هي بين عالمين؟!
بقلم/ عاد نعمان
نشر منذ: 13 سنة و شهر و 19 يوماً
الجمعة 30 سبتمبر-أيلول 2011 11:03 ص

مقتطفات من مقدمة بحث عن حقوق وحريات الإناث في عوالم النباتات والحشرات والحيوانات والإنسان..مقارنة

هاااااااااههـ ... إيااااااااااههـ ... هاااااهوووووها..هاااااههـ

تتـ تتـ تتـ ترررااا ،،، You are the winner (أنت الرابح)

وهكذا تغلبت مقاتلة النينجا على الأعداء، كيف انتصرت؟ قفزت من فوق البوابة الكبرى، اجتازت الغابة المكتظة بالوحوش بعد أن قتلتها جميعًا، سبحت في نهر من نار، تسلقت الجبل الجليدي، قطعت الصحراء ذات الرمال المتحركة، حتى وصلت إلى القصر المظلم الناطح للسحاب، وهناك خاضت ضد التنين ذو الرأسين معركة حامية الوطيس، بركلة من قدمها أسقطته أرضًا وبضربة من مرفقها أفقدته الوعي وبطعنة من سيفها البتار الذي يلمع طرفه من شدة حدته أعلنت نهاية ذلك الشرير.

أدخل الطفل يده في جيبه وأخرج قطع نقدية وناولها لمدير محل الألعاب الإلكترونية ليحصل على لعبة مرة أخرى، ولكنه من الآن وصاعدًا لن يختار من قائمة الأبطال غير مقاتلة النينجا التي تلف شعر رأسها وتلبس الرداء الأحمر الذي كتب عليه بالأصفر (قاهرة الوحوش)، وسيختار الطفل وحش آخر حتى تهزمه مقاتلته المغوارة، بطلته الباسلة التي تشبه كثيرًا الممثلة نجلاء فتحي في فيلم(المرأة الحديدية) – الزوجة التي تتقن فن الكاراتيه وسعت عبره لتنتقم من قتلة زوجها حتى تم القبض عليها في محاولتها لقتل آخر الأوغاد.

ذلك المسلسل الكرتوني (أوسكار) من الصعب أن يُمحى من ذاكرتنا، تابعه الكثير من الأطفال والشباب، استرجعت طريقة بطلته الليدي (أوسكار فرانسوا) بإشهار سيفها في وجه العدو وهي تصرخ (هااااااااااههـ)، كان جميع الفرسان يهابون مواجهة قائدة الحرس الخاص (أوسكار) في مبارزة سيوف، ومن أجل ذلك عاشت وتصرفت كرجل ونسيت حياتها كامرأة. جاء في بالي سؤال وأنا أتابع إحدى الحلقات، أكانت المجاهدات في سبيل الله ونصر الحق وإعلاء كلمة الشرف في عهد الرسول محمد (ص) يطلقن تلك الأصوات التي تعبر عن مدى الاستماتة في البقاء على قيد الحياة أثناء مشاركتهن في المعارك؟ أم أن فتوى بعض رجال الدين في البلاد الإسلامية بأن (صوت المرأة عورة) قد تناقلت منذ تلك الأيام إلى يومنا هذا - على حسب زعمهم - ؟ أمعقول أن إحداهن كانت تشهر سيفها دون أن تصيح (هااااااااااع)؟ أيمكن أنها تجاوزت برشاقة محاولة أحد الأعداء بأن يطعنها، دون مباغتته بطعنة مردودة مصحوبة بصوت (إياااااااااع).. وجملة (خذ يا ابن الكلب).

