وقفة مع بيان ( علماء اليمن ) !!
بقلم/ عبدالرحمن أنيس
نشر منذ: 14 سنة و 11 شهراً و 8 أيام
الإثنين 18 يناير-كانون الثاني 2010 06:53 م

مع بدء العد التنازلي لمؤتمر لندن والذي من المقرر أن يعقد نهاية الشهر الجاري في العاصمة لندن .. ثمة حركة توجس تطفو على سطح الحياة السياسية اليمنية .. كبار مسئولي الدولة يكررون في أكثر من محفل عبارة هي الأكثر تداولاً في بورصة العبارات السياسية السلطوية لهذا الأسبوع : (( اليمن لن يقبل بقوات أجنبية على أراضيه )) .

هذا التوجس الحكومي الرسمي من المخاضات المتوقعة لمؤتمر لندن جاء نتيجة توقعات وتوهمات لم يصدر بشأنها أي بيان رسمي بل إن الحكومة لا زالت حتى الآن تنتظر تفاصيل حول هذا المؤتمر ، علاوة على هذا فإن الرئيس الأمريكي باراك أوباما وقائد قواته المركزية الجنرال بترايوس أكدا أكثر من مرة أنه لا نية دولية لتدخل أجنبي في اليمن سواء عبر مؤتمر لندن أو غيره .. إلا أن الشكوك والمخاوف من تداعيات الدعوة لمؤتمر لندن وتوقيت انعقاده تجعل كل شيء محتمل وممكن في بال الساسة اليمنيين .

إلا أن التوجس والتخوف من هذا المؤتمر المريب لم يقتصر هذه المرة على أجواء الحياة السياسية ، فقد أبى رجال الدين إلا تسجيل موقف لهم في خضم هذه الزوبعة المثيرة للشكوك .. تمثل هذا في بيان وقع عليه 150 ( عالماً ) من جمعية ( علماء اليمن ) .

واللافت للنظر أن هذا البيان الذي حمل توقيع ( العلماء ) غاب عنه رئيس الجمعية القاضي إسماعيل الحجي ولم يقرأ - البيان - في مقر الجمعية بل تمت قراءته داخل مسجد ( المشهد ) بحي شعوب بأمانة العاصمة وتلاه عضو مجلس النواب عارف الصبري ، ولأن البيان تلي داخل مسجد وعقب مؤتمر صحفي عقد داخل المسجد نفسه فلم يسمح للصحفيات الأجنبيات بالدخول إلى المسجد لأنهن نساء كاشفات وجوههن بينما تناسى ( علماؤنا ) الأفاضل أن المسجد وضع للصلاة والتضرع إلى الله وسائر أعمال العبادات الأخرى ولم يبنى لعقد المؤتمرات الصحفية وإعلان البيانات والمواقف .

بيان علماء اليمن كاد أن يتهم بأن هناك أيادي في السلطة وراءه لولا أن هذا البيان هاجم بلغة صريحة العمليات التي قامت بها القوات الجوية لدك أوكار تنظيم القاعدة في أرحب وأبين شبوة ، مطالباً السلطة بعدم قتل أي شخص خارج إطار القضاء الشرعي بل وصل الأمر إلى تحريم وتجريم أي اتفاقية أو تعاون امني أو عسكري مع أي طرف خارجي . 

فالبيان الذي صدر نهاية الأسبوع الماضي اعتبر (( دعوة بعض القوى الأجنبية إلى عقد مؤتمر دولي حول اليمن ، ما هو إلا "للنيل من أمن البلاد، ووحدته واستقراره، وانتهاك سيادته، تحت ذرائع واهية ومغلوطة لتكرار ما حصل في العراق وأفغانستان وباكستان، والذي أدى إلى احتلال الأرض وقتل وتشريد الملايين )) بحسب نص البيان الذي تمت تلاوته في مسجد المشهد بصنعاء .. وزاد البيان : (( في حال إصرار أي جهة خارجية على العدوان وغزو البلاد أو التدخل العسكري فان الإسلام يوجب على أبنائه جميعا الجهاد لدفع العدوان )) .

