ماجد عبدالهادي :الثورة اليمنية مأثرة تاريخية وستسجل كسابقة في تاريخ ثورات العالم
بقلم/ مأرب برس - متابعات
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 8 أيام
الإثنين 27 فبراير-شباط 2012 10:00 م
 
 

من أرض فلسطين الجريحة نسج روحه الإنسانية وصاغ كثيراً من الأحرف المثخنة بالجراح الهابطة من قمة الأنظمة العربية إلى القاعدة الشعبية.

ويُعد ماجد عبد الهادي من أحد أهم كتاب التقارير التلفزيونية في الإعلام العربي لمزجه بين السياسة والأدب ،لدرجة أن المشاهدين يتوقفون عند سماع ماجد لصوته الرخيم وتقاريره الإنسانية .

إلى الآن أعد ماجد عبد الهادي مايقارب من 130 تقرير للثورة السورية فقط غالبيتها إنسانية ،ولأنه كذلك لم تنفك الجماهير السورية التائقة للانعتاق من نظام بشار فقد رفعت لوحات عدة في الساحات تشكر الرجل.

يهتم كثيراً بالجملة الصحفية ،لذا يستخدم الصمت كثيراً عن الرد حتى وإن كان هذا الرد مختزلاً ،عندما سألناه ماذا يعني له الإنسان ،صمت برهة ،ورد :إنسان.

في هذا الحوار تفاجأ بوضع العاصمة صنعاء لرثاثة وضعها وشكلها مع أنها من أقدم مدن التاريخ ،لكن لم يستطع مغادرة عمق إحساسه بأن أجداده جاؤوا من هنا.

حاوره: محمدعبدالله الجرادي وسلمان الحميدي.. الاهالي

* في البداية من هو ماجد عبدالهادي؟

- صعب تحديد الأولويات في الإجابة على هذا السؤال أو تتشابك الأولويات. ومع ذلك يمكنني القول صحفي فلسطيني، مولود عام 1960م، معني بقضية بلادي أولاً ومعني إلى حد كبير بقضايا التحرر في العالم العربي، وفي العالم كله بقضايا الدفاع عن حقوق الإنسان، بقضايا الحريات بكل ما يمس العدالة الاجتماعية والإنسانية.

* لماذا هذا التركيز على العدالة الاجتماعية والتحرر ؟هل أثرت عليك البيئة الفلسطينية؟

- بالتأكيد الإنسان أيا كان هو ابن بيئته، وأنا ابن البيئة الفلسطينية، ابن المخيم الفلسطيني، ولدت في مخيم وعشت سنوات من عمري في مخيم، عايشت النكسات والنكدات والهزائم التي لحقت بالشعب الفلسطيني مثلما عايشت أيضاً كفاح الشعب الفلسطيني في سبيل حريته واستقلال وطنه، وربما بحكم هذه النشأة، بحكم هذه الظروف، أجد نفسي متعاطفا بقرار أو بدون قرار مع كل قضايا الحرية، كل قضايا العدالة الاجتماعية، كل القضايا الإنسانية في العالم.

* ماجد عبدالهادي تحدث عن اليمن قبل أن يراها، الآن كيف ترى اليمن بعد وصولك إليها؟

- نحن نعرف اليمن حتى ونحن بعيد.. نعرفها بالمعنى التاريخي، بالمعني السياسي، بالمعنى الجغرافي، لكن الاحتكاك المباشر أكيد يغيّر في الصورة أو يعدلها، حقيقة -وهذا شيء مؤسف- على الأقل في ما يتعلق بالعاصمة صنعاء كانت لدي صورة بأن المدينة أكثر تطورا أو دعني أقول أقل بؤساً، صدمني في الواقع أن العاصمة اليمنية صنعاء، أن عاصمة هذه البلاد التي تعود في التاريخ آلاف السنين إلى الوراء تعيش تحت وطأة البؤس وفقر واضح.

