المغوار الدجال وتلك الشهرزاد المغتصبة
بقلم/ عبدالله عبدالكريم فارس
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 6 أيام
الأحد 13 مارس - آذار 2011 02:15 م

بإختصار شديد: "شهرزاد" الأرض - و "شهرزاد" الإنسانة، يتحدن عضوياً وفيزيائياً في زمن اليمن الراهن!

مرت ثلاثة عقود من الزمن و "شهرزاد"، - تلك الحرة الأبية وسليلة منابع الشرف -، لا تزال تحاول الهروب من أحضان "شهريار المغوار" الذي يمعن في الإلتصاق بجسدها الغض ليعبث به كيفما شاء.

من أول ليلة وشهرزاد لاتزال في شهور الحداد، أخبرها شهريار المغوار بصراحة أنه لن يعيلها... وبأنه لن يسبغ عليها مسبحة الأمان قط... وأن عليها التكفل بأعباءه المادية بسبب عجزه عن التكسب المشروع، وأن لابد لها من أن تقبل به قبل إنقضاء شهور العدة، شاءت أم أبت... واعرب وهو يشحذ سكينه في وجهها عن رغبته في إمتلاكها والإنفراد بها - في عقر دارها هي -، وعن نزعته للإستحواذ على كل ما تملكه، ومصادرة كامل إرثها.

شهرزاد،- تلك المرأة الجميلة التي كانت بريئة وطيبة -، كانت لاتزال في عز شبابها، فهي آنذاك لم تطرق أبواب العشرينات بعد... كان ذلك يوم أن هجم شهريار المغوار على خصوصية مخدعها وأجبرها بالإكراه على القبول بقضاء حاجاته البيولوجية عندها، وإفراغ مخلفات مؤخرته في جوفها، وكأنها بيت خلاء!

قبله كانت تعشق شاب يحبها، يعاملها بذوق وكانت حالتهما ميسورة، ربما لأنه كان له صنعة ما، ويجيد فن الإقتصاد المنزلي، يقوم بترتيب الأثاث الداخلي، وزراعة ما تيسر له من الغذاء في فناء البيت، لكنه قُتل غدراً في إحدى مؤامرات شهريار وأصحابه بالحارة، فخلّف ورائه المكلومة والمظلومة شهرزاد وصغارها الرُضّع.

شهريار الدجال، شخص جلف وحالة مَرضية لاتمت بِصلة إلى طبقة النبلاء، أطلق زوراً على ذاته صفة المغوار… احترف البلطجة ذات يوم بعد أن تمرد على محراثه وعلى غنمه وثور قريته، فأشهر منجله في يوم مأتم وغزا به قصر شهرزاد والناس في سراديق العزاء، مستعيناً ببعض العاطلين عن العمل وآخرين مقطوعين من الرجاء أو الأمل. - لكن العيب الأكبر أنه أستقدم معه كل عقد النقص والإنحطاط النفسية وطباع قطاع الطرق المكتسبة أثنآء وجهته إلى القصر، ما جعل شهرزاد، - كإمرأة -، لا تطيق معاشرته، وتقرف من رؤيته، وتنفر بشدة من سلوكه الهمجي في الفراش.

فهو من صنف الرجال الذين لا يؤمنون بالغزل في النسآء، ولا يعرفون أبجديات الرومانسية، بل أيضاً من فئة الذين يتلذذون بممارسة العنف وسفك الدماء ويستمتعون بإستخدام القسوة ضد شريكة الحياة، والتخاطب معها بلغة الضرب، فتصرفاته وتعامله كانت وما تزال مؤذيه لها وللغير، وكلام التدليس المرتجل، المليء بالكذب والنصب والتزييف، الذي يصدر عنه ينفر الزوار ويجفل الضيوف، - الأمر الذي أدى إلى تجفيف ينابيع إبداعاتها وتثبيط همتها وفرملة دواليب إنتاجها.

 

فمن أجل ان تبعد عن عنقها سيفه المتربص بها والذي سلبها حقها في الحياة، لاتزال حتى هذه اللحظة مرغمة لأن تستمع لثرثرات شهريار المغوار وهو يتحدث عن نفسه في حين هي صامتة وتتثائب... نفس التكرار الممل كل ليلة... أكثر بكثير من الف ليلة وليلة... - ليالي شهرزاد المنهكة تواصل إيقاعاتها المعهودة كأنها دهور سحيقة، لقد طالت وطالت لتصل إلى آلاف مؤلفة من الليالي المليئة بالملل والإحباط.

