البحرية البريطانية: تلقينا تقريرا عن حادث بحري على بعد 25 ميلا غرب المخا حكم قضائي يعمّق الخلاف بين الرئاسي والنواب شرطة تعز تعتقل قاتل أربعة من أفراد أسرته في صنعاء اشتعال حرب التكنولوجيا ..الصين تسبق الولايات المتحدة في التاكسي الطائر ذاتي القيادة بعداغتيال وزير الإعلام في حزب الله..مصادر تكشف تفاصيل لن تكن معروفة وغامضه احذروه…. القاتل الصامت يعيش في مطابخكم قرارات جديدة وصارمة… .اليمن يطالب الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات صارمة لوقف تهريب الأسلحة إلى الحوثيين بايدن يتخذ قراراً "مفاجئاً" لأول مرة قد يشعل الأوضاع في أوكرانيا و"يغضب" بوتين الاعلان عن هلاك قيادي بحزب الله تولى التخطيط والقيادة والسيطرة لعدد من معارك الحوثيين صحة مأرب تدشن حملة توعوية لطلاب المدارس حول وباء الكوليرا
أخي ناصر إني على ثقة في إخلاصك وصدق مشاعرك وتحملك همّ الحالة المتردية التي يحياها المجتمع (اليمني) بوجه خاص، ولكن لفت نظري تأكيدك على المعنى السابق بقولك : " إن هذه المشاكل تجعلنا نقترب أكثر وأكثر باتجاه العلمانية التي تقتضي أن لا تتدخل الدولة في القضايا الدينية بالمعنى الذي يجعلها محايدة وهذا الحياد يقتضي إما أن تسمح الدولة للجميع بالتمتع بنفس الحقوق كأن تسمح الدولة للزيود بأن ينشئوا جامعة ومدارس ومعاهد بأموال الشيعة كما نسمح للسنة، وفي هذه الحالة فإن النتيجة المنطقية لهذا الوضع هو الاحتراب والتناحر وفقا لأجندات داخلية وخارجية، أو أن الدولة تمنع الجميع من بناء هذه المنشأات. وطبيعي
أن هذا الحل سيبدو غريبا وفقا للواقع الموضوعي لليمن في الوقت الحالي ومع ذلك فإن نقاشي معك ليس إلا لفتح أفاق للتأمل وهو أمر مهم لتلمس الواقع".
مرة أخرى أراك – أيها العزيز – تتحدث عن العلمانية وكأن المؤمنين بها – ولاسيما من يتولّون مقاليد السلطة- ملائكة معصومون، نزلوا من السماء، ليقدّموا لكوكبنا الوصفة النهائية التي منشؤها السلطة السياسية، وكأنهم برئيون من القناعات الخاصة، والأيديولوجيات الكامنة بل السافرة أحياناً، أو أنّه لا علاقة لهم من أيّ وجه بالصراع الذي يجري على الأرض، وسيقفون على الحياد على نحو مطلق – من ثمّ- . ونحن إن انزلقنا إلى وهم كهذا فإنّه سيؤكّد مدى خطيئة الإعجاب المطلق اللاشعوري بالآخر على نحو دفعنا إلى إغلاق العقول والحواس والمشاعر عن الذي جرى ويجري من حولنا، من التعصّب المقيت المتخلّف ضدّ الدين، حتى في المجتمعات العلمانية (الأصلية) التي تمثل القدوة والمنارة الهادية للعلمانيين العرب والمسلمين في مجتمعاتنا؛ فإن تجربتها ليست مضيئة، لاسيما بعد أحداث سبتمبر 2001م، فيما يتصل بالحقوق والحريات العامة، بل غدت طافحة بالضيق ضد الآخر المسلم – تحديداً- بما في ذلك أخص الخصوصيات، وقد رأيت بنفسي ذلك صارخاً في ألمانيا مؤخّراً، وتحسّرت لحال (الجاليات المسلمة) هناك، التي فرّت من مجتمعاتها لظروف شتى، منها القمع والقهر، وصارحت بذلك من التقيته من المسئولين في الخارجية الألمانية، وفي وزارات التعليم العالي، والداخلية والاندماج وغيرها، كما السفير الألماني بصنعاء الذي أقر ضمناً بحدوث قدر من الاضطهاد،ومصادرة حقوق المسلمين- خصوصاً- وعزاه إلى ملابسات يتصل بعضها بظروف التوحّد بين الألمانيتين، أو هكذا فهمت