عيدية خاصة لتنظيم القاعدة: عليكم. ..!!
بقلم/ محمد العبسي
نشر منذ: 12 سنة و أسبوعين
الخميس 25 أكتوبر-تشرين الأول 2012 05:15 م

أشعر بالخزي لكوني يمني. هذا ليس بلداً إنه مجرد خريطة. وكلمة شعب تطلق على اليمنيين على سبيل المجاز والمزاح الثقيل. سنة كاملة ومُعلمة اللغات السويسرية "سلفيا إبراهرت" مختطفة ومختفية في جبال شبوة ولا يبدو أن أحداً مكترث بوضعها الإنساني وانطباعها وأسرتها المفجوعة عن اليمن: لا شباب الثورة ولا شبيبة النظام السابق. لا منظرو الدولة المدنية ولا المبشرون بدولة الخلفاء أو دولة القرآن الكريم. لا منظمات المجتمع المدني التي حولت العمل الحقوقي إلى دفتر شيكات و"لقاط زلط"،، ولا حتى رجال القبيلة الذين كانوا قديماً مضرب المثل في نصرة المظلوم وإكرام الضيف وحسن وفادته. إنهم يتسابقون اليوم على مرتبات اللجنة الخاصة وامتيازات العمالة.

لا أحد لديه ذرة إنسانية أو نفْساً لوامة: لا الرئيس هادي ولا مجلس النواب ولا حكومة الوفاق ولا أحزاب اللقاء المشترك التي أصدرت بياناً وقحاً يدين أي نقد إعلامي لرئيس الحكومة! لا شيء في اليمن لوجه الله ولا نصير لمن لا يسنده مركز قوى محلي أو خارجي. إنه بلد كرتوني فلا النخبة نزيهة ولا المجتمع رقيب. أما الرأي العام فمع من يدفع أكثر. إنه يعرض خدماته على الأشرار فقط: الرئيس السابق وعائلاته وأنصاره، أو على شركاءه الذين قفزوا إلى السفينة الناجية: أبناء الشيخ الأحمر واللواء المنشق علي محسن الأحمر.

لا أحد معني لا الأشرار ولا الطيبين في البلد. لا الذين يدعون كل يومين إلى مسيرة أو وقفة احتجاجية ولا الذين يقمعونها. لا الإعلام الموجه ولا المستقل. لا اللجنة التنظيمية لوأد الثورة ولا صفحات فيسبوك ولا منسقيات ومجالس الثورة الشبابية على كثرتها. الناس يلهثون وراء لقمة عيشهم ولا تحسن النخب السياسية في اليمن شيئاً مثل الاصطفاف حول مراكز القوى أو تسريب المعلومات، وربما تشويشها، على المبعوث الأممي جمال بن عمر وسفراء الدول الراعية للمبادرة الخليجية!

ليس الجنود الأتراك من ينبغي أن يقام لهم نصب تذكاري في اليمن وإنما هذه المرأة وأمثالها من جرى اختطافهم في بلادنا وهم كثر!

جاءت "سلفيا إبراهرت" إلى اليمن تحمل قلباً طيباً وروحاً متفائلة كل غايتها مساعدة اليمنيين ونقل خبراتها التدريبية لهم عبر مركز التعليم الدولي لتدريس اللغات في مدينة الحديدة. غير إن سلفيا ستغادر اليمن، على الأرجح وفي حال سمح لها الأنذال بالعودة إلى مواطنها سويسرا، إنسانة أخرى: مُعقدة أو ربما في أحسن الأحوال خاملة ترتدي حجاباً تداوي به جراحها وذكرياتها الأليمة. جاءت من أجل مساعدة اليمنيين كمعلمة وخبيرة تدريب وانتهت ورقة ابتزاز في أيدي خاطفين أنذال!

شعب دائخ على الدوام.

أين ذهبت نخوة الرجال وشهامة القبائل؟

أين ذهبت معتقدات من يسمون أنفسهم مجاهدين في سبيل الله؟

ياللانحطاط. حتى تنظيم القاعدة في اليمن مرتزقة وبلا أخلاق. كل شيء في هذا البلد معطوب. ليس الساسة والمشايخ وكبار القادة العسكريين وحدهم من يعتاشون بالأزمات ومعاناة الناس. وبخلاف الصورة الشائعة عن أعضاء القاعدة يبدو تنظيم القاعدة فرع اليمن أقرب إلى منظمة إجرامية ربحية شبيهة بعائلات المافيا الخمس التي سيطرت لعقود على سوق القمار في الولايات المتحدة الأمريكية.

