من انقاض هيروشيما ونجازاكي إلى دولة عظمى
بقلم/ توكل كرمان
نشر منذ: سنة و أسبوع و 3 أيام
الثلاثاء 07 نوفمبر-تشرين الثاني 2023 05:13 م
 

كلمة الاستاذه توكل كرمان أمام مؤتمر طوكيو الدولي عن التنمية والسلام العالمي والحوكمة

الاصدقاء الاعزاء:

انا سعيدة، وفخورة جدا بانني اقف على ارض الدولة التى طلعت من انقاض هيروشيما ونجازاكي دولة عظمى اقتصاديا واخلاقيا؛ بل والمثل الذي يحتذي به اقتصاديا واخلاقيا. جميعنا يدرك أهمية التعاون والديبلوماسية في السياسة الدولية، ويراها الأكثر تأثيرا في بناء علاقات جيدة بين الدول والحكومات.

عندما يأتي الحديث عن الدبلوماسية، غالبا ما يبرز اتجاهان، الاتجاه الأول يرى الدبلوماسية العمل الأكثر احتراما الذي يمكن لدول وحكومات العالم القيام به. وكلما كان هناك مبادرات وتعاون دولي تتعلق بإحلال السلام، أو بمواجهة أخطار تهدد العالم مثل الاستبداد والإرهاب والفقر والاحتباس الحراري أو الإتجار بالبشر فإن هذا يبعث برسالة اطمئنان إلى الشعوب التواقة للعيش بسلام.

أما الاتجاه الثاني فيرى أن الدبلوماسية هي تعبير عن العجز والنفاق الدوليين، إذ تحت هذه اللافتة يتم الافتئات على حقوق الشعوب الضعيفة، وإبرام الصفقات المشبوهة التي تتعارض مع مصالح الشعوب وتطلعاتهم المحقة. في الحقيقة أن هناك من يعتبر الدبلوماسية مكانا لطبخ المؤامرات وسلب الحقوق، وقد ساعدت بعض الأعمال غير الجيدة على ترسيخ مثل هذا التصور المجافي للحقيقة. لقد آمنت دائما بأن هذا العالم يحتاج إلى دبلوماسية وتعاون عالمي وحوار وتنمية أكثر مما يحتاج إلى حروب وصراعات مسلحة تهدر فيها الامكانات والموارد وحياة البشر.

الاصدقاء الاعزاء..

من المهم أن توضع حالة حقوق الانسان التي تشهد انتهاكات غير مسبوقة هدفا لتعاون عالمي ذ يكون هدفها تنشيط النظام العالمي وتفعيل الاتفاقات والمعاهدات العالمية لمواجهة هذه الانتهاكات ووضع حد لها ومعاقبة مرتكبيها.

إن مشكلة مثل تدفق اللاجئين ينظر إليها باعتبارها قضية أمنية، فيما الحقيقة تشير إلى أن قضية اللاجئين هي قضية سياسية بامتياز، وقد بدأت بالتفاقم عندما تم السماح لطغاة مستبدين بممارسة كل أنواع القتل والإرهاب تجاه معارضيهم. وقد ساهمت التدخلات العسكرية الأجنبية في دعم أنظمة استبدادية بعينها اشتهرت باحتقار حقوق الإنسان في جعل المشكلة أكثر تعقيدا. وكما هو معروف، فإن الاعتقالات التعسفية والتعذيب والقتل خارج القانون تعد من ضمن الوسائل التي تلجأ اليها بعض الحكومات لفرض مزيدا من السيطرة على شعوبها.

إن قتل مئات الألاف في سوريا واليمن وليبيا وإيران ومصر وبلدان عديدة، يعد من التطورات المؤسفة.

كما أن لجوء بعض الحكومات لممارسة الإرهاب والعنف ضد خصومها السياسيين يعد ضربا لمبادئ الحرية والتسامح ، والحرب الروسية على اوكرانيا وما يتعرض له شعب الروهينجا علي يد الحكومة العسكرية في بورما ، وحرب غزة فيعد فوق الاحتمال، واختبارا للمجتمع الدولي، الذي فشل في اختبار حساسيته تجاه منع الحروب وحملات الإبادة البشرية، وهو أمر مروع حقا. في هذا السياق طالبت في اكثر من منبر واكثر من فعالية بالوقف الفوري للحرب في غزة، وأدنت كافة حالات استهداف المدنيين من كلا الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي لاسيما النساء والاطفال وطالبت بتجنيبهم ويلات الحرب ، ودعوت إلى الافراج الفوري عن كافة الرهائن والاسرى ، وطالبت برفع الحصار عن غزة واعتبار أن مايحدث لها من حصار وقطع للماء والكهرباء عقاب جماعي ويعد جريمة حرب.

وأكرر هنا ما قلته ، من ان على المجتمع الدولي الضغط من أجل تطبيق وتنفيذ الاتفاقيات والقوانين الدولية التي تدعو صراحة إلى إنهاء الاحتلال وعودة اللاجئين وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة

على حدود 67. يجب الاعتراف بالسياق والأسباب الجذرية لتصاعد العنف، بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي الذي طال أمده للأراضي الفلسطينية وعواقبه المدمرة على الشعب الفلسطيني، بما في ذلك التشريد، واستمرار سياسة الإستيطان وبناء المستوطنات ، وحصار المدن الفلسطينية في قطاع غزة وحرمان الفلسطينيين من الحصول على الماء والغذاء والدواء والخدمات الأساسية.