منه. ورأيت مدى الرعب والتوّجّس لدى المسلمين هنالك، خشية وصم أيّ منهم بتهمة عدم الاندماج مع المجتمع الألماني، ولعلّ ذلك واحد من أبرز دوافعهم لتسمية أحد مساجدهم المعروفة ببرلين بمسجد (الرحمة للاندماج الحضاري)، هذا مع التكلّف والمداراة الظاهرتين، كي يدرأوا عن أنفسهم، تهمة عدم الاندماج، والمقصود بالاندماج حسبما تأكّد لي والوفد المشارك من مختلف الدول العربية، لايعني – في جانب جوهري منه- سوى سحق الهويات، وإذابة الخصوصيات، باسم (العلمانية) التي تحكم المجتمع الألماني، وضرورة إثبات الانتماء للمجتمع العلماني هناك . وأتذكّر أن مسئولاً رفيعاً في وزارة الخارجية الألمانية لم يجد ما يردّ به على مثل هذا الانتقاد إلا أن ذكّرني بأن ألمانيا دولة (علمانية-مسيحية) هكذا، ثم عيّرني بالدكتاتوريات العربية والإسلامية، إذ ذكر نموذجي تركيا (ما قبل العدالة والتنمية) وتونس في مسألة الحجاب، فلم أجد بدّا من الردّ عليه بقولي: "معذرة –سيّدي- لم أكن أعلم أن دولة كنت أسمع أنها عريقة في (الديمقراطية) ومنح الحقوق والحرّيات لكل من يعيش (شرعياً) على أراضيها تستلهم نموذجها من الدكتاتوريات (المتخلّفة) التي أنا أحد ضحاياها!!" وأزيد هنا - وأدّعي بأنني لست حالة خاصة في ذلك- بأنني ضمن أصوات عِدّة هادرة ستقف ضدّ قانون (مفترض على سبيل الخيال) بفرض نقاب أو حجاب - مثلاً- على غير المسلمات داخل المجتمعات الإسلامية، فذلك أمر حتى إن قال به فرد أو أفراد فذاك شذوذ لاتخلو منه فلسفة أو دين، وغالباً ما يأتي من واقع ردّ الفعل على الممارسات الغربية تجاه الدين والأخلاق وظلم المسلمين أحياناً، لكنه هنا لا يمثّل رأي جمهور الفقهاء المسلمين من شتى المدارس الفقهية، وأرجو أن لا نخلط هنا بين مسألة الحجاب الإسلامي بكل تفاصيله ومقاييسه وبين أمر آخر يسمى مراعاة الذوق المجتمعي العام، فهذا الأخير لايعني فرض خصوصية الذات على الآخر، أو سحق هويته، على نحو ما يجري في بعض المجتمعات الأوروبية ( ألمانيا أنموذجاً)، حيث تمنع المحجبات المسلمات في بعض الولايات من حق الحصول على وظيفة رسمية في التعليم الرسمي العام، حتى لتعليم الجاليات المسلمة، بل شكى إلى الوفد الزائر بعض من التقيناهم من أبناء الجالية فرض حصّة السباحة المختلطة على أبنائهم وبناتهم في المدارس الألمانية، وهو ما قد يدفع بعضهم للحرمان من حق التعليم، لأنّه يجد المقايضة في هذا التعليم، على دينه وقيم مجتمعه وأخلاقه ومقدّساته، هذا علاوة على حرمان المسلمين من حق البناء للمنارات على المساجد، بل منعهم قانونياً من تملّك أراض أو بناء مساجد ذات ملكية خاصة بهم! فهل هذا ما يبشّر به دعاة العلمانية في ديارنا؟
وقل أكثر من ذلك في النموذج العلماني الفرنسي (البشع) فيما يتصل بحقوق المسلمين والمهاجرين منهم– على وجه الخصوص- وحريّاتهم الشخصية والمدنية، ولاسيما فيما يتصل بخصوصياتهم الدينية، تحت ذرائع متهافتة تكشف عن الضيق بالآخر، حتى الآخر الذي غدا جزءاً من الذات، وفق القوانين والأنظمة الرسمية المعلنة، وأشهرها مسألة (حجاب المرأة المسلمة)، الذي بدأ اليوم القهر الفعلي فيه بمسألة النقاب، كخطوة أولى في اتجاه الحجاب، وذلك في مقابل ذلك الصمت المطبق عن أي مسلك شخصي يتصل بزي غير المسلمات بما في ذلك الحرّية المطلقة لـ(التعرّي)!!