لا أعتقد أن الرسول (ص) كان يخبرهن سابقًا وقبل بدء المعركة بأن يكتمن أصواتهن ولا يطلقنها لأن أصواتهن عورة متناسيًا أن (الهنجمة نصف القتال)، على الرغم من أن أصواتهن ستكون حينها في أوج قوتها ولا مجال للمياعة، كطالبات الجامعة اللاتي يصمتن موبايلاتهن قبل دخول قاعات المحاضرات، فالرسول(ص) على قدر كبير من الذكاء حتى لا يغفل عن رفع الروح المعنوية لهن، فالنصر يلوح في الأفق وقريب جدًا، والوقت ليس لرصد ما هو حلال أو حرام، أو إخراج فتوى جديدة، وفي الخط الموازي لأخواتهن المشاركات في المعركة، كثيرات يطببن الجرحى ويقدمن الأكل والشرب للمجاهدين، ومن غير المنطقي أن يحصل كل ذلك دون إصدار أصوات رقيقة من قبلهن. غفل المفتيين عن قصة خولة بن ثعلبه التي جاءت إلى الرسول (ص) تشكي زوجها، فنزلت الآية (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ)، السيدة لم تهمس في أذن الرسول (ص) الذي قابلها مباشرة بل جادلته، بما يعني أن صوتها كان مسموعًا.

هي الآلية التي اختلفت كثيرًا مع تطور تكنولوجيا المعلومات ومتطلبات الحياة منذ عهد الرسول (ص) حتى الآن، ففي المعارك مع الرسول (ص) قد ركبن الخيول، وفي السعودية تطالب بعض النساء منذ فترة ليست ببعيدة أن يقدن السيارات، وتبقى المملكة الدولة الوحيدة في العالم حيث تمنع النساء من قيادة السيارات، بينما مُنح لنساء من الشقيقات الخليجيات هذا الحق، وقيادة سيارات الأجرة لإيجاد مصدر دخل حلال يساعد في توفير لقمة العيش والإنفاق على أسرهن كحد أقصى أو لتوفير وسيلة مواصلات للواتي يرفضن الركوب بمفردهن في سيارة أجرة يقودها رجال كحد أدنى. ربما كان خوف كل خوف بعض رجال الدين وصانعي الفتاوى من أن تذهب النساء السعوديات للمطالبة بحقوقهن في جوانب عديدة إذا ما نلن ما يطالبن به حاليًا.

لست معك يا دارون فيما توصلت إليه بنظريتك (النشوء والارتقاء) التي أثارت حفيظة العالم، وعارضوها بما حملت ووقفوا ضد فكرتها وكفرها بذات رجال الدين، فالإنسان لم يتطور من القرد، ولكن العكس قد حصل إلى حد ما. أرد عليك بهذا النمط من الحياة، ذكور الشمبانزي (نوع من القرود) تفضل الإناث الأكبر سناً عن الأصغر سناً، وهذا ما أكده (مارتن مولر) - عالم الانتربولوجيا من جامعة (بوسطن)، وذلك من خلال مراقبة سلوكيات هذه القرود الكبيرة في غابة (كيبالي) في أوغندا، حيث اتضح أن أنثى الشامبانزي تصل إلى سن البلوغ في عمر 10 سنوات، أما الذكر يبلغ بعدها. بينما نحن ما زلنا نطالب بتحديد سن آمن لزواج الفتيات بـِ 17-18 سنة، حتى نقطع الطريق على أولئك الذين تسول لهم أنفسهم التحليل والسماح باستباحة أجساد القاصرات/ الصغيرات، والنتيجة مجتمع مليء بمشاكل نفسية وأخلاقية واجتماعية، وكل ما في الأمر هو هاجس البعض بحشر ذكورهم الصغيرة في فتحات ضيقة جدًا تجعل من خاصتهم أكبر حجمًا فتنتشي ذكورتهم. يتفق العلماء بأن القرد هو أقرب مخلوق للإنسان، مؤكدين أن عقول القردة تلعب دورًا مهمًا في اتخاذ القرار فالقرد يعمل عقله كثيرًا قبل أن يختار رفيقته. هنا القرد يبدو أعقل من الإنسان (الحيوان الناطق) ويسبقه.