* كيف تقيم الثورة اليمنية مقارنةً بالثورات العربية كمتابع وإعلامي؟

- أنا واحد من كثيرين كنا من أبناء جيلي العاملين أو المهتمين بالشأن الثقافي والسياسي، كنا وصلنا تقريباً إلى اليأس أو حافة اليأس من إمكانيات التغيير في العالم العربي، كان يُقال حتى قبل سنة إن العرب لا يعرفون الثورات، ولم يسبق للعرب أن ثاروا على طاغية، العرب قد ثاروا حقيقة على القوى الاستعمارية في النصف الأول من القرن الماضي، لكن كان يقال إن العرب لم يسقطوا طاغية قط إلا عبر انقلاب عسكري، لم نعرف في تاريخنا الثورات الشعبية ضد الأنظمة والحكومات، ما حدث في بلدان الربيع العربي حقيقة أعاد الأمل، أعاد التفاؤل إلى نفوس الناس بأن هذه الأمة لم تمت بعد، أن هذه الأمة توشك أن تستيقظ.. ثورات الربيع العربي تعرضت لإجهاض وإحباط وتعرضت لمحاولة سرقة، سواء في اليمن أو في مصر أو في تونس أو حتى في ليبيا، وهذا برأيي يجب أن لا يحبطنا، هذا طبيعي ومن الطبيعي أن تحاول القوى المعادية للثورة القوى المعادية للشعوب أن تسرق هذه الثورات، لكن الصراع لن ينتهي بسقوط الأنظمة، أنا في تقديري أن الصراع سواء في تونس أو في مصر أو ليبيا أو اليمن لن ينتهي الصراع بسقوط مبارك أو اقتلاع علي عبدالله صالح أو مقتل معمر القذافي أو هروب زين العابدين.حتى حين تنتصر الثورة أو تحقق أول أهدافها، هذا لا يعني أن الصراع انتهى، هذه عملية مخاض طويلة ويجب أن لا نُحبط إذا لم تتحقق كل أهداف الثورة في اليوم التالي لسقوط الرئيس أو الطاغية أو الزعيم.. هذه عملية مخاض طويل.. المهم أنها بدأت وقد تستغرق وقتاً قبل أن تصل إلى نهايتها.

* هل هناك موقف أو مشهد شد انتباهك في الثورة اليمنية؟

- أكيد، لم يشد انتباهي فقط، بل شد انتباه العالم كله شد انتباه المراقبين والصحفيين والمجتمع الإنساني بأسره، هو إصرار هذه الثورة اليمنية على سلميتها في بلد يبدو غابة سلاح، في بلد هو ترسانة أسلحة، ومع ذلك أن يذهب الناس إلى الساحات والميادين بصدور عارية فهذه مأثرة تاريخية لا تنسى وستسجل كسابقة في تاريخ الثورات العربية بل ثورات العالم أجمع.

* كان الإعلامي العربي وبالذات إعلاميو قناة الجزيرة جزء لا يتجزأ من الثورات العربية، ماذا أعطت الثورات العربية للإعلامي العربي وماذا أخذت منه؟

- نحن لسنا كجزيرة وكأشخاص نحن لسنا جزء من الثورات العربية، نحن وسائل إعلام تنقل الحدث، ربما نتعاطف مع القضايا الإنسانية، من الطبيعي في إعلام مثل الجزيرة أن يتعاطف مع القضايا الإنسانية ولكن نحن نقلنا الخبر. من صنع هذه الثورات هم شعوب هذه البلاد وليست الجزيرة، الشعب اليمني، الشعب المصري، الشعب الليبي، الشعب التونسي، هو الذي صنع الثورات وربما الإعلام ساعدهم في نقل الصورة، ساعدهم في عدم التعتيم على كفاحهم كما يحدث في العقود السابقة، لكن أيضا الإعلام العربي: الجزيرة، والعربية، وكل وسائل الإعلام استفادت أيضا من هذه الثورات، هذه الثورات وفرت تجربة جيدة للإعلام العربي، انظر مثلاً -فيما يتعلق بالثورة السورية- لهذا الإبداع الكبير في العمل الإعلامي القائم على "اليتيوب"، القائم على كاميرات الهاتف الجوال، هذه تجربة جديدة تستحق فعلاً أن تراجع وتدرس وتستخلص منها العبر.

