عن تجربة الإنتقالي.. والوحدة والرهان على الحوثي
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: سنة و 5 أشهر و 8 أيام
الأربعاء 24 مايو 2023 04:50 م
 

 ألناس ليست بلا ذاكرة حتى تختار الأسوأ لنفسها ومستقبلها. وما حدث من خَضَّات وشروخ في جدار الوحدة الوطنية اليمنية لا يعني إن المشاريع الميكروسكوبية الصغيرة اللاهثة لإعادة النظر بوحدة البلاد والعباد ستنقذ الجنوب أو الشمال. ولعل أبرز المشاريع ما تبناه مجلس الأنتقالي الذي جرب مؤخراً حظه في إدارة الجنوب والتسلط على إرادة ومعيشة الناس وحقوقهم وقهرهم، وتعطيل مظاهر الحياة.. والنتيجة معروفة ؟؟.

حصل ما حصل لدولة الوحدة بسبب غَلَبَة صراع مراكز القوى على السلطة وليس التنافس على بناء مؤسسات الدولة والجمهورية. واليوم تكرر مشهد تحكم إحدى الفصائل المسلحة بإدارة الجنوب طوال الخمس السنوات الأخيرة بالأنفراد وشراكة التعطيل المدمرة، والنتيجة فشل إداري ذريع وتكرار للمظالم والعبث بالمال العام والوظيفة بأضعاف ما زعموا من أضرار تعرضوا لها، حتى أصبح الإنفاق على أسطول بري وجوي لقيادي كبير من المصفحات والاطقم والأسلحة قبل أيام من عدن إلى حضرموت يساوي قيمة استهلاك وقود أسبوعين لمحطة توليد الكهرباء في هذا الصيف القائظ. وما أنفقوه من عشرات المليارات من الخزانة العامة للدولة في بضعة أيام فقط على فعالية حزبية خاصة أضعاف ما كان ينفقه نظام عفاش على البهارج وحب الظهور وتغيير وشراء الولاءات والذمم.

والقائمة معروفة وطويلة في الأحتيال على المال العام من الأراضي والعقارات والتصرف الفردي بالأيرادات والجبايات القاصمة لظهور الفقراء الذين يزعمون حق تمثيلهم.

* معوقات دولة الوحدة *

بدأت شروخ دولة الوحدة من إصرار الموقعين عليها في الشطرين على تقاسم السلطة فيما بينهم وليس باعتماد نقل السلطة إلى الشعب وتنازل القائمين عن الحكم لصالح نظام دولة وعدالة جديد يرفع من شأن الأنسان ومكانته وقيمته.

اتسعت الفجوة بين شعارات دولة النظام والقانون والمساواة والمواطنة المتساوية الإستهلاكية المعلنة وبين التطبيق النقيض .. فلم يكن علي عبدالله صالح يدافع عن الوحدة اليمنية بل عن مشروع بقائه في السلطة وتملك الحكم وتوريثه، ومثله علي سالم البيض الذي تخلى عن شعارات بناء الدولة الفضفاضة ليطالب الطرف الآخر بتثبيت صلاحياته كنائب رئيس الجمهورية في الدستور.. وما ذهب الرجل إلى نظام صنعاء إلا هروباً من حصار العسكر في عدن لسلطاته والتضييق عليه، مع حسن نواياه الشخصية أكثر من غيره إزاء إقامة مشروع دولة الوحدةالوطنية، الا أن تنازع الأختصاصات والسلطات وتحايل الرئيس على نائبه تسبب باندلاع حرب ١٩٩٤م.

وإذا كانت دعوات البعض اليوم إلى الإنفصال، أو فك ارتباط، أو ما يسمى استعادة الدولة على اعتبار أن الحكم في ظل دولة وحدة ٢٢ مايو لم يحقق متطلبات وشروط بناء الدولة والمواطنة المتساوية، فهل يثبت سلوكهم الإداري والسياسي والعسكري الراهن أنهم بمستوى إقامة دولة عدالة مساواة اجتماعية شطرية، أم فقط انتهاز فرص عاجلة وفرض رغبات نرجسية بَتَوَهُّم الغَلَبَة العسكرية الزائفة، واعتقاد أن صمت وصبر وتغاضي الأطراف الأخرى من باب الضعف وعدم القدرة على الرد، وليس من باب نأي هؤلاء عن خيارات عبثية ليس وقتها ؟؟.