تحكي لنا شهرزاد عن مصيبتها وهي تبكي من شدة المرارة الذي تعانيه، وعن الأقدار التي ساقتها إلى محنتها. - تقول شهرزاد: أنها لم تكن تعلم أن شهريار المغوار رجل يفتقر إلى النخوة، - وذلك عنصر مهم في الرجولة عند المرأة -... تقول: أنها أدركت من اللحظات الأولى أن الرجل "دخل على طمع"، لكنها لم تتصور أبداً بأنه سيغدر بها على نحو آخر، فلم يدر بخلدها على الإطلاق أنه سيمكن أقربائه وأعوانه وحاشيته وأنصاره وزوّار ليله وبعض جيرانه من "التمتع" بها، وبوطء شرفها وتمريغ عفتها، والقوادة عليها كلما فرغ هو منها.

تصرخ بحرقة، ذلك كافياً أرجوكم دعوني... لاأستطيع... تخنقها العبرات، تتوقف عن الكلام المباح... تصمت برهة، ثم تنفجر باكية وناحبة. - على مايبدو أن جلل الأمر أصابها في مقتل منذ اليوم الأول.

ورغم خصوبة خيال شهرزاد الذي عرف عنها، إلاّ أنها تعترف بأنها كانت على يقين خاطئ بعجز كل العصور مجتمعة عن إنجاب ذلك الكم الهائل من الشهريارات الشبقة في آنٍ واحد، - تقول "بالعين المجردة يمكنك رؤيتهم وهم منتشرين في أروقة القصر، يفترشون كل شبر فيه، في شبابيكه وعلى جدرانه، وينزوون بأعداد مفزعة في أركان كل بقعة أو زاوية معتمة منه". -- شهريارات قبيحة مستنسخة طبق الأصل من فصيلة وجينات شهريار الدجال، لا يفارقونها لحظة ولا يغيبون عنها ليلة.

وكون شهريار المغوار من الطائفة التي تنتحل أي صفة، فإنه ومن معه من كبار الشهريارات عقدوا إجتماع طارئ ليلة ذات خميس، فأستلهموا في تلك الليلة التاريخية قانون "الإغتصاب مقابل البقاء"، وهو القانون الذي أجاز لهم الحق في تجويعها وضرب عنقها وسبي صغارها، في حالة رفضها الإستجابة لرغباتهم الشاذة أو المهلكة.

وذلك القانون حدد أيضاً بشكل واضح ان لشهرزاد ممارسة حقها في التمدد، والإنبطاح، ورفع الأيدي والأرجل، وإشاحة بصرها عن رؤية أشخاصهم وهم يولغون بها.

كم هي مسكينة تلك الشهرزاد؟... نحن نعرفها عن قرب، ربما تربط القارئ صلة قرابة بها... بك أنت... وإذا كان ذلك، فأنت تعرف حميّتها حق المعرفة وإستعدادها لأن تُنحر دون عرضها وشرفها...، فهي لا يمكن أبداً أن تتقبل ذلك الوضع فقط من أجل تربية صغارها على ماتبقى من فتات مائدة شهريار المغوار وآله... - لكنه لم يكن، ولم يعد لديها خياراً آخراً في ظل نصال الشهريارات المغروسة في خاصرتها وصولاً إلى موطن عفتها...!

- والأكثر إيلاماً، أنه حتى وهي مرغمة على الإستسلام لذلك المصير المؤلم الذي يرق له ألد الأعدآء، لم يشفع لها ذلك عند شهريار المغوار وأعوانه، ولم تنقذها كل التنازلات هي وصغارها من الجوع والقتل والتشريد.

... أليست هي نفس الشهرزاد - ذات الأصل والفصل، وبنت الحسب والنسب - التي عندما كانت مكبلة بقيد واحد فقط، فجرت بركان غضبها ذات يوم على الجهل وتبعاته الموحشة؟... لكن لتقع دون أن تدري في مصيدة أبشع، فصلبت بين مخالب منظومة متكاملة من الشهريارات المغروسة أسنة رماحهم وسط جسدها، وفي راحة يديها، وعلى حافة أطرافها.

