الرئيس الغبي
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر
الأحد 30 يناير-كانون الثاني 2011 08:00 م

سيذكر التاريخ - ذات يوم - أن الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي أثبت أنه أذكى رئيس عربي حتى الآن لأنه فهم شعبه بعد ثلاث وعشرين سنة (يا الله كم رؤساءنا أغبياء) لكن الرئيس المصري لم يسعفه عقله المتثاقل غباء أن يفهم شعبه بعد ثلاثين سنة وآخرون غيره لا يزالون في قائمة الرؤساء الأغبياء الذين لم يفهمون بعد.

أهم تجليات الغباء السياسي العربي:

خرج الرئيس المصري المتهالك بخطاب إلى شعبه يؤكد على الدفاع عن الشرعية ؟ هذه الجملة وحدها تصيب الإنسان العاقل بالسكتة القلبية، عن أي شرعية دستورية يتحدث هذا الغبي جدا، لقد خرج شعبه عن بكرة أبيه يقول له الكلمات التالية :« ارحل ، فلتسقط أنت ونظامك ،لا نريدك ، حل عنا ، بستين داهية » وضعوا أحذيتهم على صورته ، قطعوا صوره العملاقة في الشوارع، والرجل الغبي متصلب يرفع شعار « أنا أو الطوفان» إما أن تبقوني رئيسا مدى الحياة أو أدمركم عن بكرة أبيكم حتى تتذكروا محاسن بقائي.

تخيلوا رئيسا عربيا بهذا الغباء يريد أن يهلك الحرث والنسل في سبيل بقائه في السلطة حتى لو رفضه الشعب، لايهمه سفك دماء أبناء شعبه ، لايهمه تدمير الممتلكات العامة والخاصة، لايهمه الاضطراب النفسي والأمني لشعبه، هل فهمتم الآن أن الرؤساء المستبدين يتحدثون عن شرعية لا تعرفها الشعوب، وهم يتحدثون عن شعوب غير شعوبهم ، لقد أنتج الاستبداد نوعين من الشعوب هما : « شعب السلطة »: وهو المتجسد بالحزب الحاكم وبلاطجته وأمنه ومؤسساته الرئاسية ومجاميعه الفاسدة المفسدة في الأرض. « وشعب الدولة »: ممثلا بالمواطنين، وهو الشعب المبعد عن حسابات الحاكم المستبد، وهو الشعب الحقيقي المقهور والمحكوم بالحديد والنار منذ الاستقلال والتحرر.

ألا تلاحظون معي أن السلطة وشعب السلطة يقفان في مواجهة شعب الدولة وأن الحديث عن الشرعية هنا إنما هي شرعية التزوير والتدليس والكذب والقمع ، فالرئيس التونسي المخلوع فاز هو وحزبه بنسبة 92 % وفي مصر فاز الرئيس وحزبه بأكثر من 98 % فأين المواطنون الذين صوتوا لهم ؟. إذا هم يتحدثون عن شعب أخر هو شعب السلطة وشرعية أخرى هي حقهم في البقاء بالسلطة ولو اغتصابا.

ألا تلاحظون في ثورة تونس أن من بدأ بالحرق والتكسير والتدمير والترويع والقتل هم عصابة وبلاطجة الحاكم ، وخرج الرئيس المخلوع في أول خطاب له يقول: إن هناك ملثمون يحرقون ويدمرون ثبت لاحقا أنهم عصابة رئاسية، ونفس الشيء يتكرر في مصر حيث بلاطجة الحاكم وأجهزته الأمنية هي من تقتل وتحرق وتسرق وتنهب، وفي هذا السياق حدث في مظاهرة الصحافيين اليمنيين المساندين للشعب المصري يوم أمس في صنعاء اخترقتها مجموعة من بلاطجة الحاكم وأجهزته الأمنية يهتفون « بالروح بالدم نفديك ياطلي» إنها قمة الهمجية حيث يحول الحاكم شعبه إلى عبيد وجزء من أملاكه ويقنع نفسه فقط أنه رئيس محبوب لكن الحاقدين والموتورين من يثير الكراهية بين الناس ، هكذا أرادوا القول.