يعتقد الإنسان عندما يتعلق الأمر بالجنس بأنه الأبرع وسيلة والأوسع خيالا إذا ما تم مقارنته بغيره من الكائنات الحية. ولكن الجنس عنده سيبدو شاحبا إذا ما قارناه بالجنس في عالم الحيوان والكائنات الحية الأخرى، إن الحيوانات تتشارك مع الإنسان وتقاسمه في صفات كثيرة من بينها الشبق الجنسي والحيل للوصول إلى الأنثى التي يريدها، ولكنها تظهر بصور أرقى من خلال طريقة تزاوجها، فهناك من يغري الأنثى برائحته أو بطريقة مشيته أو بعرضه. عندما يريد ذكر طائر البطريق الزواج، فإنه يبحث عن حجر من نوع نادر في الطبيعة، ويلقيه بين يدي الأنثى التي اختارها، فإذا التقطت الحجر كان معنى ذلك أنها قبلت به, وان تركته وذهبت فليس على الذكر إلا أن يحمل الحجر ويذهب بعيدًا مكسور الخاطر ليبحث عن أخرى تقبل به زوجًا لها. حينما يحين موعد التزاوج لدى النحل، تخرج الملكة في زفة مهيبة تطير خلالها في الهواء فيتبعها الذكور في صف طويل، ولأنها أقوى من الجميع تظل تطير بعيدًا عن الأرض، يتعب الذكور ويتساقطون الواحد تلو الآخر من الإعياء، وفي النهاية لا يبقى خلفها غير صفوة الذكور فتسمح لهم بتلقيحها. إن لإناث البطريق والنحل فرص أكثر ومتنوعة لاختيار ذكورهن، تضمن لهن الكرامة ورفع الرأس أفضل بمراحل كبيرة من إناث عالم الإنسان.

بعد أيام طويلة قضاها بعناء وشقاء لبناء بيوت عديدة قد تصل إلى المئات من القش على الأشجار، يأخذ ذكر طائر الطنان الأنثى التي اصطفيته من بين الذكور المتنافسين عليها في رحلة ليُعرفها على عش الزوجية، لتختار من بينها البيت المناسب الذي سيجمعهما، قد لا تستلطفها جميعها ويعود هو للبناء من جديد، حتى يرضيها ببيت يليق بمقامها ومزاجها. بينما تظهر الممثلة هند صبري بشخصية فتاة بسيطة قد أكل الزمن من عمرها الافتراضي النصف وما يزيد، متعجلة ومتلهفة على الزواج في المسلسل الرمضاني (عايزة أتجوز) لتعكس إلى أي مدى قد فتكت العنوسة بالفتيات ليس في مصر فقط وإنما في بلدان عربية أخرى، لتظهر الأنثى ضعيفة ومرحبة بأي مواصفات أمست تحلم بأروعها ليالي طويلة، وأصبحت بكل سهولة تستغني عنها في أقرب فرصة للارتباط عند أدنى حد من الخيارات المجبرة عليها.

في الجُحر انتظرت طويلًا بجوار زوجها الذي أمسى يعاني إصابة فخ صياد، نازع كثيرًا حتى فارق الحياة في صباح اليوم التالي، تألمت وحزنت لموته وبقيت إلى جواره تودعه وتلقي عليه آخر النظرات وبعدها خرجت تبحث عن زوج جديد، إنها الثعلبة (ماري) الذي عكف على دراسة حياتها أحد الباحثين في عالم الحيوان، وفي الأخير توصل إلى أن الثعلب لا يقترن سوى بأنثى واحدة فقط طوال حياته، وإذا ماتت تلك الأنثى ‏فان الذكر يظل عازبًا، أما إذا مات الذكر فإن الأنثى لا تتورع عن ‏الارتباط بذكر جديد. لم تحول دون زواج أنثى الثعلب العادات والتقاليد وضغوطات الأهل، كل أولئك وقفوا أمام كثير من إناث بني الإنسان بعد أن ترملن، لم يبحثن عن فرص زواج جديدة أو حتى فكرن فيه، وبقي عليهن الالتزام بتربية أطفالهن لعل وجود أب آخر قد يؤثر سلبًا على الأطفال، إجبار قاسي نوعي.. تمييزي.. يرمي بكيان الأنثى عرض الحائط ليسقط محطمًا، بينما تتعدد الخيارات والتسهيلات للذكر بأن يرتبط بأسرع ما يكون بأروعهن خصائص بعد وفاة زوجته.