* أنت أكثر من تحدث عن تفاصيل التوحش الذي مارسها النظام السوري ضد الشعب السوري التي يبدوا أنها أدمت فؤادك، حدثنا عن أبرز التفاصيل التي تحدثت عنها في تقاريرك؟

- أنا حاول قدر الإمكان أن أنقل، أن أتصرف، لا أقول بحياد وإنما بموضوعية ومهنية، لكن لا أستطيع أن أنتزع إنسانيتي وأتصرف كآلة أو كجهاز تسجيل أو كاميرا فقط وأنا أشاهد طفلا يقتل أو يمزق أو يحفر جسده بالدرل، لا أستطيع أن أكون مجرد كاميرا تنقل الصورة.. عندما أشاهد طفلا كحمزة الخطيب أو هاجر وهؤلاء بعض الأطفال الذين قتلوا في سوريا، لا أستطيع أن أرى هذه الطفل وأفصل صورته عن صورة طفلي.

* يعني أنك تحاول أن تبرز ذاتيتك في التقرير؟

- لا يمكن لإنسان أن ينفصل عن ذاتيته وإلا أصبح جهاز تسجيلي.

* ماذا تقول عن الشباب العربي وهم يرسمون نقطة تحول تاريخية يقال أنها الأبرز منذ عشرة قرون؟

- هذا عطفاً على ما ذكرت في مطلع المقابلة من يأسنا كجيل سابق من إمكانيات الثورة، من قابلية شعوبنا للاحتجاج والثورة على الطغيان، حقيقة هذا الشباب استطاع أن يثبت القدرة على التغيير بعد أن فشل فيها جيلنا وأجيال عديدة سابقة، هذا يفرض علينا جميعاً ويفرض حتى على أجدادنا في قبورهم حتى أن ينحنوا احتراماً لهذا الجيل.

* الشباب العربي أكثر التصاقا بمواقع التواصل الاجتماعي كيف تقرأ مستقبل الإعلام الإلكتروني؟

- هذه التجربة جميلة ومهمة ويمكن البناء عليها إذا ما درست فعلاً في مرحلة ما بعد انتهاء هذا الصخب هذا الضجيج أن تدرس هذه التجربة نستخلص عبرها للاستفادة منها مستقبلاً بشكل أكبر هذا يستدعي متخصصين وباحثين من إعلاميين وخبراء لكن لا يجب أن تبقى هذه التجربة في حدودها التي قامت حتى الآن يتيوب، وفديو، يجب أن تتطور يجب العمل من قبل وسائل الإعلام من قبل الصحفيين من قبل المهتمين بهذه القضية من قبل الشباب والثوار على تطوير لتصبح علماً إعلاميا قائمة بذاته.