لقد تطرقت في مقال سابق كيف أن وزيرا في الحكومة البريطانية خانه التعبير في مخاطبة الشعب فانهالت عليه الانتقادات والاعتراضات فلم يسعه إلا أن يعتذر لشعبه ويقدم استقالته بينما حسني مبارك لايزال يقول إن الجماهير الثائرة في الشارع إنما خرجت لتأييده والوقوف معه هكذا يقرأ التلفزيون المصري الخاص بشعب السلطة الحدث ، أليس هذا باعثا للسكته القلبية ؟؟

لقد خرج طلابي من الامتحان هذا اليوم يرجونني النظر بعين الاعتبار إلى وضعهم الخاص متعللين بأنهم لم يستطيعوا التركيز بأسباب أحداث مصر، وأن الشهر الماضي شغلتهم أحداث تونس، وسألوني - بكل براءة وخبث - في معرض الرجاء ياترى من سيكون عليه الدور في الشهر القادم ؟.

وفي سياق هذه الإجابة قلت لهم : إذا ظل الغباء السياسي للرؤساء العرب هو المتحكم في القرار السياسي فإن هذا العام سيكـنس الجميع، لكن إذا استعمل الرؤساء عقولهم واعتبروا بما يجري وحكموا مصالح شعوبهم قد يكون هذا الشهر آخر الأحزان.

المطلوب من الرؤساء العرب الباقين : أن يشرفوا بأنفسهم طوعا واختيارا على نقل بلدانهم إلى ديمقراطية حقيقية، وأن يعتذروا لشعوبهم ويعترفوا بها، لأن « شعب السلطة » فقط هو الشعب المعترف به بينما « شعب الدولة » لا يزال خارج المعادلة السياسية في حكمهم على طوله العتيد.

إننا بكل بساطة نجد أن الحاكم يحتكر الوظيفة والمنصب والتعيينات المدنية والأمنية والعسكرية فقط لشعب السلطة « حزبه الحاكم » بينما يسقط عمدا من حساباته وسلوكياته أي اعتبار لشعب الدولة ، فمدير المدرسة ومدير المديرية والمحافظ والوكلاء والمدراء العموم والسفراء والوزراء ونوابهم ووكلائهم والملتحقين بالوظيفة العامة لابد أن يكونوا من شعب السلطة وليس من شعب الدولة ، وبالتالي لابد من إعادة الوضع إلى نصابه وذلك بتسليم السلطة إلى شعب الدولة بدلا من شعب السلطة.

الوضع في اليمن سيكون مختلفا عما جرى في تونس ويجري في مصر، ففي كلا الدولتين يوجد طبقة وسطى تنال قسطا وافرا من التعليم النوعي، ووضعا اقتصاديا مريحا، وطموحا متزايدا في تحسين الأوضاع نحو التغيير الأفضل، وقدرة فارقة في استعمال التقنية الحديثة وخاصة الكمبيوتر والانترنت ، فثلث الشعب في كلا البلدين يستعمل النت ، وهذه هي القاعدة الصلبة في حدوث أي ثورة شعبية ، وهذا لا يوجد في اليمن .

في المقابل يوجد في اليمن شعب فقير ومنخفض التعليم ومدمن قات ويحمل السلاح ، وعلى هذا الأساس فإن الثورة الشعبية في اليمن لن تكون سلمية ولكنها ستكون شبيهة بالعلاقة بين السلطة المصرية وبدو سيناء، تحكمها قعقة السلاح أو الثورة المسلحة « دجمممم» وليس أمامنا سوى خيارين لاثالث لهما بعد هذه الاحتقانات «إما الحوار أو الاحتراب». الحوار الجاد لنقل البلاد إلى وضع ديمقراطي آمن يتشرف بذلك الرئيس الصالح بالإشراف عليه حتى لا يكون رئيسا هاربا مثل تونس ولا رئيسا مدمرا ومحتقرا مثل مصر .

النتيجة المؤلمة : لقد ثبت أن السلطة المستبدة تكره شعبها وتحتقره وتخطط للانقضاض والتآمر عليه وبيعه للخارج في سبيل البقاء، وتعريضه للفناء، وأنها بهذا السلوك المريع لا تحمل ذرة حب للوطن والمواطنين، هذا ما أكدته إحداث تونس ومصر ووثائق ويكليكس.

hodaifah@yahoo.com