مأرب تحتشد تضامناً مع غزة وتنديدا باستمرار حرب الإبادة الاسرائيلية مباحثات يمنية سعوديه بخصوص إجراءات سير تأشيرات العمرة اجراءات حكومية رادعة ضد محلات الصرافة المخالفة والمضاربين بالعملة في جميع المحافظات المحررة حشود هادرة بمحافظة تعز تنديدا بجرائم الابادة والتهجير بقطاع غزة الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر دولة خليجية تبدأ بسحب الجنسية من المئات من مطلقات مواطنيها الإنذار المبكر ينشر توقعات الطقس خلال الساعات الـ24 القادمة في 11 محافظة يمنية قراءة تركية: من سيحسم المعركة الانتخابية في أمريكا ويفوز بكرسي الرئاسة؟
ليس هناك أدنى شك أن كل من مسك قلماً وكتب رواية أو قصة أو قصيدة أو خاطرة أو مقالة، فإنه كتبها من وجهة نظر معينة. بعبارة أخرى، فإن كل ما يسطره الكُتَّاب على مختلف مشاربهم، يعبر عن توجه ما. ولا يقتصر الأمر على العاملين في مجالات الفكر والأدب والإعلام، بل يطول حتى مجالاً أخطر بكثير، ألا وهو مجال التاريخ. فحتى التاريخ الذي نقرأه ونظن أنه توصيف موضوعي ونقل دقيق لما حدث في الماضي ليس موضوعياً ولا دقيقاً أبداً. ويقول المؤرخ البريطاني هنري كار في هذا السياق:" قبل أن تقرأ التاريخ، اقرأ عن المؤرخ، وقبل أن تقرأ عن المؤرخ، اقرأ عن ظروفه السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية". أي أن ما يؤرخه المؤرخ مصبوغ بخلفياته المختلفة. بعبارة أخرى حتى التاريخ مسيس. فهذا يكتبه من وجهة نظر ماركسية، وذاك من وجهة نظر دينية، وآخر من وجهة نظر اقتصادية، وهلم جر
.
لكن مع اعترافنا بصعوبة الفصل بين السياسة والإعلام والأدب والفكر وحتى التاريخ، علينا كإعلاميين أن نحاول التجرد قدر المستطاع من تحيزاتنا وميولنا السياسية في ممارستنا لهذه المهنة المفترض أنها أكثر المهن تمتعاً بالحرية كونها «سلطة رابعة»، كما وصفها الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك، فقد قال: «هناك ثلاث سلطات في البرلمان، إلا أن في شرفة المراسلين تجلس السلطة الرابعة، وهي أهم من تلك مجتمعة
».
فلماذا يتصرف الإعلاميون إذن كعبيد إذا كانوا بالأصل سادة، حسب توصيف الفيلسوف بيرك؟ فالعبد فقط مضطر لأن يساير ويطيع ويلتزم وينحني، أما السيد فهو أكثر حرية وقدرة على التحرك والإفلات والمناورة والتحرر والتمرد، وبالتالي فهو أكثر قدرة على العدل والموضوعية والإنصاف
.
لا أدري لماذا يستبدل بعض الإعلاميين دور السيد بدور العبد؟ فإذا كان السياسي عبداً ذليلاً للحزب والجهة التي ينتمي إليها، فإن بمقدور الإعلامي أن يكون سيداً حراً، فبينما سيف التخوين أو الفصل مسلط فوق رقبة السياسي ليل نهار إذا حاول أن يلعب بذيله، فإن الصحفي «الحر» يمكن أن يكسر كل السيوف، فهو ليس ملزماً بما يُلزم السياسي بأي حال من الأحوال، فدائرته الانتخابية ليست محصورة في منطقة بحد ذاتها يحددها له الحزب أو البرلمان، بل هي جموع الشعب في كل المناطق، وبالتالي يجب أن يكون صوت الشعب كله وليس بعضه، إذا كان يريد أن يعيش حسب توصيف بيرك له
.
