المرأة والرجل .. شراكة وولاء
بقلم/ د شوقي القاضي
نشر منذ: 14 سنة و 9 أشهر و 25 يوماً
الجمعة 08 يناير-كانون الثاني 2010 04:41 م

·تطرف في قضية المرأة فريقان ، الأول: بعض ( الغربيين ) الذين جعلوا العلاقة بين ( المرأة ) و( الرجل ) صراع وعداوة واقتتال ، فقالت إحداهن: نريد أن نتحرر من هؤلاء ( البغال ) وتقصد الرجال ، وكنت أحد هؤلاء ( ... ) الموجودين في تلك الفعالية. وفريق ثان: هم بعض ( الجاهليين ) الذين رأوا في المرأة مخلوقاً للرجل ومتعته وخدمته وتسليته ليس لها أي حقوق أو حريات بدءاً من الكرامة الإنسانية وانتهاءً بحقها في الحياة ، يستوي في ذلك من ( وأدها ) باسم العار والعيب من عبدة العادات والتقاليد ، الذين { قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ } ، ومن ( غيَّبها ) باسم الدين ، الذين { يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ } ، ومن ( عرَّاها ) باسم الفن والترويج للمنتجات الصناعية ، الذين { يتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ } .. وكلا الفريقين ـ وإن اختلفت صورهما ـ قد انحرف عن النظرة الشرعية والإنسانية للعلاقة التي يجب أن تكون بين المرأة والرجل.

·إن المتأمل في نصوص القرآن الكريم ، والسنة النبوية التي تفسره وتبين مجمله ، والسيرة العملية للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وآل بيته الطاهرين ، يجد جلياً أن العلاقة بين المرأة والرجل هي علاقة تكامل وتعاون وشراكة لتحقيق الرسالة وإنجاز الغاية التي خُلِق لها الإنسان وهي ( عبادة الله ) و( تنمية الأرض واستعمارها ) المحددة بقول الحق تبارك وتعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } الذاريات56 ، { .. هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا .. } هود61.

·هذه العلاقة التكاملية محسومة بقول الحق تبارك وتعالى:{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } الروم21 ، و( خلق لكم ) معناها الطبيعي ( أيها البشر أو أيها الناس ) المخاطبون بالقرآن الكريم ذكوراً وإناثاً .. من أنفسكم ( أزواجاً ) والزوج هو الشق الثاني الذي لا يكتمل الشيء إلا بهما معاً .. وعليه فإن ( المرأة ) زوج للرجل ، و( الرجل ) زوج للمرأة ، وهما معاً ( المرأة والرجل ) الإنسان المكرم والمكلَّف والمخاطب ، ويؤكد ذلك { لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }. ولقد فهمت تلك المرأة نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: أيها الناس. فقالت لماشطتها: أسرعي لأجيب رسول الله. قالت الماشطة: إنه ينادي الناس ، قالت المرأة: وأنا من الناس.

·وفي الشراكة والتعاون بين الرجل والمرأة يقول الله تعالى:{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } التوبة71.

·ومن النماذج الجميلة التي تؤثر بي هي العلاقة التشاركية والتعاونية بين أمي ( شريفة بنت محمد سلَّام الجوباني ) وأبي ( عبد الرقيب شمسان القاضي ) أمدَّ الله بعمريهما في صحة وعافية وستر .. المتشاركين في تربيتنا وتعليمنا بل وفي تنميتنا اقتصادياً .. شريكان في إنجاز مشروعاتهما واستثماراتهما وقراراتهما ، ولا يمكن لأبي أو لأمي أن يتخذ أحدهما قراره إلا بمشاورة الآخر .. يتحدثان في العمل ( المقاولات وشراء وبيع السيارات وتأجير وشراء وبيع الشقق والبيوت ) .. ويجد أبي في رؤى أمي ومقترحاتها كثيراً من الصواب فيتخذ قراره بناء على مشورتها .. يعود الفضل ـ بعد الله ـ لأمي التي حوَّلت أبي من سائق تاكسي إلى مقاول ومالك للعقارات بمشوراتها وأرائها ومقترحاتها ، وأبي يعرف ويعترف بذلك جيداً .. وأتذكره يوماً وهو مريض في المستشفى بسبب جلطة خفيفة وهو يوصيني بقوله: يا ولدي أنت تعرف ماذا عملت أمك معي وقد وضعت لها في البنك مبلغ ( كذا مليون ) وبيت من دورين ، هو حقها مقابل تعبها معي أرجوك يا ابني لا تحرموها من حقها. [ انتهت وصيته أطال الله عمره وعمرها ]. أقسم لكم أني استصغرت نفسي ـ إلى درجة التقزم ـ كداعية من دعاة حقوق المرأة ، أمام هذا العظيم الذي تحكمه فطرته النقية وقيمه الإنسانية والتزامه تعاليم دينه وإسلامه ، مع أنه لم يقرأ ( اتفاقية السيداو ) ولم يشارك في مؤتمر ( بكين ) ولم يحضر فعالية لـ ( الشقائق أو الملتقى أو بلا قيود ).

·بقيت ملحوظة وهي أن أمي أمد الله في عمرها لها رصيد بنكي خاص بها ومستقل عن رصيد أبي .. وملكيتها لبيوتها بعقود ووثائق خاصة بها لا تندرج تحت ممتلكات أبي.

*عضو لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان بمجلس النواب

s711303030@gmail.com