعهم من كراسيهم لن يختاروا الحياة الكريمة والخروج المشرف لكنهم أصروا وتمردوا واختاروا طرقاً منحرفة وملتوية وخططوا نهايتهم البشعة بأنفسهم، تالله إنهم عن عبادة الله لغافلون وعن الخير بعيدون ومن الشر قريبون وعشقوا الحياة الفارهة وممارسة اللهو واللعب والرقص على جماجم مواطنيهم وتناسوا الآخرة تماماً ،فالمغضوب عليهم من الزعماء العرب قد تم حذفهم من قاموس الاجتماعات والذكر الحكيم ورؤساء مشنوقون ومحرقون ومشوهون ويتضورن ألماً ولهيباً جراء عنادهم الذي كبر عن حده، وزعماء يبطشون وينطشون ويقتلون النفس المحرمة ويسعون في الأرض فساداً حتى اللحظة ونهايتهم ستتلقفهم كسابقهم من المخلوعين والمحروقين والمشردين، على الزعماء العرب والذي لم تثور عليهم شعوبهم عليهم تهدئة أعصابهم واستخدام المهديات بدل المنشطان، وعليهم أن يفكروا مليًّا إذا دارت الدائرة عليهم أن ينصتوا ويستمعوا ويعيوا لمطالب شعوبهم وأن لا يستخدمون طرقاً وتنازلات تفضي في الأخير إلى حروب وقتل الأنفس البريئة كما حدث ويحدث في اليمن وسوريا وليبيا بحق شعوبهم التي تنادي بالحياة وتحاول أن تنتشل كرامتها ودولهم من أعماق الظلم والفساد وما يمارس ضدهم من قبل زعمائهم المتمردين.

على الزعماء القادمين على امتحان شعوبهم أن يفهموها من أول يوم, ولا وقت لتقديم سيل من التنازلات التي لا تنفع في وقت الأزمات، عليهم فقط تحزيم أمتعتهم بإذن من شعوبهم وأن يرحلوا إلى أي مكان ليمكنوا شعوبهم من ممارسة حياتهم كيفما يشاءون وعليهم أن لا يسيرون كما سار عليه الأولون من الزعماء ويلجئون لإعداد العدة من مختلف الأسلحة لقمع شعوبهم.

ما يستفزني ويستفز الكثير من الشعوب العربية أن الزعماء العرب تسللت إلى عقولهم أوهام مفرطة بأن الحياة من دونهم مستحيل, وبدونهم ستنقلب الأمور على عقبيها, وللأسف هذا ما وصل إليه الزعماء العرب من الغرور المنحط, وكان ذلك الغرور سبباً رئيسياً في انتشار الأزمة العربية والتي بدأت تطغى على مختلف الدول العربية، واعتقد أن الثورات العربية لن تنتهي عند دولة محددة بل إنها ستظل تنتهج نهجها لتطهر كل شبر من الوطن العربي مهما كان شكله ولونه وسنه وعمره.

الثورات لا تعترف بجمهورية ولا بمملكة ولا سلطنة ولا ولاية ولا أسرة حاكمة ولا خبرة في الرئاسة ولا توريث. الثورات تعرف فقط كيفية القضاء على تلك المسميات الهزيلة التي وضعها الزعماء العرب والذين يحكمون دون قوانين ودون دساتير شرعية.

لم نسمع أو نر سريان انتخابات رئاسية أو برلمانية بطريقة ديمقراطية ونزيهة وسقط من خلالها زعيم عربي, وما نلاحظه بأم أعيننا الفوز الساحق والكاسح حتى ولو كان ذلك الزعيم العربي متخم بالفساد والجهل حد النخاع، لم نسمع في يوم ما أي من المحطات التلفزيونية العربية تبث خبراً عاجلاً مفاده أن زعيمًا عربيًا أصيلًا قدم استقالته بسبب كبر سنه وعجزه وتخريفه وفشله. الزعماء العرب لا يحترمون أنفسهم أولاً ولا يحترمون رغبات شعوبهم المسحوقة والمدهوسة بأحذيتهم وحاشيتهم التي تمارس قمعها بكل وحشية وبكل ما أوتيت من قوة.

لم نسمع عن رئيس عربي "نط" من أعلى منصته, وقال: كفى يا شعبي إني كبرت وهرمت ولا أستطيع أن أظل على ما أنا عليه؛ لأن المشوار صعب طالما وشعبي لم ينل قسطاً من الراحة والرفاهية والفكر والثقافة والتعليم والعمل وغيرها من أمور الحياة بعد طوال حكمي اللعين والخبيث، لكن ظل الزعماء العرب مترنحين على كراسيهم حتى أصيبوا بتخمة الفساد والتوريث والمرض المستعصي وأصبحوا مهووسين ومدمنين سلطة وحكم رغم فشلهم الذريع وجهلهم المنحط, وأصبح الزعماء العرب هم الوحيدون من يحكمون من على فراش المرض وهذه سمة مخزية يتقنها الزعماء العرب عن غيرهم بشكل حصري.

اعلموا أيها الزعماء العرب إنكم خذلتم شعوبكم وتعاملتم على سحق بعضكم البعض وبعتهم دولكم وشعوبكم للشيطان وأمريكا وإسرائيل, وتجاهلتهم وبعتم القضية العربية ببخس ثمن. اعلموا إنكم تقاعستم في اجتماعاتكم تجاه الشعوب التي تداس وتقتل وتشرد من أوطانهم دون وجه حق. اعلموا أيها الزعماء "الفلت" أن لكل "بداية نهاية" ولكل "جواد كبوة" ولكل "طاهش ناهش" وهكذا أحوال الدنيا وأحوال العباد.

سلسلة الثورات ستتواصل؛ طالما والزعماء العرب في غيهم سائرين وفي جهلهم يحكمون وفي فشلهم سالكين. الثورات العربية ستخلص الشعوب العربية من الجهل والتخلف والتوريث والحكم على المدى الطويل. الثورات العربية هي قدر من الله وقدر من أقدار الشعوب العربية التي عاشت ردحاً من الزمن تحت وطأت الجهل والفقر المدقع وتخمة الحكم المنحط. الثورات العربية ستقضي على حكم جائر يعمل على قطع الألسن والحناجر وتشريد الأسر من منازلهم وستحمي شرف الأمة العربية المسلوب.

fouad_husary@hotmail.com