من رئيس الجمهورية اليمنية إلى رئيس المؤتمر الشعبي العام..!!
بقلم/ أحمد محمد عبدالغني
نشر منذ: 13 سنة و 10 أشهر و 12 يوماً
الأربعاء 05 يناير-كانون الثاني 2011 05:05 م

عندما يقول أي مسئول في الدولة، أن السلطة أبعد على المعارضة من عين الشمس، فليس لمثل هذا التحدي من تأثير فعلي على أرض الواقع، سوى أنه يأتي من باب تأكيد المؤكد وتبيين المبين وتوضيح صفحة معاصرة من صفحات تاريخ الحكم العربي الشمولي الفردي، المغتصب لعناصر القوة المجتمعية سلفاً، والمتدثر برداء الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة مظهراً وشكلاً، فقد حسم هذا النظام أمره مبكراً من خلال فرض مبدأ التلازم، في أن يكون رئيس الدولة هو رئيس الحزب الحاكم، حيث مثل ذلك ضمانة أساسية ومدخلاً عملياً للوصول إلى مرحلة استكمال احتكار السلطة والثروة، وتجييش كل إمكانيات الدولة لصالح قيادات وأعضاء هذا الحزب، حتى تقوى شوكتهم ويكونوا مميزين على أبناء وطنهم وقادرين على تحقيق طموحاتهم في السيطرة الشاملة الكاملة..

وعلى افتراض أن كثيراً من رؤساء الدول سيحاولون ألاّ يُظهروا تحيزاتهم الشخصية لأحزابهم علناً، فإن ما يتميز به الحزب الحاكم في بلادنا هو أنه استطاع بذكاء فائق، بناء طوق نفسي حول الرئيس، عَزَله عن الآخرين من جهة وصور له فرقاء الحياة السياسية كأعداء، ودخل في صف الأعداء كل من يعارض السياسات الخاطئة أو ينتقد الممارسات غير السوية..

وفي سياق التعبئة النفسية المتواصلة تحول خطاب الرئيس من خطاب جامع لكل اليمنيين إلى خطاب متحيز يتعامل مع من هم خارج دائرة المؤتمر الشعبي العام كخصوم.. كما تحول من خطاب يعكس مهام ومسئوليات موقعه كرئيس لكل أبناء الوطن إلى خطاب متمترس خلف تعصب وتطرف مجموعة من الانتهازيين داخل قيادات الحزب الحاكم، والذين أثبتوا في كل المراحل أن همهم الرئيسي هو نفخ كير الفتنة واشعال حرائق الصراعات وخلق جبهات مواجهة مستمرة كوسيلة من وسائل تكريس الفساد ونهب المال العام، وشغل مؤسسات الدولة والمجتمع عن الالتفات إلى جوانب البناء وبرامج التنمية..

والمتتبع لأحاديث ولقاءات وكلمات رئيس الجمهورية في الأسابيع الأخيرة، سيرى طبيعة وحجم وحدود التحيز الذي يمارسه لصالح الحزب الحاكم، على حساب مختلف مكونات المنظومة السياسية وعلى حساب القانون أيضاً..

فمثلاً إذا كان من حق رئيس الجمهورية أن يدشن بنفسه الحملة الانتخابية الرئاسية، باعتبارها تتعلق بموقعه شخصياً، فليس من حقه، بل ولا يليق به أن يتبنى هو تدشين الحملة الانتخابية البرلمانية لحزبه.. لأن من واجبه أن يضع حداً بين مسئولياته كرئيس للبلاد وبين مسئولياته كرئيس للحزب الحاكم.. ثم إن الذين دفعوا الرئيس للإعلان عن تدشين الحملة الانتخابية في هذا التاريخ أوقعوه في خطأ قانوني ما كان ينبغي أن يقع فيه، فالحملة الدعائية لانتخابات 27 إبريل تبدأ قانوناً في شهر مارس، بينما أعلن الرئيس تدشين هذه الحملة قبل ثلاثة أشهر من موعدها، وهو المسئول عن حماية وتطبيق القانون..

وسواءً كان الرئيس يجهل هذه المواعيد وتعمد مستشاروه عدم تنبيهه إلى أهميتها..! أو أن تعصبه لحزبه جعله يتجاوز القانون ولا يُلقي له بالاً..! فإن هذا ليس سوى مثل بسيط، مقارنة بالتحيزات الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى..

 ولذلك أصبح من حق الناس – في كل الأحوال- أن يطالبوا الرئيس بوضع حد فاصل بين مهام موقعه كرئيس للجمهورية اليمنية والتي توجب عليه مسئولية الاهتمام بجميع أبناء الشعب اليمني البالغ عددهم 23 مليون نسمة، وبين مهام موقعه كرئيس للمؤتمر الشعبي العام..

صحيح أن القانون اليمني لا يمنع رئيس الجمهورية أن يكون رئيساً للحزب الحاكم، ولا يحدد ضوابط لمدى وحدود هذه الرئاسة، لكن كل مواطن يمني- بغض النظرعن انتمائه السياسي- ينتظر من رئيس الجمهورية أن يكون حامياً للدستور وملتزماً بتطبيق مواده، المرتكزة على أساس أن (المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة) وأن الدولة تكفل (تكافؤ الفرص لجميع المواطنين، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً).. وما لم يكن الرئيس حريصاً على حماية الدستور ومحققاً لمبدأ العدالة بين جميع المواطنين، فإنه يضع بنفسه الشكوك حول مصداقية ما يرفعه من شعارات..

--------------------