جيوش عربية لحراسة الرؤساء
بقلم/ منير الماوري
نشر منذ: 15 سنة و 10 أشهر و 7 أيام
الأربعاء 07 يناير-كانون الثاني 2009 11:09 ص

روى لي والدي المقيم في ولاية ميشغن الاميركية، أنه خرج من اليمن في أربعينات القرن الماضي، وكان يتنقل بكل حرية بين مصر وفلسطين، ولم تكن هناك أي عقبات أو معابر تمنع البشر من التنقل.

وشاءت الأقدار أن تندلع الحرب العربية الإسرائيلة الأولى عام 1948، وإعلان دولة اسرائيل ووالدي مايزال في القدس، فكان من بين الخارجين إلى الأردن وبعدها انتقل إلى الكويت قبل أن يهاجر إلى أميركا عام 1957.

 ومن الانطباعات التي يحكيها عن مشاهداته أثناء الحرب أن عدم التوازن في القوة هو السبب المباشر في هزيمة العرب، وهذه المعلومة تناقض ما تلقيناه من أكاذيب عبر المناهج المدرسية من أن سبعة جيوش عربية، من اليمن والسعودية ومصر والأردن وسوريا والعراق ولبنان، اشتركت في الحرب ضد عصاباة الهاجاناة.

 وقد كنا نظن وقت قراءتنا للمناهج المدرسية أن الجيوش السبعة تتفوق تفوقا عدديا كاسحا على تلك العصابات، وأن الأسلحة الفاسدة هي السبب في خذلان الجيوش وليس الأنظمة الفاسدة. والواقع أن التأمل في كتب التاريخ بعيدا عن العواطف يؤكد أن رواية والدي أكثر دقة من المناهج الدراسية، عندما يقول أن عدد أفراد الجيوش العربية التي توجهت إلى أرض المعركة مجتمعة، قد لا يتجاوز سبعة آلاف جندي في حين أن عدد المقاتلين في الجانب الآخر من أفراد العصابات يزيد على سبعين ألفا، الأمر الذي ألحق بالعرب تلك الهزيمة المدمرة، التي نسميها بالنكبة.

وبعد ستين عاما على النكبة يجري حاليا، قتال في بقعة صغيرة اسمها غزة، تلقي فيها الطائرات الإسرائيلية حمولاتها على أطفال ونساء ومدنيين عزل، في حين أن الطائرات المصرية مكبلة بمعاهدة كامب ديفيد، والطائرات اليمنية مازالت منهكة من إلقاء حمولاتها على صعدة، وتتهيأ لقصف المتمردين في محافظة أبين الجنوبية. أما الطائرات السعودية فإنها تحولت إلى هلال أحمر لمداواة الجرحي، في حين أن اسطول الأمير الوليد بن طلال من الطائرات الخاصة يكفي لأداء المهمة وترك الأسطول العسكري لمهام أخرى. وهناك أيضا اسطول المقاتلات السورية الذي ينتظر تحقيق التوازن الاستراتيجي قبل الإقلاع، وهناك آلاف الصواريخ اللبنانية التي تصل إلى ما بعد بعد حيفا، ولم تحرك ساكنا أمام مأساة أبناء غزة من أهل السنة والجماعة.

 أما الجيش العربي الأردني، فهو يعتبر الضفة الغربية ساحته وليس قطاع غزة. وهناك أسطول الطائرات العراقية التي فرت إلى إيران أثناء حرب تحرير الكويت في عهد فارس العرب المغوار قبل أن تتسع حفرة صغيرة لبطولاته الوهمية وأحلامه الجنونية.

وإذا كان جيش القدس المؤلف من سبعة ملايين من فدائيي صدام، ووحدات الحرس الجمهوري التي فتكت بالعراقيين، لم تدافع عن بغداد قبل السقوط، فكيف لها أن تدافع عن أطفال غزة بعد زوال القائد الضرورة. وبالمثل، إذا كانت الفرقة الأولى مدرع، والبحرية اليمنية عجزت عن الدفاع عن جزيرة حنيش أمام فرقة أريترية صغيرة، فكيف يمكن أن نتوقع أن يساهم الحرس الجمهوري اليمني في تخفيف الضغط عن غزة. وهل يمكن للفرقة الأولى مدرع أن تترك صعدة وتتوجه للدفاع عن غزة؟! أو لقوات مكافحة الإرهاب الخاصة أن تنزل بالمظلات في القطاع لمكافحة الإرهاب الصهيوني، بدلا من التعدي على قبائل مأرب الضاربة جذورها في تاريخ مملكة سبأ، قبل أن يولد حاشد وبكيل بمئات السنين.

طبعا هذا الكلام غير منطقي، ليس لأنه غير قابل للتحقيق من الناحية العسكرية البحتة، ولكن لأن من يقوله، هو عميل أمريكي، حسب توصيف السراج اليماني، بغض النظر عن الحقيقة التى لا يراها هذا السراج السلفي، وهي أن القادة العرب أصبحت عمالتهم تكفي وتفيض عن الحاجة، ومع ذلك نراه وغيره لا يترددون في إسماعنا فتاواهم المقززة بأن طاعة الخونة والعملاء من طاعة الله.

إن الخلل القائم في توازن القوى حاليا بين الجيوش العربية والجيش الإسرائيلي يثير الدهشة لأن عدد العرب يزيد عن ثلاثمائة مليون نسمة في حين أن عدد الإسرائيليين في العالم كله يقل عن 4% من هذا العدد، وبالتالي فلا بد لنا أن نتسائل أين الجيوش العربية؟! هل تحولت إلى حراسات خاصة؟! الإجابة نعم لم يعد لدى العرب جيوشا، بل فرقا من الحراسات والحمايات للأنظمة الفاسدة.

