هشاشة أحزاب المعارضة من الداخل ' الناصري ' إنموذجا
بقلم/ بكر احمد
نشر منذ: 16 سنة و 10 أشهر و 20 يوماً
الجمعة 28 ديسمبر-كانون الأول 2007 06:19 ص

مأرب برس – خاص

حين أنعقد المؤتمر العاشر للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري قبل ثلاثة أعوام من الآن تقريبا ، كتبت مقالة أفاخر بنتائج ذلك المؤتمر بين باقي أصحاب الاتجاهات السياسية والثقافية الأخرى ، مدعيا بأننا الحزب العربي الوحيد الذي أستطاع أن يسقط أمينه العام عبر الانتخابات الديمقراطية ، وعليه وحين نطالب بتغيير النظام الحاكم فهذا نابع من ثقافتنا الداخلية التي تؤمن بالنهج الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة ، كما أدعيت زهوا بأن الأحزاب القومية عامة والناصرية تحديدا تؤمن قولا وفعلا بالديمقراطية طريقا وحيدا للخلاص من حالة الجمود المزمنة التي نعيشها ، كما حلمت وتمنيت بأن يكون ذاك المؤتمر بداية لتحول حقيقي وجذري في العمل الحزبي السياسي المحترف وخاصة أن الوعي العروبي في اليمن هو وعي ذات جذور عميقة وغير متنازع عليها مثل بعض الدول النفطية أو دول الأطراف التي تحاول أن تعيد صياغة هويتها من جديد ، فمن غير المحتمل أن ينازعك يمني حول عروبته ، وبالتالي من السهل على أي حزب قومي أن يعمل في اليمن لأن الأرض خصبة لتقبل هذه الفكرة الموجودة لديه أصلا ناهيك عن مقام الزعيم الخالد جمال عبد الناصر في الذاكرة اليمنية والتي تتوارثها الأجيال اليمنية بكثير من الحب والود .

وأنا حين كتبت مقالتي تلك ليس لأني عضوا في التنظيم الناصري ، فأنا وحتى الساعة مستقل ارفض التحزب ، لأن ذلك في نظري شيء من التقيد والسقوط في إرهاصات فكرية وثقافية تختلف وما أؤمن به ، إلا أني وبنفس الوقت افخر بانتمائي القومي والعربي وأرى في الزعيم جمال عبد الناصر رجلا نزيها عمل قدر ما يمكنه لأجل عروبته ، وعليه فأن مقالتي هذه لا أقصد بها أحد تحديدا في التنظيم الناصري بقدر ما أريد أن أصلح ، والإصلاح لا يكون إلا بوضع المبضع على الجرح حتى يمكننا معالجته ، وما دون ذلك تظل مجاملات وعبث لن تؤتي بنتيجة ، لذا أتوقع من الجميع أن ينظر لهذه المقالة من زاوية النداء الأول أو الأخير ، لأجل أن نصلح التنظيم الناصري قبل أن يطلب هو منا أن نطلق عليه رصاصة الرحمة .

يقال أن البعض داخل التنظيم اشتكى من قلة الموارد المالية، فتسأل الأمين العام عن موارد الإعلانات في الصحيفة الناطقة باسمه.

هذه الرواية أن صدقت ، تعني أنه هناك ثمة فساد داخل التنظيم وفي الصحيفة الرسمية تحديدا وأنه هناك أيادي مسيطرة على جهة معينة وتقوم بالتعمية عليها لأجل مصالحها التي تفوق مصلحة الحزب ، وأيضا هذه الرواية أن صدقت ، تعني بأن الأمين العام للتنظيم لا يعرف ماذا يجري تحديدا ، فهو يرى إعلانات في الصحيفة ، ولكنه لا يعرف أين تذهب موارد تلك الإعلانات ، ويكتفي بالسؤال فقط ، دون أن يتخذ أي إجراء معين ، وهذه الصحيفة والتي صارت كمنشور سياسي لا اقل ولا أكثر تعاني من سطوة متخلفة لا ترى أبعد من مصالحها وتراعي مقياس رضا وغضب النظام الحاكم والتي أصبحت ونتيجة لهذه السياسة لا توزع حتى بين كوادر التنظيم ، كما أنها ترفض أية مقالة نقدية سواء كانت هذه المقالة ضدها أو ضد أي حزب مما يسمى باللقاء المشترك ، مما يعني أن العقلية المهيمنة على الصحيفة هي عقلية ضيقة ومتزمتة وخارجه عن أطر العصر الحالي الذي يفهم جيدا أن النقد الذاتي هو أفضل السبل نحو التطور الموضوعي .

هل قلت الأمين العام للتنظيم ، أنه الأستاذ سلطان العتواني البرلماني المحترف ، والذي يتفق جميع الناصريين في اليمن على طيبته وسمو أخلاقه وإن اختياره لهذا المنصب جاء كتتويج على نزاهته ، وأنا شخصيا عولت كثيرا عليه وتوقعت أننا سنشهد ثورة ثقافية وسياسية داخل التنظيم الناصري مما ينعكس عليه و على مستوى الشارع ويرتقي به كحزب من المستوى المتوسط إلى الدرجة الأولى وخاصة أن الكثير من الشكاوى طالت الأمين السابق واتهمته بأنه هو سبب جمود التنظيم ، لذا لا باس بالتجديد وتغيير الدماء .

إذا ومن نافلة القول ، ألا يحق لنا أن نسأل ماذا فعل الأستاذ سلطان العتواني خلال الثلاث السنوات الماضية من قيادته لهذا التنظيم ، وإلى أي حد وصل أو ارتقى به ، لأننا لم نرى أي تغيير حدث سوى تسرب الكثير من كوادره وهيمنة تيار معين عن التنظيم وتعسفه تجاه الكثير من الشخصيات النشطة وتجاهله لكوادره بل إقصاء أعضاء في اللجنة المركزية وتهميش دورهم لغايات مبهمة وعير معروفة .