* أنت من المجددين في كتابة التقارير الصحفية ما هي معايير التقرير الصحفي الجديد؟

- أنا لا أدعي أنني مجدد ولكني أستطيع الزعم أني أحاول التجديد، محاولتي في التجديد هي محل ترحيب قطاعات واسعة من الزملاء والمشاهدين وهي أيضا محل نقد من بعض الزملاء باعتبارها خروجا عن العمل الإعلامي، هناك جدل فيما يتعلق بهذه التجربة باختصار: عملت 15 عاما في الصحافة المكتوبة في الصحف والمجلات والـ15 عاما التالية والأخيرة عملت في التلفزيون، عندما عملت في التلفزيون لأول مرة وفي الأسابيع الأولى كنت في حالة من الدهشة بسبب سطحية العمل التلفزيوني بسبب اعتماد العمل التلفزيوني على الصورة بشكل مطلق مع تهميش الكلمة والجملة إلى حد مطلق، أيضا أنا لا أقول إن العمل الإعلامي يجب أن يلغي الصورة.. لا، لا أستطيع أنا ولا غيري أن يلغي الصورة.الصورة في العمل التلفزيوني هي الأساس ولكن لابد من إعادة الاعتبار للكلمة أيضا كي تكمل للصورة كي تكون موازية للصورة في تطوير هذا العمل الإعلامي ليصبح أكثر عمقاً ليغادر السطحية التي يتميز بها العمل التلفزيوني، لذلك أنا أعتني بالمفردة، بالجملة، أعتني بالتاريخ بالجغرافي عندما أكتب تقريرا عن اليمن أو سوريا أو عن أي مكان بعيدا من العالم، أكون معنيا بتقديم لغة، كلمات، مفردات لغوية مختلفة، معنيا بتقديم شيء من تاريخ وجغرافية هذا المكان ومحاولات توصيل أحاسيس الناس في هذا المكان.

* تستعمل الأدب ?

- نعم

* ما هو السر؟ هل انعكس الأدب على شخصية ماجد عبدالهادي؟

- هو في هذا السياق في محاولات دؤوبة لتعميق الصورة بالكلام، محاولات إعادة الاعتبار للكلام للغة المرافقة للصورة.

* كلامك ينطبق على أساس إن الأدب عاطفي وأنت تكتب التقارير الإنسانية؟

- أنا أكتب تقريرا سياسيا قد يتناول في بعض الأحيان قضايا إنسانية وقد يتناول قضايا سياسية بحتة لكن بإحساس، جوهر المسألة أني أكتب ما أستطيع أني أحاول أكتب بإحساسي بالناس، بإحساسي حتى بالحدث السياسي، وربما هذا هو السر في أن الناس تحب ما أكتب، لأني أستطيع أن أصل إلى قلوبهم وعقولهم معاً لا إلى عقولهم فقط.

* ماذا ينقص الإعلامي العربي اليوم؟

- من الصعب انك تطلق حكم على كل الإعلاميين العرب الإعلاميين العرب فئات وأشخاص مختلفين ومتمايزين وكلاً منهم له طريقته وأسلوبه وثقافته من الصعب أطلاق حكم أو أطلاق وصف لجميع الإعلاميين

* هل بالضرورة أن يكون الصحفي سياسي؟

- إذا كان يعمل في الصحافة السياسية نعم، لكن الصحفي الذي يريد أن يعمل في الرياضة أو في الفنون مثلاً ليس بالضرورة.

* باعتبارك أحد مدربي معهد الجزيرة هل المعهد حكراً على موظفي قناة الجزيرة ؟

- قطعاً لا، المعهد يؤمه متدربون من مختلف العالم العربي باستمرار، ولو تزور المعهد الآن ستجد أنه تنعقد خمس أو ست دورات فيها ستين أو سبعين متدربا لا يكون فيها سوى 10% أو 15% من موظفي الجزيرة والبقية متدربون قادمون من مختلف العالم.

* باختزال ماذا تعني لك الكلمات التالية:

فلسطين؟

حلم.

الربيع العربي؟

الحلم الثاني.

الجزيرة؟

مدرسة.

اليمن؟

الجذور.

الجملة الصحفية الحديثة؟

 مرتبكة.

الأدب؟

أساس الشغف.

الإنسان؟

إنسان.

* كلمة أخيرة تود قولها لليمنيين؟

- أنا قلت لك أعمل بعقلي وإحساسي معاً.. رغم وجودي في اليمن ورغم كل المشكلات التي تعصف باليمن لا أستطيع أن أغادر إحساسا عميقا بأن أجداد أجدادي جاؤوا من هنا