ولم ينسى علماء اليمن تحديد موقف من الهجمات التي استهدفت أوكار القاعدة حيث لم يخلو هذا الموقف من التعاطف بلغة مبطنة كما جاء في بيانهم حيث شددوا على تحريم قتل الأبرياء والمستأمنين ، وتجريم ماحدث من قتل للأبرياء في أبين وشبوة وأرحب وتجريم أي قتل خارج القضاء الشرعي وبدون محاكمة عادلة . مع وضع أكثر من خط أحمر تحت عبارة (( وتحريم أي قتل خارج القضاء الشرعي )) وهو ما يوحي بصورة أو بأخرى بأن علماء اليمن يحرمون أي هجمات ضد القاعدة ويحرمون قتل أخطر العناصر القيادية للتنظيم ما لم تكن خضعت للقضاء الشرعي .. وهو ما ينطبق على كل الضربات الجوية التي استهدفت عناصر القاعدة وآخرها ضربة ( الأجاشر ) التي قالت السلطة أنها قتلت ستة من أخطر قيادات القاعدة بينهم القائد العسكري للتنظيم في اليمن المدعو قاسم الريمي .

ولم يتوقف البيان هنا بل بالغ إلى التشكيك في اللجنة التي شكلها مجلس النواب لتقصي الحقائق حول الأحداث السابقة وخصوصاً أحداث ( المعجلة ) في أبين حيث دعوا إلى ( تشكيل لجنة من العلماء والقضاة والخبراء والمختصين للنظر في تلك الحوادث وأسبابها وأثارها والعمل على إيجاد الحلول الشرعية لها ) .

لا شك أن بيان ما يسمى علماء اليمن قد عمد الموقعون عليه إلى إبراز النفوذ الديني مرة أخرى بعد تراجعه وانحساره وتقدم القوى الليبرالية والتقدمية في المجتمع اليمني ويظهر هذا جلياً من خلال الدعوة الضمنية إلى إلغاء جميع مؤسسات الدولة وحصر جميع الأعمال الرقابية والتشريعية وغيرها في العلماء والقضاة وتعظيم الخطوات التي من شأنها إقامة دولة دينية كهنوتية يكون لرجال الدين الرأي الأول والأخير فيها بعيداً عن العمل المؤسساتي إلى حد إلزام الدولة بأخذ رأي ( العلماء ) حتى في اتفاقيات التعاون التي توقعها مع دول العالم وإخضاع هذه الاتفاقيات لضوابط ( العلماء ) .. إلا أن رفض ( علماء اليمن ) للضربات الجوية ضد عناصر القاعدة يوحي بأكثر من تساؤل عن الموقف الصريح الذي يتبناه رجال الدين اليمنيين ضد عناصر القاعدة في اليمن والعالم وموقفهم من حملات مكافحتها واستئصالها ، وهو ما يجعل من تنظيم القاعدة المستفيد الأكثر حظاً من بنود هذا البيان الذي ذيل بتوقيعات 150 ( عالماً ) من جمعية ( علماء اليمن ) .

يقيناً إنني عندما سمعت بالبيان لأول مرة توقعت أن تكون الأيادي الحكومية وراءه وربما توقع الكثيرون أن السلطة هي من أخرجت العلماء من كهفهم ليقولوا بيانهم هذا التي ربما كانت الحسنة الوحيدة فيه هي رفضه للتدخلات العسكرية في الشأن اليمني غير أن ما جاء في بقية بنود البيان والذي قيل أنه جاء بعد عدة مشاورات بين ( العلماء ) يضع أكثر من علامة استفهام حول المغزى من توقيت إصدار البيان والمغزى من محتواه المثير للجدل ، والذي مثل مرافعة ختامية ودفاع مجاني عن عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي .

abdulrahmananis@yahoo.com