بعبارة أخرى، لماذا لا نستفيد كإعلاميين من المساحة المتاحة لنا والمحرمة على غيرنا؟ لماذا نحصر أنفسنا في دوائر ضيقة إذا كانت دوائرنا أكبر وأوسع بكثير من دوائر السياسيين؟ فما ينطبق على السياسي لا ينطبق على الإعلامي. فالسياسي مجبر ومضطر للتمسك والدفاع عن خط أوموقف معين حتى لو كان يكذب أو ينافق أو يهذي. أما الصحفي الحر فهو ليس محسوباً إلا على نفسه، ولهذا فهو ليس مجبراً على الترديد الببغائي والسير في خط مرسوم كالخطوط التي يضعونها للرياضيين في مضامير السباق
.
شتان بين الإعلامي والسياسي، فالأخير أشبه بالحصان الذي يضعون له برقعاً على وجهه كي يحجب عنه الرؤية إلى الشمال أو اليمين، وأن يرى فقط أمامه، أو بالأحرى أن يرى ما يجب أن يرى، وذلك بحكم توجهات ومصالح الحزب أو التنظيم الذي ينتمي إليه. أما الإعلامي فيجب أن لا يرتدي أي براقع على وجهه، بحيث يستطيع أن يرى كل الاتجاهات ويعكسها كما هي قدر المستطاع
.
صحيح أن الإعلامي ليس حراً بالمطلق، وعليه أن يساير خط الوسيلة الإعلامية التي يعمل فيها، فوسائل الإعلام الحرة قليلة جداً جداً حتى في الغرب الذي يزعم الحرية ليل نهار. وصحيح أيضاً أن الإعلام في الغرب تحديداً إعلام حزبي وعصبوي واستقطابي بامتياز. أي إنه يعبر فقط عن رأي الحزب أو التجمع أو التنظيم الذي يتبع له. وبالتالي فهو ليس حراً بل هو محكوم بسياسات وتوجهات الحزب. فمثلاً نجد أن صحيفة «التايمز» البريطانية لا تستطيع أن تحيد عن خط حزب المحافظين، فقد عُرفت الصحيفة منذ نشأتها بأنها صحيفة محافظة، ومن مهمتها معارضة سياسات وتوجهات حزب العمال البريطاني. وكذلك الأمر بالنسبة لصحيفة «الديلي تلغراف»، فهي معروفة سياسياً وثقافياً بأنها صحيفة اليمين البريطاني، وبالتالي محرّم عليها إنصاف اليسار البريطاني مثلاً. بل عليها أن تنسف كل نظرياته وأدبياته. والأمر الأكثر أهمية أن كُتَّاب ومعلقي ومحرري «التايمز» أو «التلغراف» هم من طينة إيديولوجية معينة، أي إنهم سياسيون بطريقة أو بأخرى. ومن المستحيل أن تجد كاتباً في «الديلي تلغراف» ينتقل للكتابة في صحيفة «الغارديان» اليسارية مثلاً، أي إنه معجون فكرياً وإيديولوجياً ليتواءم مع خط الصحيفة. وحتى وسائل الإعلام الغربية العريقة كهيئة الإذاعة البريطانية تعترف بأنها ترى الأمور بمنظار معين رغم رفعها لشعار الاستقلالية. وأتذكر أنني سألت مشرفاً كبيراً في الهيئة ذات مرة عن مدى حياديتهم في نقل الأخبار، فقال لي بالحرف الواحد: «إننا نعرض الأخبار كما نراها من لندن،
«as seen from London»
، أي أن الموقع الذي توجد فيه يحدد لك نظرتك وطريقة عرضك للخبر. فلو كنت في عاصمة أخرى لربما عرضت الخبر من زاوية أخرى
.