رفضت جميع من تقدم للزواج بها من أفراد القطيع ومن بينهم أبناء أعمامها، بل رفضت حتى محاولة التودد لها، تنقلت بحرية تامة بين القطعان والمجموعات لتختار الذي سترتبط به وستنجب منه أطفالها، ذكر يحاكي خيالها ويطابق كافة الشروط التي تطرحها، ظهر ذلك في شريط الترجمة أسفل الشاشة على إحدى القنوات التي تعني بالحيوان، ربما لم يكن في بال أنثى الضبع أن تمارس الجنس فقط مع أقرب ذكر، وهو ذاته ما كشفته دراسة ألمانية لسلوكيات الضباع على مدى عشر سنوات في مجلة (نيتشر) العلمية، أن إناث الضباع الأفريقية هن صاحبات الكلمة الأخيرة فيمن يصلح لأن يكون أبًا لأبنائهن، (إن عملية التزاوج لا تتم إلا بموافقة أنثى الضبع، فالإناث تختار ذكورهن بدقة شديدة) هذا ما صرح به (أوليفر هونر) - الخبير من معهد (لايبنتس) الألماني لأبحاث الحيوانات البرية. وتعمل إناث القطيع الأصلي بهذا التمييز في اختيار أزواجهن على الحيلولة دون ما يسمى (زواج الأقرباء) الذي عادة ما تنتج عنه ذرية ضعيفة.

وهو الأمر الذي أكده الباحثون كذلك، أن ذكر سمكة (أبو شوكة) تنتج روائح عطرية، تعرف الأنثى عبر جهاز في جسدها أي من الذكور لديه مناعة من الأمراض، ومن ثم فإن سلالتها لها فرصة أفضل في البقاء. بينما ما زال العديد من إناث عالم الإنسان مجبرات على الارتباط بذكور من أقاربهن، على الرغم مما يحمله هذا الزواج من خطورة على الأطفال القادمون منه، رغم كل الدراسات التي بينت العواقب غير الحميدة لهذا الزواج، وتوفر المختبرات حتى البسيط منها بتجهيزاته لفحص الـ DNA لكلا الزوجين، والذي من خلال نتائجه سُيعرف إمكانية الارتباط من عدمه، بما يضمن سلالة قوية خالية من التشوهات والأمراض.

ربما كانت أنثى الضبع تحلم بتكوين أسرة يسودها التناغم والتفاهم، تجمع أفرادها الرحمة والمودة، إلا أن عالم الإنسان اكترث كثيرًا للقول الدارج (جحا أولى بلحم ثوره) ولم يعر أي اهتمام لمشاعر نجوى كرم في مطلع أغنيتها الشهيرة (خيروني ابن العم ... خيروني ابن الخال ... قلت لهم يا أهالي أنا برأسي موال).

تتمتع الأنثى في عالمي الحشرات والحيوانات بحقوق وحريات تفتقدها كثيرًا أغلبية إناث عالم الإنسان، فيهما يرتفع سقف الديمقراطية ليضع الأنثى والذكر بذات المستوى. عندما يحين الترتيب لأوجه الحياة في مادة العلوم المدرسية، تظهر الحشرات في أسفل شجرة الحياة يتبعها إلى أعلى الحيوانات كمرحلة متطورة ومن ثم الإنسان الأكثر تقدمًا في أعلى فرع فلا بعده من مخلوق، وبمشاهدات متكررة لما تبثه قنوات تهتم بعالم الحيوان على مدار 24 ساعة في اليوم، يدفعنا لأن نمسك الشجرة من طرفيها لنقلبها رأسًا على عقب، ليصير الإنسان بأسفل الترتيب. يقول البسطاء أن عالمي الحشرات والحيوانات تحكمهما الشهوات والرغبات دون رادع أو زاجر ولا مكان للعقل، بينما يقول المثقفون بأن الإنسان يملك القدرة على التحكم بها والفصل فيها بالقوانين من أجل تنظيم حياته فيما بني جنسه، وبينه والعوالم الأخرى. ولكن الآية هنا عكست، لتقدم الحشرات والحيوانات في الأمثلة السابقة وأخرى لم تذكر للاختصار حيوات أرقى من حياة الإنسان.

al-meena1920@hotmail.com