كانت شهرزاد تعتقد أنه ما أن يمل شهريار المغوار من واحدة حتى يبتعد عنها ويذهب بما تم نهبه إلى بديلة عنها... ولكم ابتهلت المسكينة، متمنية وصول ذلك اليوم المخلّص إلى أن بح صوتها وتيبست أوردتها.

لذلك لم تعد شهرزاد تحكي...، لم تعد تسرح بخيالها بعيداً، ولم تعد تخترع أو تبدع قصصاً شيقة... ليس فقط لأنها لاتريد، بل أيضاً لأن كضمها للغيض أدى عندها إلى إنفجار سويداء الكبد، ما أصابها بدآء التهتهه، فأصبحت من فرط حزنها تبتلع لسانها مع بلع ريقها، وصارت تجر اللسان بأصابعها إن هي أرادت لعق شيء ما... والنتيجة أن تلك الشهرزاد الحالمة والقاصة، الفصيحة والشاعرة، لم تعد تهوى ولا تستطيع أن تحب ولا قادرة على القول، لا شعراً ولا نثراً ولا قصة بعد.

- كم هي مدمرة... لقد تحولت شهرزاد الفاتنة إلى بلهاء محبطة، ذات نظرات شاردة، وعيون غائرة، تحوم حواليهما دوائر الحزن والبؤس والهم والسواد.

شهرزاد المعاقة والمكبلة، الآن هي من يصغى مكرهة... لأن شهريار المغوار أصبح هو الذي يحكي... وهو من يهذي ويثرثر... وهو الذي يصرعها كل ليلة بكذبة في حجم كتلة براز الفيلة من الوزن الثقيل... حتى وهو ينبلج متورماً من فرط وصف منجزات ومعجزات كرتونية ليس لها على الواقع أثر، هي تعي واقع أن تلك الإدعاءات ليست سوى مجرد تبخير بروث.

لذلك تتعمد شهرزاد حذف صوته من المشهد - يعني تطنش كلامه - وهو يخاطبها بهذيان ملحوظ ويديه تتحركان اً في عنف بهلواني بالهواء مخاطبة إياها معه... تقول لنفسها ليس في قوله ما يهم على كل حال، تقلب نظرها في السماء وتتذكر مايقوله علماء النفس من أن حركة اليدين الغير عفوية أثناء الخطاب تدل على مراوغة المحتال… بسخرية، تشرق بكتفيها، وتهز رأسها بأسى وهي تراقب شفتيه تتحركان، تماماً كما في الأفلام القديمة الصامتة لتشارلي شابلن.

- لماذا ياترى تفعل ذلك؟... الجواب لأنها ببساطة تعرف مايكفي، فبعد كل رغي رسمي، هي لوحدها وبدون منظرين أو تنجيم تعرف ما هو مقبل وما هو آت…

... فما أن يمتزج لون الصبح بلون الظلام، حتى يتنصل من وعوده وتتساقط أقنعته، فيتلون جلد شهريار المغوار كالحرباء وتحمر عينيه، تبدءآن كعيون شيطان مخيف بالزغللة والزوغان... تلك الحالة الإجرامية عنده هي الإشارة المطلوبة لبدء الإنطلاق لدى المرقة من محترفي أكل السحت والبلطجة… وهي إشارة لجموع شهرياراته لبدء زحفهم وشن هجومهم الوحشي المعتاد على جسد شهرزاد، فينقضون عليها ويعرونها بجنون كأنهم حيوانات ضارية وكلاب ضالة وصلت للتو وهي تتضور جوعاً لإلتهام لحم فريستها.

بعضهم يبدأ القضم بقوة وشراهة في مناطق مختلفة من جسدها وهي تصرخ ألماً مستنجدة بهم إن بقى فيهم أثر لنخوة، - لكن ذلك لايزيدههم إلاّ توحشاً وهيجاناً -، بينما آخرون يشدونها من شعرها ويُمعنون فيها صفعاً وخدشاً على وجهها وعلى كامل نتوءات جسدها، فيما البعض كالخفافيش يمعن في لوك حلماتها حلباً إلى درجة الجفاف، ولو كان مايدره ثدييها دماً.

هرج ومرج يستمران في ليالي دموية تشبه تلك الطقوس المتبعة عند عبدة الشيطان... الكل، جَماعياً يطأوها بعنف وشهيق جنوني مستهتر، وما أن يفرغرن حتى يتم تثبيت أطرافها بالمسامير لينال منها "صغار" الشهريارات أيضاً في مخالفة صريحة للنهي الشرعي الذي لايجيز للأبناء ماوطئه الآباء!!!