وصحيح أيضاً أن الإعلام شبه الحر، حتى في الغرب، أصبح «سلطة راكعة»، إذ تم احتواؤه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأصبح عبداً ذليلاً للساسة في كثير من الأحيان، كما هو حال الإعلام الأمريكي، لكننا هنا لسنا بصدد حالة إعلامية معينة أو عابرة أو مفروضة، بل بصدد دور الإعلام بالمفهوم العام كسلطة وكسيد حر، وهو دور يمكن أن يكون ضميراً حراً متجرداً إلى حد كبير من الأهواء والميول والتوجهات السياسية والعقدية والأيديولوجية ليكون صوت الشعب، مع الاعتراف بمثالية هذا الطرح
.
قد نتفهم تعصب بعض الإعلاميين العراقيين المناضلين، فهذا من حقهم باعتبارهم أصحاب قضية. ومن حق كل المدافعين عن قضايا وطنية أن يسخروا الإعلام وطنياً، لكن عليهم أن لا يعادوا الإعلاميين الآخرين لمجرد أنهم لا يوافقونهم الرأي مائة بالمائة، فيكفي أن يكونوا مناصرين لقضيتهم بشكل عام، فنتيجة الاستفتاءات العربية السخيفة، 99.99 لا يمكن تطبيقها إعلامياً في أي موضوع، حتى في القضايا العادلة
.
ليت الأخوة الإعلاميين الذين يتمترسون وراء دُشم أيديولوجية وسياسية متصلبة ومتحجرة، ليتهم يشاهدون فيلم «جمعية الشعراء الموتى» من بطولة «روبن ويليامز». يروي الفيلم قصة مدرس جديد اسمه «جون كتينغ» ينضم إلى إحدى المدارس الأمريكية، ويبدأ بتعليم الطلاب أساليب وطرقاً جديدة في النظر والحكم على الأمور، فيطلب من أحدهم مثلاً أن يصعد على ظهر الطاولة وأن ينظر إلى الصورة المعلقة على الجدار، ثم يسأله كيف يرى الصورة، فيجيبه الطالب بأنه يراها بشكل معين، ثم يطلب من الطالب أن ينزل إلى تحت الطاولة وينظر إلى نفس الصورة، فيراها بشكل مختلف تماماً نظراً لتغير الموقع الذي ينظر منه إليها. ثم يطلب من الطالب نفسه أن يذهب إلى الزاوية اليمنى من غرفة الصف وأن ينظر إلى الصورة ذاتها، فيجيبه بأن الصورة تغيرت بالنسبة له
.
ليت كل إعلامي يعمل بنصيحة الاستاذ «جون كيتينغ» بطل فيلم «جمعية الشعراء الموتى»، أي أن يعترف بأن نظرتنا إلى الأمور يجب أن لا تكون ثابتة ومتصلبة وإحادية ومتعصبة، بل منفتحة ومتحركة، وأن لا ننظر إلى الأشياء من زاوية واحدة، فقد تكون مخادعة، بل علينا أن نراها من كل الجوانب حتى تكتمل الصورة. فمن السهل جداً أن أحصر رؤيتي لإيران مثلاً بالتركيز على سياساتها التخريبية والإجرامية في العراق. لكن هناك زوايا أخرى إيجابية ورائعة كثيرة لإيران يجب أن لا أهملها إذا كنت صحفياً حراً
.
ما أجمل أن يكون الإعلامي طليقاً في نظرته إلى الأمور ! ما أجمل أن يبني مواقفه على الحق والعدل والصدق والحس السليم وحرية الاختيار، لا على الأيديولوجيا المتحجرة، أو المواقف السياسية، والاعتبارات المحسوبة، والانتماءات المفروضة، وإرضاء جهات معينة! ما أجمل أن يكون الإعلامي منصفاً مع كل التيارات، والاتجاهات، يمتدحها في سماتها الإيجابية، وينتقدها في جوانبها السلبية، دون أن يكون ملتزماً بخط محدد، أو حزب عقائدي، أو جماعة مؤدلجة، أو حركة متزمتة، أو جهة داعمة. فإذا كان للسياسيين ضروراتهم،