ثم ألا يحق لنا أن نعرف عن سبب وجود بعض الأسماء في التنظيم الناصري ضمن قوائم الرواتب التي تصرف من قصر الرئاسة ، وكيف لأشخاص مثلهم يتقاضون أجرهم من الحزب الحاكم أن يكونوا شرفاء وأوفياء لمبادئ التنظيم وأن يكونوا في نفس الوقت على مستوى القيادة والمؤثرين في قراراته ، وهناك أيضا من يستلم سيارات من الرئيس ويزور مجلسه كل يوم وتم تعيينه في مجلس الشورى ، ثم يخرج علينا في التنظيم مدعيا المعارضة ووقوفه بجانب الشعب اليمني البائس حد الموت .

لا أحد يستطيع أن ينكر أن التنظيم الناصري مخترق من قبل النظام الحاكم ، بل لا أحد يستطيع أن ينكر بأن هذا الاختراق هو المهيمن على التنظيم وهو من يقوده نحو حتفه ، لأن كل ما يحدث الآن لا يدل إلا على أنه هناك قرار سياسي نحو تجميد هذا الحزب عند هذا المستوى وعدم السماح له بتجاوزه .

هذا التكلس المخزي للحزب لا يقف عند هيمنة تيار على حساب باقي التيارات ، بل أنه وبشكل واضح يتعمد التخلي عن كوادره الذين ونتيجة لمواقفهم السياسية المتوائمة مع التنظيم يتعرضون للتشهير أو السجن من قِبل النظام الحاكم وربما خير دليل على ذلك ما تعرضت له مؤخرا الناشطة السياسية والصحفية المعروفة الأستاذة / سامية الأغبري والتي هي وفي نفس الوقت عضوة في اللجنة المركزية من تشهير على أحدى صفحات الصحف الصفراء وما مرت به من معاناة في سبيل استرداد حقها عبر القضاء الذي أنصفها بينما عانت التجاهل المر من التنظيم الذي لم يرسل لها وعبر كل إجراءات المحاكمة مندوب واحد فقط ليقف بجوارها ، بل أن الأمن كان يطرق بابها ليلا والتنظيم يغض الطرف عن هذه الأمور وكأن سامية لا تنتمي ليس إلى التنظيم وحسب بل إلى الوطن بشكل عام ، وقضية مثل قضية سامية الأغبري كانت تحتاج إلى تمويل مالي ، فشح ذلك عليها وحين تلجأ إلى حزبها يرفض منحها أي مبلغ ليتركها تواجه مصيرها لوحدها .

سامية التي كنت أعتبرها من أخلص البشر للتنظيم الناصري وأكثرهم دفاعا عنه ، أحبطت وقدمت استقالتها من التنظيم أسوة بكثير ممن سبقوها والذين لم يتبقى لهم أي أمل في هذا الحزب الذي أصبح ينخر الفساد بداخله بشكل يكاد أن يؤتي عليه .

سامية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة فقبلها كان الرائع حمدي البكاري الذي خسرناه بصمت مرير وغير مفهوم ، وأيضا قضية عبد السلام الشراعي الذي سجن لمدة شهرين لمجرد أنه أعترض على النهج الطائفي المسيس في البلاد ضد مذهب ديني دون أن ينبس أحد في التنظيم الناصري بأي كلمة أو اعتراض لأجله ، فصارت هناك رسالة علنية لا يمكن تجاهلها صادرة من الحزب لجميع كوادره بأن لا يعترضوا على الدولة بأي حال من الأحوال وإلا فأنهم غير مسئولين عنه وفي نفس الوقت يدعي هذا التنظيم أنه حزب معارض منحاز للشعب ضد جلاديه .

ليس هذا وحسب ، فهناك مسخ تام وممنهج لهوية الحزب الناصري والذي به من المفترض أن يكون من أكثر الأحزاب تقدمية واشتراكية ومدنية ، وعوضا عن ذلك نجده يخرج بتوجهات رجعية مثل إعلانه قبل فترة عن بيان مشترك مع حزب الإصلاح برفضه التام لأي كوتا نسائية في أي انتخابات برلمانية ، وإذا كان هذا البيان يتفق مع منهج حزب الإصلاح الديني الذي لديه مواقفه المعلنة ضد المرأة ، لا يمكن لنا أن نمرره حين يصدر من التنظيم الناصري الذي لا يجد أي معارضة من داخله على مثل هذا البيان ، مما يوحي لنا بأن التثقيف الداخلي للتنظيم بات يأخذ منحى آخر غير المرجعية المتعارف عليها في الأحزاب القومية والتي تختلف عن مرجعية الأحزاب الدينية المذهبية .

كل شيء يمكن التفاهم حوله ، إلا هوية التنظيم التي وأن تم تغيرها ، أصبح من اللازم الوقوف ضده بقوة أو التخلي عنه ومطالبته بتغير مسماه الذي لا يتفق ومع الفكر القومي النهضوي المعروف .

لذا هذه المقالة رسالة واضحة وصريحة أتمنى أن تصل لكل معني بأمر التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري ولكل الشرفاء منهم ، ليتم اتخاذ مواقف حاسمة لمنع دفن هذا الحزب ، لأن عملية التسويف من مؤتمر إلى آخر هي عملية بلهاء باتت غير مستساغة من أحد ،وبات السكوت عن كل ما يجري هو أمر خارج كل القيم التي آمنا بها ونضالنا من أجلها .

benziyazan@hotmail.com