وتخيّل الحال لو أن نظاماً في دولة إسلامية فرض من القهر وسحق الخصوصيات على غير المسلم، بصرف النظر عن امتلاكه لجنسية البلد أم لا، بدعوى الاندماج وإثبات الانتماء والمواطنة لكل من يقطن هذا البلد، أو عاش ردحاً من الزمن فيه، ماذا سيقول الغرب ووكلاؤه المتميّزون لدينا؟ أعتقد أن ذلك مؤهّل كافٍ للاجتياح، وإسقاط النظام السياسي والمجتمعي!!
أمّا التقديس الأعمى للسامية والوقوف الأرعن ضد كل مقولة أو فكرة تناقش موضوع السامية ولو من حيث التفاصيل والأرقام فحدِّث ولا حرج، وما أظن مأساة المفكر الفرنسي روجيه جارودي – على سبيل المثال- تغيب عن بالك بعد أن أصدر كتابه الشهير ( الأساطير المؤسسة للدولة الصهيونية). ويكاد يكون فوبيا (معاداة السامية) أو ما يُعرف بـ( anti Semitic ) القاسم المشترك الأبرز بين الأوروبيين، وإن ظلت حدّة الدرجة تتفاوت بين بلد وآخر!
وقبل أن أغادر هذه المسالة أتساءل كيف سيجيب دعاة الحل العلماني عن واحدة من تناقضات (أيديولوجيتهم) فيما يتصل بالبيان الذي أصدرته الحكومة السويسرية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009 م، وأعلنت فيه منع بناء المآذن فيها ابتداء من ذلك التاريخ، بناءً على تصويت الناخبين السويسريين بأغلبية 57.5% لصالح مبادرة منع بناء المآذن، لتصبح سويسرا الدولة الوحيدة في أوروبا التي تفرضهذا المنع .مما دفع رئيس حزب الخضر (أولي لوينبيركر) أن يصرّح أن مبادرة منع بناء المآذن غير دستورية ، وقال إنه سيدرس إمكانية اللجوء إلى المحكمة الإدارية لحقوق الإنسان، لإبطال مفعول التصويت.
