الأوهام والمتاهة لدى السلطة والمعارضة
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 15 سنة و شهرين و يوم واحد
الإثنين 14 سبتمبر-أيلول 2009 11:28 م

تقوم العلاقة بين السلطة والمعارضة على قاعدة :« الاتفاق على الافتراق دون حسم ». فالرئيس في مشروعه لإصلاح النظام السياسي يقترح على المعارضة التفاهم حول مشروع نظام رئاسي كامل، وكانت سبقته المعارضة إلى تحديد مطلب تغيير النظام السياسي إلى نظام برلماني كامل، وقد عززت المعارضة هذه الرؤية في مشروع الإنقاذ الوطني، فأجاب الحزب الحكم بأن هذا شأن المعارضة ولا يخص المؤتمر الشعبي العام. ونحن بدورنا نسأل السلطة والمعارضة : إذا كان كل طرف يدعو إلى رؤيته الخاصة بعيدا عن الآخر فلماذا الحوار إذا وعما سيتحاوران ؟ إن الاتفاق على تأجيل الانتخابات كان من اجل انجاز إصلاح قانون الانتخابات وإجراء تعديل دستوري فمتى سيتم انجاز المتفق عليه ؟ إننا في هذا الصدد نتحدث عن قضايا وطن يمسك بها أطراف النظام السياسي في السلطة والمعارضة تصدق عليهما المقولة الشعبية « عمياء تخضب مجنونة». الموطن اليمني يطالب السلطة والمعارضة بسرعة الجلوس إلى طاولة الحوار وطرح كل التفاصيل من اجل الاختلاف والاتفاق قبل أوان ابريل 2011م . وتجاوز « خطاب الأوهام» وتجنب «طرق المتاهة».

أولا : خطاب الأوهام

إننا بكل أسى نلمس من الطرفين تصدير خطاب الأوهام وهو الخطاب الذي يبنى على :

1 -التقية السياسية (=الكذب والنفاق). تستبطن هذه التقية محاولة إخفاء كل طرف أهدافه الحقيقة عن الآخر حتى ساعة الصفر ، وهي الساعة التي سيذهب كل منهما في خياراته منفردا ، خيارات السلطة نحو الانتخابات وفق الصيغة التي تريدها ، وخيارات المعارضة نحو الشارع والعصيان المدني. وقمة الأوهام أنهما اتفقا على إطالة أمد النزاع وترحيل المشاكل وتأجيلها عامين ليس بغرض حلها ولكن بغرض الاستفادة من الوقت لترتيب كل طرف ما يناسبه لتنفيذ خطته، فتمديد الوقت يمنح السلطة عمرا مجانيا إضافيا كان قد نفد، وتستثمره المعارضة بترتيب وضعها الاجتماعي والسياسي وتوسيع الهوة بين الشارع والسلطة وترك السلطة وحيدة تواجه مشاكل متراكمة تثقل كاهلها سواء الجنوب أو صعدة أو القاعدة أو الأزمة الاقتصادية بكل تداعياتها. والاستمرار في هذه التقية لا يخلو من استبطان المكر والخديعة.

2 -المكيدة (= الخديعة) : خديعة بعضهما من جهة و خديعة الشارع من جهة أخرى، الخديعة بينهما على أساس غياب الجدية لدى كل طرف واعتماد المناورة السياسية فقط ، وتنويم الشارع وتخويفه وإفزاعه ليتقبل في نهاية المطاف ما يتفق عليه المتصارعان أو يذهبان إليه وفقا لمصالحهما فحسب . وفي سياق الأهداف المضمرة نجد أن الرئيس يضع المعارضة في طريق متاهة تؤدي إلى تعزيز حكمه عبر الانتخابات وفق أي صيغة وإخراجها من البرلمان القادم عقابا لها واستبدالها بأحزاب أخرى حليفة له حتى لو لم يكن لها صوت شعبي واحد، وفي المقابل لقد وضعت أحزاب اللقاء المشترك الرئيس الصالح في خطوط متاهة كل مخارجها تؤدي إلى نهاية حكمه عاجلا أم آجلا ، وكلا المتاهتين – بكل أسى – تضع الوطن في خط السقوط بسقوطهما معا أو أحدهما .