هؤلاء ليسوا حتى كجهادي الجيل الأول من القاعدة الذين تحركهم العقيدة وليس المال والدفاع عن النفس وليس الرغبة في الانتقام والقتل من أجل القتل. إنهم باختصار مجموعة من الخاطفين والمبتزين، رخيصي الثمن، الذين يساومون على لُعاعة دولارات مقابل إطلاق سراح امرأة مكسورة الخاطر وغريبة عن أهلها ووطنها. هؤلاء ليسوا بشراً ولا حتى "قاعدة" بمعايير تنظيم القاعدة نفسه. كان أسامة بن لادن، مؤسس التنظيم والقدوة العليا للمتطرفين العرب، ينفق ثرواته الشخصية على الناس في سبيل قناعاته وما يؤمن به بينما قاعدة اليوم مثل رجال المافيا: آخر مبلغ عرض كفدية للخبيرة السويسرية 3 مليون دولار فرفضوا طالبين خمسة ملايين دولار.

ويذكر روبرت فيسك، وهو أول صحفي غربي يجري مقابلة مع زعيم القاعدة، كيف سخر بن لادن أمواله ومعدات شركته لخدمة السودانيين والأفعان في شق الجبال وتعبيد الطرقات التي عجزت عن شقها دولهم ذاتها. قاعدة اليمن مضاربي بورصة!

أذكر كيف تأثرت وحزنت كثيراً لدى سماعي تسجيلاً صوتياً بعنوان "ودون العرض شهادة" للقيادي في التنظيم قاسم الريمي المعروف بأبي هريرة الصنعاني. كان الألم والصدق باديان بصوت الريمي في تسجيله الموجه للأسرة المالكة السعودية -وإلى علماء المملكة أيضاً- على إثر اعتقال زوجات وقريبات المعتقلين بتهمة الانتماء لتنظيم القاعدة اللواتي تم استدراجهن إلى مبنى وزارة الداخلية ونقلن إلى سجن حائل. ونقلت بعض وسائل المرئي وقتها مشهداً مؤثراً لامرأة تبكي أخاً لها في السجون دون العاشرة وأخرى حاولت -عندما هم رجال الأمن السعودي باعتقالها- التشبث بعمود إنارة سُحبت منه بطريقة مهينة وموجعة.

أفكر الآن ما إن كان قاسم الريمي يشعر بالعار والخزي وهو الذي عيّر الحكومة السعودية وعاب عليها اعتقال مواطنات سعوديات مع أنها تمثل الدولة بينما لا أنت الدولة ولا قضية لديك وتعفي نفسك وجماعتك من الشعور بالخجل بينما أنت تقايض بالمال على حرية امرأة ضعيفة لا ناقة لها ولا جمل في معارككم مع الشيطان!

حسب علمي فقد عرض وسطاء محليون ومشائخ جنوبيون على قيادة تنظيم القاعدة فدية مالية كبيرة جدا مقابل إطلاق سراح القنصل السعودي المختطف فقوبلت العروض المغرية جدا بالرفض. اشترط التنظيم إطلاق سراح جميع المعتقلات السعوديات من زوجات وأقارب أعضاء التنظيم وإرسالهن إلى أبين قبل سقوطها. وهو المطلب الذي رفضت الحكومة السعودية بالجملة وعرضت بدلاً عن ذلك إطلاق سراحهن شريطة التزامهن بيوتهن باستثناء معتقلين: وفاء زوجة سعيد الشهري الرجل الثاني بالتنظيم وأخرى تدعى رملة خاصة مع ما أظهرتها من مواهب وقدرة عالية على التجنيد.

تناقض أخلاقي مريع: إن من رفضوا مقايضة القنصل السعودي بالمال مقابل إسقاط مطلبهم الجوهري المتمثل بإطلاق سراح "اخواتنا الحرائر العفيفات في نجد والحجاز" حسب تعبير قاسم الريمي هم نفسهم من يبيعون ويشترون بالدولار الأمريكي -مثل أي نخاس رخيص بلا مبادئ ولا أخلاق- عند طرح مسألة المختطفة السويسرية.

اليوم يوم عرفة وهو حسب حديث النبي الكريم "خير يوم طلعت عليه الشمس" وغداً أول أيام عيد الأضحى الذي سيحتفل به اليمنيون والعالم الإسلامي أجمع بينما امرأة أجنبية مخفية في جبال شبوة وفي حال لا يعلم بها الله. في هذا اليوم المقدس أقول لكم لعنة الله عليكم!