مع العلم – ياسيّدي- بان هذا التصويت سيؤدي إلى تعديل المادة ) 72 ( من الدستور السويسري التي تحكم العلاقات بين الدولة والديانات. وسيدرج حظر بناء مآذن في الدستور على أنه إجراء "يرمي إلى الحفاظ على السلام بين أفراد مختلف المجموعات الدينية" - راجع التفاصيل في موقع صحيفة الوطن (السعودية): http://www.alwatan.com.sa/news/image...2A_301-35.jpg
أخشى أن تضطرب الأمور على بعضنا فيسارع إلى القول بأن ذلك قرار أغلبية الشعب السويسري، وهنا تحلّ الطامة الكبرى بوعينا المزيّف ، أي الجهل الفاضح بإرادة أغلبية شعوب أمتنا حين تطرح عليها ثنائية الحل العلماني الذي يقصي الدين عن الحياة الفكرية والتربوية والثقافية والسياسية والفكرية والمجتمعية والاقتصادية، والحل الإسلامي الأصيل؟
وهل يصحّ في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
إننا – أيها العزيز- إن صدّقنا بعد ذلك بأن النموذج العلماني هو الحلّ لمشكلة السلطة عندنا فهو يعني- واسمح لي للصراحة – أننا نكون بذلك قد سقطنا في خطيئة الجهل بمقدّمات أبجدية في كيفية بناء الأيديولوجيات وصناعة الأفكار والممارسات السلوكية، إذ لا أظن مثقّفاً جادّاً – مثلك- يغيب عن باله أن رجل السلطة وفق النموذج العلماني، أو سواه ليس فرداً تشكّلت شخصيته في كوكب آخر، ومن ثم جاءنا منقذاً أو مخلّصاً، حين نصفه بـ(المحايد)، وكأنّه عصيّ على التأثّر بما عاشه في كل سنّي حياته السابقة لموقعه في السلطة، وجزء منها مؤهل أساس لبلوغه ذلك الموقع. أي أن شخصيته لا تخرج عن حاصل مكوّنات من البناء المجتمعي التربوي فكرياً وأخلاقياً وسياسياً ونحو ذلك، بحيث يتلقّف كل منا نصيبه منه، ويظل معه- بأقدار متفاوتة، حتى إذا قدّر له أن يبلغ مبلغ الفعل أو النفوذ في موقع السلطة – على وجه التحديد- فإنه سيترجم ذلك من موقعه،وليس ثمّة عصمة له من التأثّر بكل ذلك أو ببعضه، وشواهد ذلك في المجتمعات العلمانية الأوروبية – قبل غيرها – خير دليل. وإذا كنّا نأخذ على المتدين أنّه يريد فرض فهمه (المدرسي) الخاص للدين على بقية المكونات المجتمعية- وأغلبيتها إن لم يكن كلها تؤمن بالدين وتنافح عنه عقيدة وشريعة ونظاماً شاملاً فكيف بنا إذا استبدلنا ذلك الفهم الديني (المدرسي) بفهم علماني خارجي مستورد غريب، يأبى إلا أن يفرض وجهة نظر جماعة (مدرسية علمانية) منبتة الصلة عن الانتماء إلى فلسفة مجتمعاتها وطبيعة المشكلات العاصفة فيها، لتصادمها بحجة تخليصها!! بالله أي ديموقراطية هذه؟!!!
قد تُكرّر لي القول بأنّه مهما كانت أخطاء العلمانية فإنها ستظل أخطاء بشرية عادية بخلاف أخطاء المتدينين فإنها ستحسب على الدين، ومن ثم فلنحيّد الدين، أو نلقي به جانباً ، فذلك إن ساورنا فمغالطة ساذجة لأنه يعني أن الظلم والقهر لكل مأساة سيكون لها وجهان : إسلامي وعلماني، والمشكلة تكمن في الأول دون الثاني، وكأن خطأ الأول مغتفر وهيّن، مع أنّه كارثي من حيث مصادمته للضمير الجمعي – كما تقدّم- على حين أن الثاني هو المشكلة لأنه يتصل بالسماء!
* تتلخص فكرة هذه الحوارية في تعقيب أحد الأصدقاء ويرمز له باسم ناصر على كاتب هذه السطور بعد ذات حوار صحافي تناول جملة من قضايا الفكر والتربية و بعض إشكالات العمل الإسلامي، فكانت هذه المحاورة للصديق ناصر في سلسلة حلقات، متمركزة حول العلمانية وما إذا كانت مخرجاً لمجتمعاتنا أم كارثة جديدة؟! .
*أستاذ أصول التربية وفلسفتها بجامعة صنعاء