فليس بوسع السلطة أن تتخلص من تكتل المعارضة في وضع ملتهب ليست حرب صعدة وحراك الجنوب وسوء الإدارة وفشل السلطة في كل سياساتها إلا ما ظهر منها عيانا وما خفي قد يكون أعظم. وكان المشترك سيبدو عاجزا عن تحيق أهدافه السياسية في منافحة الرئيس وحزبه الحاكم لو حققت السلطة منجزات حقيقية ومصالح اجتماعية ترضي المجتمع، كان بوسعه أن يستقر في الحكم إلى ما شاء الله ، الناس اليوم يضيقون ذرعا من انطفاءات الكهرباء وانعدام الماء من المدن الكبرى وهي خدمات ضرورية موجعة للناس بشكل يومي فضلا عن مشاكل أخرى أكثر تعقيدا.

3 -تغليب المصالح الشخصية والحزبية الضيقة:هنا يثبت أن الشعب خارج نطاق اهتمام الطرفين، وما يقع في دائرة الاهتمام هو « السلطة والمصالح وحشد الأنصار» مع أن الشعب هو ليس حكرا للسلطة ولا للمعارضة، لأننا نعيش في مجتمع لا يكتسب شروطا موضوعية لتوطين السلوك الديمقراطي والخيارات الليبرالية. ولم يعد دور المشترك في ظل فترة التمديد سوى النفخ والتشفي بالسلطة وإذكاء التمرد وهتك الاحترام السياسي بمزيد من السخرية السياسية على الرئيس وحزبه وسلطته وقد نجحوا في تحويل كراهية السلطة إلى عقيدة سياسية تتوسع دائرتها بسبب فشل إدارتها للدولة وصناعة القرار . واليوم تبدو أحزاب المشترك غير متحمسة للمضي قدما في توافق سياسي مع السلطة لإجراء انتخابات بالطريقة المعتادة للحزب الحاكم ليمنحه مجانا تجديد الشرعية، وعدم هذا التحمس مرده إلى تحقيق أهداف تضعف السلطة من خلال توسيع دائرة التذمر الاجتماعي الداخلي لتآكل ما تبقى من شعبية مرتبطة بالوظيفة العامة المدنية والعسكرية .

ثانيا: نتائج الأوهام :ضمور المنجزات الوطنية(الديمقراطية والوحدة والثورة):

1 -فالديمقراطية لم تعد قائمة مع بقاء شخوص السلطة في الحكم دون تغيير وظهور إرهاصات التوريث ، وانتهت الديمقراطية عندما تكسرت موازين القوى عام 1994 تحت شعار الوحدة أو الموت، وعندما زورنا الانتخابات ودخل الأموات والأطفال والعسكر مشاركين في التصويت وإعادة إنتاج الحزب المهيمن.

2 -والوحدة صارت تتهددها دعوات الانفصال والتشظي الاجتماعي والمواجهة العنيفة بين السلطة والمجتمع، ويلوح في الأفق تلاشي الوحدة بمطالبة الجنوب بفك الارتباط وبسعي صعدة إلى الخروج من الدولة نحو الاستقلال المذهبي والسياسي وان تجنبوا الإعلان عن ذلك ضمن مطالبهم.

3 -والثورة لم تعد حاضرة سوى كونها حدثا تاريخيا دون أثر، فالثورة تسقط بكل أهدافها عندما يلوح في الأفق العودة إلى سلطة وراثية عبر أدوات ديمقراطية، لقد كانت هذه الحمولات السياسية من المحرمات المطلقة لدى اليمنيين لكنها أصبحت محلا للتداول منذ أن تجرأ الحاكم على مصادرة سلطة الشعب إلى الفرد والعائلة .وإذا أصبحت الديمقراطية والوحدة والثورة محل نزاع فإن تشظي الوطن يغدو بديلا على شكل مواجهات مجتمعية من علاماتها حراك الجنوب وحرب صعدة وتكتل القاعدة وتهميش الأحزاب والمجتمع المدني.

