|
إلى ما قبل نوفمبر العام الماضي، كان اسم اليمن في الصحف والتقارير الدولية يأتي مقترناً بالتمرد الحوثي في في شمال الشمال، والحراك الجنوبي، وذلك بعد هدوء نسبي لملف القاعدة دام لأكثر من عام، وهي الفترة التي انشغل فيها أوباما بترتيب البيت الأبيض، بعد بوش..
وعندما قام الضابط الأمريكي المسلم نضال حسن بجريمته الشهيرة التي هزت الشارع الامريكي في نوفمبر العام الماضي، التي ربٌطت بالإمام اليمني الأمريكي أنور العولقي، بدأت أمريكا بالتركيز على تنظيم القاعدة في اليمن، وتم تضخيم هذا التنظيم، وتصويره، وكأنه أصبح على بعد خطوات من السيطرة على العالم!..
وتصاعد ملف القاعدة بشكل ملفت، ابتداء من العمليات الأمنية الأمريكية في أبين وشبوة وصنعاء، ثم محاولة النيجري القادم من لندن إلى اليمن عمر فاروق تفجير طائرة أمريكية، ومحاولة ربطه بأنور العولقي، وما تلا كل ذلك من تحركات وإجراءات كإغلاق السفارات الأجنبية في صنعاء، والحديث عن مجرمين أمريكيين سابقين انضموا للقاعدة في اليمن، وصولاً إلى مؤتمر لندن وما تلاه من عمليات أمنية.. حتى أن التقارير حذرت من استيلاء القاعدة على مضيق باب المندب الاستراتيجي!
وبعد انعقاد مؤتمر لندن لدعم اليمن ضد القاعدة كتبت مقالاً في جريدة "القدس العربي" أعيد نشره في العديد من المواقع الإخبارية، حذرت فيه من الدعم الأمريكي المزعوم لليمن، وقد ظهرت أبرز نتائج ذلك الدعم أو التعاون في الغارة الأمريكية التي استهدفت أمين المجلس المحلي في مأرب جابر عايض الشبواني، والتي تسببت لليمن بالمزيد من المشاكل مع القبائل في مأرب وأصبح ثأثيرها السلبي بشكل مباشر على المواطنين عندما استهدفت الكهرباء..
الحكومة اليمنية تعلن عقب كل غارة أمريكية تقتل الأبرياء في اليمن أنها هي من قام بالعملية وأنها كانت ضربة "استباقية" للقاعدة ذلك التنظيم الذي لا يشعر المواطن بأي وجود عملي له على أرض الواقع لا كمؤسسات، ولا كمواقع عسكرية، ولا كظاهرة دينية متشددة (كما هو حال الحوثي).. ثم ما تلبث الصحف الأمريكية أن تفضح الحكومة اليمنية، وتؤكد أن الغارات كانت أمريكية، وبدون تنسيق مباشر مع اليمن..
أمس الأربعاء أعلن مسؤول أمريكي عن مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة إن إدارة الرئيس باراك أوباما تدرس "إضافة الطابع العسكري إلى معركتها ضد تنظيم القاعدة في اليمن"، وقال إن "جميع الخيارات لمحاربة تنظيم القاعدة الإرهابي في اليمن تتم دراستها الآن في البيت الأبيض، فأوضاع منطقة الشرق الأوسط خلقت بيئة خصبة للقاعدة من أجل تنظيم صفوفهم هناك".
صحيفة "واشنطن بوست" من جهتها، نقلت عن مسؤولين أمريكيين أن وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية (سي أي اية) ترى تنظيم "القاعدة" في اليمن "التهديد الأكثر إلحاحاً"، وهي المرة الأولى لها منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 التي تعتبر فيها أن تنظيم "القاعدة" خارج مقره الأساسي في باكستان أكثر تهديداً. معتبرين أن "القاعدة في اليمن باتت تبدو أسرع حركة وأعنف".
ونقلت عن المسؤولين رفضوا كشف هويتهم، أن التقويم الجديد لـ "سي أي أية" حض مسؤولي الإدارة الأميركية على الدعوة لتصعيد العمليات في اليمن، ومن بينها اقتراح بزيادة الهجمات الجوية التي تنفذها طائرات من دون طيار، لتكون ضمن الهجمات العسكرية الأميركية.. ونسبت إلى مسؤول مطلع على تقييمات "سي أي اية"، إن "القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وهو ما يعرف به الجناح اليمني للتنظيم في تحسن متزايد، والقلق في هذا الشأن يتغيّر. بتنا أكثر قلقاً حالياً من القاعدة في شبه الجزيرة العربية عما كنا في السابق".
ومن خلال هذه التصريحات الأمريكية يبدو أن أمريكا تعي أن الوضع في اليمن خارج سيطرة السلطة والمعارضة إلى حد كبير، إن لم تكن هي المخطط الرئيس لإيصال اليمن إلى هذا الوضع، فلذلك عزمت على المزيد من التغلغل العسكري في اليمن، عن طريق الغارات الجوية، والمزيد من التدخل في عمل الأجهزة العسكرية اليمنية، وصولاً إلى السيطرة على المنافذ البحرية وربما البرية..
ولا نعرف بالضبط ما الذي تريده أمريكا؟ من دخولها كطرف مسلح خامس في مباريات هدم الدولة اليمنية، والذي يشارك فيها كلٌ من: "حكومة فاقدة السيطرة، حراك فاقد السيطرة، حوثي (الأكثر سيطرة)، قاعدة لا أحد يعرف لصالح من تعمل؟، وأخيراً أمريكا".. وهل ستكون مجرد لاعب، أم أنها هي من يدير وسوف يدير اللعبة، وهل التخريب لمجرد التخريب، أم أن له ما بعده؟! وما مستقبل اليمن في ظل كل هذا؟
وعلى افتراض أن الولايات المتحدة بريئة من إيصال اليمن إلى هذا الوضع، فمن البديهي أنها، وهي أعظم امبراطورية في العالم، وتراقب الوضع بكل دقة، لن تتركه خارج اهتمامها، فعلى الأقل سوف تقوم باستثماره لصالح أهدافها الاستراتيجية في بناء قواعد عسكرية والسيطرة على مضيق باب المندب الاستراتيجي بحجة حمايته من "القاعدة" المزعومة..
وكل ذلك سيكون بالتنسيق مع السلطات اليمنية، التي أصبحت في موقع الضعيف الذي يعاني من تمردات داخلية واقتصاد ضعيف.. ووضعه المنهار لن يسمح لها إلا بالترحيب بأمريكا والتحالف معها وإلا فإن أطراف عديدة في اليمن بإمكانها التحالف مع أمريكا وتقديم التنازلات لها.. ويظل الوضع في اليمن مفتوحاً على جميع الاحتمالات.. والمرحلة القادمة قد تشهد عمليات مشابهة لما حدث من مجازر في المعجلة والمحفد ومأرب..
في الجمعة 27 أغسطس-آب 2010 01:09:56 ص