* لعلهم يفقهون *

رفعوا شعار ((استعادة الدولة)) جزافاً في خلط فقهي قانوني كبير لا يفرق أصحابه بين الأرض والحدود وطريقة الحكم ، لأن ما يطالبون به حقيقة هو استعادة الأرض والجغرافيا(البقعة) ومعها الثروة والسلطة، وليس استعادة سلطة الدولة بمعنى تثبيت نمط حكم إداري عادل ورشيد فشلوا في تحقيقه بسلوكهم المنافي لمعنى وظيفة حكم وأدارة الدولة.. فالدولة عندهم هي مغنم ومنجم جغرافي مناطقي للمتغلبين وأتباعهم، وليست التزامات وممارسات وسلوكيات قانونية أخلاقية في إدارة ما تحت أيديهم بنزاهة وعفة..

وهذا ما تثبته خمس سنوات انفراد بحكم وتسلط على معظم الجنوب، وثلاث سابقة كشركاء معرقلين بِسَفَه للشرعية والمعركة مع الحوثي. فمارسوا السلطة المطلقة مباشرة بالشراكة والتفرد وبكل وسائل الأبتزاز والضغط والتأثير غير المشروعة إلى درجة تعطيل أوجه حياة الناس ومعيشتهم من تعليم وصحة وقضاء وخدمات ولقمة سائغة. والنتيجة معروفة سلفاً.

وكشف مؤتمر الانتقالي التشاوري الأخير في عدن قبل أيام تعارض الإرادة الجنوبية نفسها مع مشروع فك الارتباط والإنفصال لجهة مشروعية طرف تمثيل القضية من جهة وتعدد المشاريع من جهة أخرى، دفعت أبرز التيارات الحضرمية المؤثرة بزعامة عمرو بن حبريش وبن حريز وغيرهم إلى التلويح بالكفاح المسلح قبيل انعقاد لقاء استعراضي باسم الجمعية العمومية للأنتقالي في المكلا، فلَوَّحَ حلف قبائل حضرموت ومؤتمر حضرموت الجامع والهبة الحضرمية بتحالفات جبهوية عريضة لمقاومة ما يعتبرونه وصول قوات غير حضرمية بلادهم..

وما علموا إن ذلك فقط مجرد موكب الزعيم فقط !!. وفشل الانتقالي بفعاليته تلك في إضفاء غطاء مظهري على تعايش الحضارم مع شرعيته وسيطرته بوصول طائرتين سعودية خاصة لنقل قيادات الحضارم المعارضة إلى الرياض كطرف رئيسي في تقرير المصير. وما كتبه القيادي الإشتراكي صالح شائف حسين آخر عقلائهم من نصح للأنتقالي بمواصلة حواراته مع القوى والأطراف الجنوبية بعد مشاورات عدن يعكس نتيجة الوجه الخاسر في من يحتكر تمثيل الجنوب في أي تسوية سياسية يمنية قادمة. فيما اعتبرت كيانات أخرى أن إصرار طرف على تمثيل الجنوبيين دون إرادتهم أو تفويضهم فشلاً للقضية كلها؟؟.

* فوبيا وأشباح *

وحدد الآخرون مواقفهم من الانتقالي على ضؤ تجربته اليومية المباشرة في الحكم والإدارة بالتسلط إلى درجة يندرج ما حصل من ردود أفعال حضرمية وغيرها في معظم الجنوب، وبين أوساط الساسة والنخب تحت مسمى (ألأنتقالي فوبيا)، أي الخوف من حكم الانتقالي، يتجاوز إلى حالة عامة من الذعر والضيق، من مقارنة ما حدث للناس ويفعله في عهده وما سوف يكون لاحقاً.. فخدم المجلس الوحدة اليمنية مجاناً لوجه الله للمرة الألف دون وعي حال مقارنة سلبيات العهد السابق بمظالم وفساد اليوم. ونتفهم حالة الذعر التي أصابت بعض القياديين أمثال ناصر الخُبُّجي الذي اعتبر قرار الرئيس الدكتور رشاد العليمي بمعالجة أوضاع المنقطعين عن وظائفهم أل ٥٢ ألف مؤامرة على قضية الجنوب ، لإن الدكتور العليمي كما فسروه قطع عليهم طريق المتاجرة التاريخية بذلك باعتبارها مدار ومحور ما قام عليه الحراك نفسه. والحقيقة إن الأضرار الفعلية طالت العمال والموظفين المدنيين وتسريحهم باسم خصخصة المعامل والمنشآت الفاشلة والتعاونيات الراكدة اقتصادياً دون بديل وظيفي أو مالي عادل لهؤلاء لمواجهة الأعباء. أما العسكريون والأمنيون فانقطعوا عن الخدمة برغباتهم وإرادتهم الشخصية كرد فعل نفسي طبيعي من نتائج اقتتال ١٩٩٤م ، والخوف من حصول انتقامات لم تحدث ضدهم بعد توجيهات نائب الرئيس عبدربه منصور الميدانية بمنع اقتحام البيوت والانتقام ..