الصيرورة الحتمية : تتأرجح بين مآلات حتمية ممكنة لبقاء الجميع في بورصة السياسة والسلطة (نموذج لبنان) أو مآلات تدميرية لهدم البيت على من فيها (نموذج الصومال) وفقا للخيارات المتاحة لكلا المتصارعين:

-خيارات السلطة هي أن تتنازل من عليائها لتسعى جاهدة لترضي من تحكمهم هذه هي شرعية العقد الاجتماعي للحفاظ على الوطن من التشظي. وإذا استمرت في الاستفراد والتسلط فلترينا قدرتها العبثية في حل المشاكل المشار إليها . إن إخواننا في الجنوب هم مواطنون وان أعلنوا الانفصال ، وان إخواننا في صعدة أكانوا متمردين أو مجرمين أو شيعة اثنا عشرية أو كفروا بالله وخرجوا من الإسلام وأصبحوا يهودا أو مسيحيين أو قـردة ملاعين فهم في كل الحالات مواطنون وان رفعوا السلاح وقاتلوا ، وبالتالي فان حل هذه القضايا يتم بالتراضي لا بالحسم العسكري والقوة. إن القوة العسكرية وظيفتها حماية الوطن من الخارج ، بينما تقوم وظيفة السلطة القضائية والأمن على حماية الوطن من فتن الداخل، إن اجتثاث الحوثيين من صعدة كما ورد في خطاب الرئيس لن يتم حتى لو رمينا عليهم قنبلة نووية . إنه خطاب الوهم. إن السلطة بحربها السادسة على صعدة لا تخبرنا عن الموازنة الحقيقية اليومية المهدورة على الحرب أو الكلفة الإجمالية المرصودة لاستمرارها بغرض الحسم المفقود. ومن أين تمولها ؟ ولماذا تمول حروبا متتالية ولا تصرف فوارق رواتب موظفيها منذ العام 2006 ولا تحرك الأجور وفقا للقانون الذي أصدرته ؟ ولماذا لا ترفع الضمان الاجتماعي إلى مقدار كاف يخولها بموجب ذلك منع التسول داخل الوطن وخارجه.

-خيارات المعارضة في رؤية الإنقاذ لم نجد سوى مشروع تعديل دستوري يصعب تحقيقه وما سبقه من مقدمات في طي الوثيقة ليس سوى مجمل الخطاب المطلبي والاعتراضي منذ 2006 على السلطة ، ولم نجد أي برنامج عملي لتنفيذ هذا المشروع. ولا تزال المعارضة تنظر لنفسها بأنها منتوج الرئيس الصالح ، لأنها تدعوه إلى تهيئة المناخات وتتهم سلطته أنها لا تريد تهيئة المناخات بل أنها تحكم وفق مصالحها. إن غموض برنامج المعارضة في تحقيق المطالب والرؤية الإنقاذية جعلها تراوح خطابها الواهم بين الترهيب والترغيب والإرباك لعلها تصل مع الحاكم إلى صفقة يرفع من سلم مصالحها ويحافظ على حكمه في آن. هذا ما تقوله الوثيقة وضوحا لا إيحاء.

البعض يتساءل عما إذا أضمر الرئيس الصالح في نفسه اعتقال قادة المعارضة ، ماذا بوسعها أن تعمل ؟ إن الرهان على تدخل الخارج أو دعم القبيلة هو رهان خاسر لأن الإصلاح السياسي لا ينبغي أن يتم فيه الدخول إلى الدولة من بوابة القبيلة لنعود إلى نقطة الصفر، إن الدولة الحديثة ينبغي أن تقوم على أساس المجتمع المدني، فهل في اليمن مجتمع مدني فاعل وقوي يستطيع إزاحة السلطة ؟ أم أننا أمام نخبة فاعلة بلاجمهور مدني ؟

إن تحريك الشارع بحاجة إلى قوة اجتماعية واعية لها هدف محدد وواضح وعازمة على تحقيقه ، والناس في اليمن ليسو بهذا الوعي ، وهذا الغموض في برنامج المعارضة العملي لإنقاذ الوطن سقط من مشروع الوثيقة التي قدمت نقدا سمعناه في خطاب المعارضة السياسي واكتفى بمشروع التعديل الدستوري الطموح ولا ندري بأي كيفية سيتم تحقيقه ؟.

أخيرا : متاهات ومحاذير سياسية

الديمقراطية في نظر السلطة أن تبقى هي الحاكمة للبلاد ، ولا يعني حكم الشعب في نظرها سوى بقاء السلطة بيد من هم في السلطة . ونحن نتساءل : مالفرق في هكذا حال بين البيعة للإمام والانتخابات للسلطة القائمة ؟ فكل منهما يستند على شكل من أشكال الشرعية الصورية (بيعة أو انتخابات).