إن تعليق السلطات الإسرائيلية للطاقة والماء والغذاء والوقود إلى غزة يمثل عقاب جماعي غير قانوني وجريمة حرب ، وغير مقبول ويؤثر بشكل غير متناسب على النساء والأطفال ، ويمثل إهدارا لكل حقوق الإنسان.

الحرب الاسرائيلية على غزة تتجاوز كونها ردة فعل على هجمات حماس الى حرب عدوانية الهدف منها تهجير الشعب الفلسطيني من غزة ، هذا التهجير يمر عبر حرب ابادة ومجارز تطهير عرقي ، عبر القصف الذي يطال كل شيء وبمختلف انواع الاسلحة ومنها المحرمة دوليا وعبر الحصار وقطع الكهرباء والماء والغذاء والدواء وهي ادوات لم يعد احد يستخدمها في الحروب منذو العصور الوسطى .

الأصدقاء الاعزاء:

السباق المحموم بين الدول والشركات على استنزاف الارض ومواردها بطريقة جنونية أدت لتدمير تنوعها البيولوجي واهلاك نظامها الايكولوجي ، غير عابئين بأن مواردها المحدودة هي ملك الاجيال وليست لجيل واحد او جيلين او قرن او قرنيين !! ،

وما الاحتباس الحراري الناتج عن الغازات الدفينة ومانتج عنه من إنبعاثات ثاني أكسيد الكربون ، وتغير المناخ ، وذوبان الجليد ، وازدياد الأعاصير والزلازل والفيضانات ، الا واحدة من مظاهر ذلك العبث ، هذا التحدي مشكلة وجودية من شأنه ان يجعل كوكبنا الأرض غير صالح للحياة .

جرى تقاسم خيرات العولمة التي دلفنا إليها قبل حوالي عقدين على نحو غير عادل ، القلة يحتكرون خيراتها ، فيما تذهب سلبياتها واخطارها الى اغلب من في الأرض.

التفاوت الشاسع بين الفقراء والاغنياء يزداد بصورة مرعبة لم تشهدها البشرية من قبل ، الفقراء اليوم هم الاغلبية الساحقة في هذه الارض ، والاغنياء محدودون ومعدودون للغاية ، متنصلين عن اي التزامات لمكافحة الفقر في هذا العالم !، هذا التحدي من شأنه ان يخلق صراعات محلية ودولية لا حصر لها ، من شأنه يخلق ارهاب عابر للقارات ونزاعات لا تتوقف.

الاصدقاء جميعا:

إن الحديث عن الحكم العالمي وضرورته ليس ترفا زائدا عن الحاجة، بل هو ضرورة حتمية لمواجهة التحديات والتهديدات التي تتهدد عيشنا المشترك ومصيرنا الواحد على هذا الكوكب الصغير الذي يدمر سلامة مناخه وتنوعه البيولوجي. إن هذا التدمير الهائل للمناخ يلقي بآثاره الوخيمة على حاضر ومستقبلنا المشترك، ويخلق مخاطر وتهديدات وجودية تتهدد كل من يعيشون على ظهر كوكبنا الصغير إذ يذهب المصنعون بالفوائد، فيما نتقاسم جميعا المخاطر، تبدو هذه المعادلة الظالمة مختلة للغاية، واصلاحها على نحو عادل ومنصف بحيث نتشارك جميعا المخاطر ونتقاسم الفوائد مهمة الجميع، لاسيما النخب الحاكمة والساسة والناشطون والاعلاميون والمفكرون في كل ارجاء الكوكب ومنها مؤتمركم هذا.

على هذه الجهود ان تمضي لخلق التزام عالمي فعال للحفاظ على سلامة الكوكب والكف عن كافة الأنشطة التي تؤدي إلى تدهور المناخ. الاصدقاء الأعزاء: في قريتنا الصغيرة هذه المحفوفة بالمخاطر بإمكانات الصراع ما يكفي لتدميرها مئات المرات وتقويض كل حالات الاستقرار والرفاه فيه وقطع الطريق أمام تحقيق كل حلم بالمستقبل الأفضل، فبدلا من حتمية الصراع علينا أن نجعل من السلام العالمي خيارا حتميا للجميع.

علينا أن نتصدى لكل دعوات الكراهية بين الأمم، ولكل دعوات الصراع بين الشعوب والاديان والاعراق، فهذه الدعوات خطر بالغ تغذي الارهاب العالمي وتتغذى منه.

إن الحاجة الماسة لما يشبه حكومة عالمية إن بتحديث وتطوير آليات المنظمة الأممية، أو باستحداث منظمة جديدة تواكب هذا القرن وتتعامل بفاعلية مع تحديات المستقبل ليست ترفا يمكن تأجيله أو حاجة ثانوية نستطيع تجاوزها. إن مكافحة الفقر، وتعزيز السلام وحقوق الانسان وحماية الكوكب من الانهيار عناوين كبيرة لكفاحنا المشترك، وأن تنظيم هذا الكفاح وحشد تلك الجهود وتنسيقها والتخطيط لها ومتابعة مدى الالتزام والوفاء يتطلب حكومة ومنظمة عالمية ذات صلاحيات واسعة وقدرات وامكانات تمكنها من اتخاذ القرار وتمويل الخطط والاستراتيجيات وإلزام من ينكصون عن الوفاء

بالتزاماتهم وردع من يشذون عن الطريق فيصرون على ارتكاب الحماقات التي تنال من احلامنا المشتركة. كلمتي في مؤتمر طوكيو الدولي عن التنمية والسلام العالمي والحوكمة