فيما انخرط كبار الضباط طوعية بعد ما شهدوه من معاملة رسمية غير متوقعة من نظام صالح.. ومن هؤلاء اللواء الشهيد ثابت جواس قأئد قوات لواء باصهيب في ذمار اثناء اندلاع الحرب..

وهو أخو اللواء هيثم قاسم طاهر وزير الدفاع الأسبق،ثم تصدر جواس قيادة حروب صعدة القديمة، وغيره كثيرون أمثال اللواء قاسم لبوزة، واللواء جهاد علي عنتر، وألعميد يحي عبدالله السقلدي نائب التوجيه المعنوي للقوات المسلحة، والعميد لحسون صالح مصلح، ألعميد يحي الشعيبي، والعميد مطهر الشعيبي، والعميد ناصر اليزيدي، واللواء محمد الشاعري، واللواء مشعل الداعري، ومحمد سعيد الحريري، وحتى الصحافي العسكري صلاح السقلدي..

وغيرهم من العائدين إلى وحداتهم العسكرية بلا حدود. والتحقوا طواعية بمعسكرات نظام صالح وحارب بعضهم معه ضد الحوثيين وشغلوا مناصب رفيعة، وحصدوا مزايا وترقيات، وبعضهم اليوم يقاتل في صفوف الحوثيين. أما من غادر البلد أو بقي في بيته بقناعته واختياره فبحسب مقتضى نظام الخدمة العسكرية.