- كل ذلك يتم وهي تندب وتبكي بكاء الأيتام وتستجدي الرحمة والعطف دون جدوى، ليتبدد صراخها المدوي في أروقة الدهاليز المظلمة والمغلقة، وتتلاشى أحلامها الوردية كتلاشي حمام السلام من على فوهات مدافع المعركة.

وهكذا دواليك، تستمر مشاهد إغتصابها وإيلامها وترويع أطفالها المسالة دمائهم بالطرقات في كل يوم، وكل ليلة، وكل ساعة... حتى تكل أجسادهم من التعب وينهار جسدها من الإيذآء... لكن على أساس تكرار نفس المشهد بتلك الطقوس في اليوم التالي، في نفس المكان، على ذات الجسد، وفي نفس الموعد.

اليوم، "شهرزادنا" ليست بحاجة إلى "هدار" مع مدمني الدماء والدمار، ولا رقيها عند مشعوذ أو دجال... والركون إلى "شهريار المغوار الدجال" لتطبيبها أو إسعافها، سوف ينتهي بها حتماً ودون مواربة عند "عوبلي رداع"، ليبصق بركاته في وجهها، ويبخرها من شر حاسد إذا حسد، معلقاً حول عنقها كيس من حبات البركة السوداء لدرء العين، وعلى ضوء الشموع ودخان البخور المضاد للسحر سوف يبدأ طرق دفوف الطار للمؤتمرين من حولها بالمولد تيمناً بالحضور الخفي للولي أحمد إبن علوان، وصولاً إلى الإنتهاء من عمل اللاّزم في تطهيرها من فلول الفئة الضالة من عفاريت الجن التي تسللت إلى شرايينها، - كما تسلل شهريار الدجال إلى مخدع قصرها!

- وعندها سوف تهز معاقلنا وتصم آذاننا مدفعية المراسم وهي تدوي واحد وعشرين طلقة إبتهاجاً بالخطوة المظفرة "لشهريار الوطن المغوار" وهو يتقدم الموكب مستقبلاً المهنئين بشفآء شهرزاد الأزلي وسلامة عودته وضرورة بقاءه أو من ينوب من نفس فصيلته عنه في بث تلفزيوني حي ومباشر... - بينما شهرزاد سوف لاتزال محمولة في نعشها على الأكتاف خلف موكب الزار وهي تنازع في غيبوبتها بين الحياة والموت.

 

"شهرزادنا" اليوم بأمس الحاجة لإسعافها ونقلها إلى غرفة رعاية مركزة، من أجل عناية طبية مدنية فائقة الحداثة في بيئة معقمة ونقية... وهي بحاجة لأن يغرب عن وجهها شهريار الدجال ورهطه حتى تستعيد توازنها النفسي... وهي بحاجة إلى فزعة شعبية لتنظيف مخدع نومها من الأوبئة والأدران ومخلفات براز الشهريارات البشرية المتعفنة في جوانبها.

والقصر بحاجة لأن يقطنه عاقل ذو رجاحة من محارم "شهرزاد" يحمي شرفها، لا أن يقوم بإغتصابها، ونحتاج كذلك إلى إعادة "الديكور والدهانات" بشكل بهي وناصع من الداخل ومن الخارج، بدءاً بترميمه من الكسور والتصدعات وآثار زخات الرصاص وعبث القنابل التي اصابته بفعل إحتلاله من قبل شهريار الدجال وأعوانه لأكثر من ثلاثين سنة، في سوء نية وعن سبق إصرار وترصد وبدون وجه حق.

- والأهم من كل ماسبق، هي ذاتها، وليس غيرها بأشد الحاجة المدقعة لإعادة ريع أملاكها إلى جيبها وحسابها الخاص - وليس إلى جيوبهم أو حساباتهم الخاصة - حتى تستعين بها في رحلة الشفاء والتعافي.

... لا تلام "شهرزادنا"، إن هي غائبة عن الوعي وفي حالة إنهيار عصبي تام، - لأنها لم تعد ترى أمامها سوى نفق معتم وطويل لسنين مديدة قادمة من الرضوخ للإغتصاب الموغل في الوحشية من قبل رهط مصابون بمرض الـ "الأنا" المفرطة، ورجل مسخ يعاشرها في إكراه بائن، في حين أنها لم تعد تطيقه وتبغض كل شيء فيه