انظروا إلى الجيش المصري، ودعونا نتساءل كيف تمكن هذا الجيش العظيم من عبور قناة السويس وتحطيم خط بارليف وفرض السلام على إسرائيل في عهد السادات، ولماذا تحول إلى جيش عاجز في عهد مبارك؟

السبب واضح للعيان وهو أن السادات، أحببناه أم كرهناه، لم يكن يسعى لتوريث مصر لأحد من أبنائه، كي يعمل جاهدا على تفكيك الجيش المصري وإضعاف المؤسسة العسكرية وإحالة النابغين من ضباط القوات المسلحة إلى التقاعد المبكر تحسبا من أن يشكلوا خطرا على مشروع التوريث.

 وما يجري في قاهرة المعز ينطبق على ما يجري في صنعاء، فانظروا إلى الحرس الجمهوري اليمني، على سبيل المثال، إنه لا يرابط على حدود اليمن ، بل يرابط على حدود أمانة العاصمة في الصباحة، وسواد حزيز، لحماية بيضة الحكم من اليمنيين، وليس لحراسة اليمن من عدو خارجي، أو المشاركة في معركة الدفاع عن أطفال غزة. كما أن ضباط الحرس الكبار، لا يهمهم الدفاع عن الإنسان العربي أو حماية الأرض اليمنية بل يهمهم البسط على قطعة من أرض اليمن هنا وقطعة منها هناك، و إنشاء نقاط عسكرية بين المدن لإرهاب المواطنين اليمنيين، وإيهامم بأن هناك جيش يمكن أن يقاتلهم لو تعرضوا للحكم، رغم أن أفراد الحرس الأبطال يعانون من تعنت واستبداد قادتهم أكثر مما يعانيه المواطن المدني.

ولن أطيل حول هذا الأمر لأن الزميل الصحفي رداد السلامي كتب عن توريث الجمهورية للأبناء، ما عجز عن التطرق إليه كبار قادة المعارضة، وأفاض بما فيه الكفاية.

ومجمل القول هو أن القادة العرب يستندون حاليا إلى مؤسسات أمنية قمعية بديلة للمؤسسة العسكرية الوطنية التي جاؤوا إلى الحكم عن طريقها. كما يستندون إلى جيوش من الحراسات الخاصة. أما فلسطين فلم تعد في نظرهم سوى برنامج تلفزيوني يتسلون به، أوجمعيات خيرية للمزايدة بها على إخوة لهم يتعرضون لقتل وحشي بأعتى أنواع الأسلحة.

إن الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة، لا يواجه الجيش الإسرائيلي فحسب، بل يواجه أعداء أكثر خطورة، هم القادة العرب الذين لا يخجلون من العمالة للاستعمار الجديد، علاوة على إخوان لهم من أبناء جلدتهم وهم الفلسطينيون المقيمون في غرف مكيفة بدول الخليج الذين مابرحوا يحثون أبناء غزة على إلقاء أنفسهم إلى التهلكة، في حين لو طلبنا من أي فرد من فلسطينيي الخليج التبرع بنصف أو ثلث راتبه الكبير لأبناء غزة لتعلل بكل الموانع، فما بالنا ببقية العرب!

لقد تحولت مأساة الفلسطينيين إلى قضية للمتاجرة بها، من قبل القيادات الفلسطينية الفاسدة، ومن قبل الأنظمة العربية الأكثر فسادا، ولكن ما يجري في غزة، لم يعري القادة العرب فقط بل عرى أيضا أخوانهم الفرس الذين يريدون أن يعبروا فوق جثث سكان غزة من أجل تحسين موقعهم التفاوضي مع واشنطن، مهما قالوا ومهما زايدوا عبر قناتي العالم والمنار، فلا أحد يكترث لما يحدث للأبرياء العزل سوى الأبرياء والعزل.

ملحوظة:

كان هناك زعيم عربي يزايد على زملائه من القادة العرب بشأن رفع الحصار عن أطفال العراق طوال عقد التسعينات، وعندما تعرضت المدمرة الأميركية يو إس إس كول، لهجوم إرهابي، أتضح من التحقيقات أن المدمرة كانت تتزود بالقود في المياه التابعة لهذا الزعيم ، من أجل التوجه إلى الخليج لتشديد الحصار على أطفال العراق.

ونظرا لأن قانون الصحافة لا يسمح بكشف اسم هذا الزعيم فسوف نترك الأمر لتخمين القراء الكرام.

 ويمكن القول إن الموقف الحقيقي من مأساة الفلسطينيين والعراقيين موقف ملموس بوضوح في رسوم الإقامة المفروضة على أبناء فلسطين والعراق من اللاجئين في اليمن.

 فلو طلب لاجئ فلسطيني أو عراقي اعفائه من رسوم الإقامة الباهظة أو نفقات تدريس أبنائه في مدارس عامة مهترئة لقال أهل الفيد والجباية من حكام وطن العروبة الأول، إن ذلك انتهاك صارخ، لحقوق الخزينة العامة المنتهكة من قبلهم كل يوم. ولذلك فإن على كل زعيم عربي أن يتوقف عن محاولات تجميل صوره أمام الأمة، لأن الخلل هو في الأصل وليس في الصورة.