  • هروب من المسؤلية *
  • اعتمد مجلس الانتقالي على حيلة ابتزاز خبيثة في ممارسته للسلطة والمشاركة فيها طوال السنوات الماضية ، فحاول ولا يزال إخفاء عجزه وفشله الإداري بادعاء أنه لا يحكم أو يشارك بالفعل حتى وهو يسيطر على الموارد والارض بالقوة وبإغلاق المحاكم والنيابات وتعطيل التعليم والخدمات ونشاط الوزارات بالإكراه لتحميل غيره النتائج في حكومة الشرعية الائتلافية ، وعند إعلانه الإدارة الذاتية تخلى عن الخدمات بافتعال التظاهرات والقلاقل الأمنية في كريتر والشيخ عثمان وغيرها لصرف الناس عن المطالبات بالترهيب. ورأينا كيف طردوا حكومة معين عبدالملك ٢٠١٩م فقط للأستيلاء على البنك الأهلي والأيرادات العامة وتغيير مدراء مؤسسات الدولة بموالين ومقربين دون تحمل النتائج، أفشلوا ما كان موجوداً فكيف يستعيد هؤلاء دولة هي في أيديهم أصلاً، وذبحونهاعلى طريقتهم. ثم يقولون إن الانتقالي لا يحكم للهروب من المسؤولية. فهل لمثل هؤلاء ثقة واطمئنان لقيادة دولة وبلد، الآن وفي المستقبل..؟؟.
  • * ألواقع والمقارنة *
  • لم تكن دولة الوحدة اليمنية على أخطائها العديدة أسوأ من نموذج فك الارتباط الإنفصالية كما هي بنسختها التي تمشي بيننا على قدمين وبلا عقل ولا مرجعية أو هدف نبيل. وليست سيطرة الحوثي على معظم الشمال ذريعة للمغامرة إلى الأسوأ بفرض مشاريع تفتيتية بدأت بتهديد الجنوب نفسه قبل الشمال كما هو نموذج استعادة دولة حضرموت، أبين، شبوة، المهرة، وغيرها ممن يقدمون أسباباً وجيهة لمخاوفهم ومظلوميتهم من مخلفات الأستبداد والتسلط والقمع. وأعجب من فرج البحسني بعد انضمامه المباغت لمجلس الانتقالي وهو يقول بلغة الواثق من فك الأرتباط: سوف نساعد أخوتنا الشماليين في التحرر من الأنقلابيين) قبل أن يحرر الحضارم والجنوبيون ميناء الضبة وبلحاف النفطية والغازية من هجمات وسيطرة الحوثي نفسه. وهذا الأفتتان الخادع بالقدرات العسكرية دفع كثيرين للقول: نحن حررنا بلادنا، وعلى الشماليين ترك الوادي والصحراء لتحرير بلادهم) ونسوا أنه لولا صمود إخوتهم في الجيش الوطني والمقاومين في جبهات الشمال في حرب استنزاف طويلة للحوثي لثمان سنوات ما توفرت الحماية الحقيقية لحضرموت ولا للضالع وشبوة، ولا أبين ولحج وغيرها. والخطيئة المقابلة من بعض جهلة نخب الشمال اعتقادهم إن اجتياح الحوثة مجدداً للجنوب هو تثبيت للوحدة الوطنية اليمنية. فالحوثي الرجيم قد يوحد الجغرافيا والحجر والجبال والبقر إذا استطاع ذلك، لكنهم سوف يمزقون النفوس والقلوب وأواصر القربى والدين داخل كل بيت وقرية وحارة في الجنوب والشمال ويقضي على كل مستقبل وأمل.
  • قيام كيانات انفصالية أو الأعلان عنها بالقوة ممكن ومحتمل، لكن تبعات ذلك كارثية لمحاذير القانون الدولي ومصالح دول المنطقة والعالم وموقع اليمن الجغرافي وتأثير صراعات المستقبل الداخلية على المحيط ، عدا افتقار ذلك للمشروعية الشعبية الداخلية، وغشامة من يتولى الزمام . ولم يلجأ أصحاب مشروع التفكيك لا إلى تصحيح مسار سياسات الدولة والحكومة المشاركين فيها لسؤ النوايا، ولا ساعدوا في إنهاء الانقلاب على سلطة الشرعية لقصر نظرهم وعدم صلاحيتهم في إدارة وبناء دولة ولا إدارة كشك صغير في حارة. ينتظرون ضربة حظ أو ليلة قدر تأتي لهم بالدولة المتخيلة على طبق حلوى أو شوكولاته. ورغم كل مظاهر التنمر والاستعراضات العسكرية الضخمة المدوية، الأ أنهم قالوا بعد ضرب الحوثي لموانئ تصدير النفط والغاز في شبوة وحضرموت وتعطيل نشاط شركات البترول والطاقة وتهديد رواتب الموظفين الجنوبيين قبل الشماليين :
  • ألحمد لله إن الحوثي عملها.. والآن النفط والغاز لا لنا ولا لهم). ويخطئ من يعتقد في الشمال أن تجاوز مشروع الإنفصال بالحوثي وصواريخه وطائراته ، كون ذلك إعلان عجز وفشل عن مقاومة المشروعين هنا وهناك فلا يوازي مشروع الإنفصال سوى مشروع دولة الحوثي العنصرية الأسوأ. راهن الأنتقاليون بسذاجة على أن انتصار الحوثي على الشرعية سيمنحهم دولة شطرية ناجزة، وينتظر بعض الأغبياء في الشمال من الحوثي إعادة الوحدة اليمنية إلى مسارها. والحقيقة يبدو النضال الوطني في الجنوب والشمال المشروع والهادف الآن في استعادة الدولة والوحدة معاً، الدولة من كل الانقلابيين في الشمال والجنوب، والوحدة اليمنية بمعايير وأدبيات دستورية وقانونية تراعي شكل الدولة ونظامها السياسي، وحقوق وواجبات المواطنة المتساوية والعدالة الإجتماعية، وبناء مؤسساتها على أسس وطنية ، وتمنع إعادة إنتاج دورات الصراع على السلطة والثروة أو أنفراد الأشخاص والأحزاب والكيانات بالحكم ، وتجريم حيازة السلاح واستخدامه خارج نطاق دولة النظام والقانون..
  • وغيرها من مقومات إعادة الإعتبار للدولة والأنسان، بما فيها التطهير من الفساد الإداري والمالي العميق؟؟. وكما استجاب فخامة الرئيس الدكتور رشاد العليمي لمعاناة بعض الجنوبيين وإقراره في خطاب الإحتفال بالذكرى ال٣٣ لتحقيق الوحدة اليمنية بأخطاء ملازمة لمسار الشراكة السياسية في سلطة دولة الوحدة عقب حرب ٩٤م فإن المخرج الواقعي لذلك كما يرى الرجل هو في قيام الدولة الاتحادية باعتبارها الأرضية المناسبة والثابتة لبناء اليمن والمنصفة للجميع)).
  • والملاحظ في خطاب فخامة الرئيس ذكره لجملة ما أسماه (انحراف المشروع الوحدوي وافراغ مضمونه وقيمته التشاركية)) والصحيح بنظرنا هو انحراف سلوك بعض القائمين على مشروع دولة الوحدة وتغليبهم مصالحهم في الأستحواذ على السلطة وعلى مصالح الوطن العليا وتشويه مقاصد الوحدة الوطنية وأهدافها الأنسانية النبيلة. والخاتمة :
  • ١ - التجريب بالمجرب دمار وخراب يمشي على الأرض.
  • ٢ - مشاريع الإنفصال ستمزق الجنوب قبل الشمال.
  • ٣ - رهان بعض الشماليين مع الانفصاليين على الحوثي في تحقيق تطلعاتهم هو انتحار جنوني غبي وساذج.
  • ٤ - الدولة الاتحادية من أقاليم لا مركزية عامل خير واستقرار لمستقبل اليمنيين ودولتهم.