إن فتح أي خيار آخر للمواجهة مع القوى السياسية هو انتحار العاجز ، وفي السياسة لا يستعمل العنف والحرب في الداخل إلا من سلطة ضعيفة فقدت شرعيتها في الحكم بالاستفراد في القرار هكذا فعل شاه إيران فسقط حكمه. وهذه هي لب المشكلة.

إن إقامة العدل ودولة المؤسسات والاحتكام إلى الشعب بنزاهة وشفافية هي المخارج لكل الأطراف فلا حرب السلطة ضد الخارجين عليها حلا، ولا الخروج على السلطة وتمزيق الوطن حلا، ولا التمترس السياسي لتصفية الحسابات حلا ، مثل إعلان الرئيس أن الإصلاح كان كرتا مرحليا ، فقد جاء الوقت ليجعلوا هم من الرئيس الصالح كرتا مرحليا. كما أن رد الحزب الحاكم على وثيقة الإنقاذ ينبئ بأن كل طرف يعتقد أنه وحده من يملك الصواب المطلق وهي أزمة عقل سياسي خانقة .

من المعلوم أنه ليس عيبا في السياسة الرجوع إلى الشرعية الدستورية وإلى التراضي الاجتماعي ، فحين ضاق الناس ذرعا بتشاوسسكوا قاموا عليه الثورة ، وحين ضاق الصومالييون ذرعا بسياد بري قاموا عليه الثورة وليسوا بنادمين أن يعيشوا الفوضى والاقتتال بدلا من التسلط بالرغم من المآسي التي يعيشونها هكذا قال أحد الصوماليين المشردين والذي استقر به المطاف في استراليا.

تماثل سياسي: إن تقديم المعارضة لنفسها كبديل سياسي لايعني أنها ستكون بديل أفضل للسلطة الحالية - وان كان من حقها الدستوري السعي لذلك - فسلوكها هو نفس سلوك الحزب الحاكم ، وتثقفت سياسيا على يديه، تعالوا نأخذ على سبيل المثال حرية الإعلام فقط ، إن أيا من الصحفيين والكتاب يستطيع نقد الرئيس الصالح في صحف المعارضة فقط لكن أحدا لا يستطيع نقد قيادة المعارضة في صحفها أو صحف حلفائها أيضا، وفي كلا الحالتين لن ينجو كاتب النقد من استبطان العقوبة الضمنية والعلنية من كليهما، وإذا كانت أحزاب المعارضة قد دفعت بالواجهة القبلية لـ/حميد الأحمر بديلا عن أبيه فذلك مساو للسلطة بدفعها لـ/أحمد علي كبديل عن أبيه أيضا. إن أحزاب المعارضة في التشاور الوطني – مادام وطنيا بهذه التسمية – لم تشرك أشخاص كثر من خارج هذه الأحزاب من قيادات اجتماعية وازنة تنتشر في المدن والأرياف جنبا إلى جنب مع معظم القوى السياسية واكتفت بالتمثيل الرمزي.

إن معيار الولاء لدى السلطة كما هو الحال لدى المعارضة هو الحاسم في تصعيد قياداتها، ولم ننـس كيف صعَّـدت الحركة الإسلامية والقبلية في السبعينات عبد الله الحجري على حساب الأستاذ النعمان مؤسس حركة الأحرار ورائد حركة التنوير في اليمن مع ماله من فضل على التغيير السياسي الحاصل برمته منذ مطلع الأربعينات، فالولاء للأيديولوجية والانتماء السياسي والحزبي والقبلي مقدم على الكفاءة مهما بلغ شأنها وهذا ما هو حاصل في الوسط الحزبي في العالم الثالث، وبهذا المعيار السائد لم يكن بمقدور أوباما الفوز بانتخابات البلدية - وليس بالرئاسة الأمريكية لأعظم قوة في العالم.

الفارق الوحيد : أن السلطة قد خضعت للاختبار المتكرر وفشلت على مستوى الانجازات البسيطة (توفير ماء وكهرباء للمواطنين) والمعارضة بشكلها الحالي لا تزال خارج مرحلة الاختبار، فهل تكون صورة مكررة عن السلطة أم بوسعها أن تؤسس لمرحلة جديدة ؟

hodaifah@yahoo.com