المعجزة المزيفة
بقلم/ محمد مصطفى العمراني
نشر منذ: سنتين و يومين
الإثنين 14 نوفمبر-تشرين الثاني 2022 04:41 م
 

قصة قصيرة

ما إن انتهى الناس من طعام الغداء وجلسوا يمضغون القات في منزل أحمد حاتم حتى وقف أحد الناس فجأة وصاح : ـ يا ناس اسمعوني ، أنا عبد الله قاسم أريد منكم دقيقة فقط ، أنا كنت مريض ، أصبت بكساح ، تحجرت مفاصلي ، بدأ الوجع في ركبتي ثم انتشر في كل مفاصلي ، طفت العالم خلال سنوات أبحث عن الشفاء ، ذهبت إلى الهند ومصر والأردن وألمانيا ، بعت منزلي في حوض الأشراف وكل الأراضي التي كنت أمتلكها وأنا أتعالج ، ثم يئست تماما ، عدت إلى منزلي الذي استأجرته ، وقررت أن أظل هكذا ممدا على فراشي بقية عمري . مسح عرقه ثم واصل حديثه

: ـ صلوا على النبي على جماعة .. نصحني جاري قبل عام أن أذهب إلى السيد أحمد حاتم ، في البداية لم أصدق ، ظننت أنه مشعوذ ، سامحني يارب ، حملوني أولادي إليه ، أعطاني زيوت وأعشاب ، كانوا يدهنون مفاصلي وأنا أضحك مما يفعلون ، ولكن الله على كل شيء قدير ، لقد حدثت المعجزة التي لم تخطر لي على بال ، لقد بدأت مفاصلي تتحسن ، بعد شهر واحد بدأت أمشي على قدمي ، كل هذا بفضل هذا الرجل المبارك ، وأنا الآن بخير مثل الريال . لك الحمد يارب . أنهى جملته ثم هوى على جبهة أحمد حاتم يقبلها ، قبل ركبته وأقدامه أيضا ، ثم أجهش بالبكاء وسط رفض من أحمد حاتم لما يفعله ، لقد أوقفه وهو يقول : ـ استغفر الله العظيم ، كله بإرادة الله ، هو الشافي يا أخي نحن مجرد أسباب .

رمى له أحمد حاتم بحزمتين من القات لفها في كيس ثم مضى ، اندهش الحاضرون مما سمعوا وزادت مكانة أحمد حاتم في أعينهم ، وراح أغلبهم يدعون له بطول العمر ، وأن يجزيه الله جنة الفردوس . رفع أحمد حاتم رأسه نحو السقف ورفع يديه قائلاً

: ـ يارب أنت تعرف غايتي ومرادي ، كررها مرات عديدة ، سكت الحاضرون وتطلعوا نحوه بفضول : ـ جدي يارب جدي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله أسألك مرافقته في جنة الفردوس . ردد الحضور

: ـ يارب أستجيب دعواته ، الله صلي وسلم على رسول الله وآله أجمعين . بعد أن غادر عبد الله قاسم المجلس دخل إلى غرفة نجل أحمد حاتم الذي دس في جيبه عشرين ألف ريال وهو يقول

: ـ أنت ممثل موهوب يا عبدالله ، أديت دورك بإتقان حتى أنني كدت أصدقك ، أنا تابعتك من الكاميرات . يضحك وهو يخبره

: ـ أنت تقول فيها والله إني كنت ممثلاً موهوباً في المدرسة والجامعة وشاركت في كثير من المسرحيات ولكن الحظ راح لغيري .

ثم أضاف : ـ تعرف أنني كنت أمثل أنا وآدم سيف ( دحباش ) سويا في مسرح الجامعة زمان ، بس هو الذي أشتهر . يجلس ويبدأ في مضغ أوراق القات ، يصغي لنجل أحمد حاتم

: ـ شوف ابنك شكري بكره عليه الدور . وبدأ يشرح له

: ـ يأتي مع ابنك الثاني بعد العصر ، سيمثل دور شاب أعجم يحاول النطق ولا يستطيع ، عليه أن يتدرب من اليوم ، عندما يصل يحاول أخوه منعه من الوصول للوالد وهو يتلعثم ويحاول بصعوبة أن ينطق ، الوالد سينادي أخوه بأن يتركه يأتي إليه ، سيصل للوالد يسلم عليه ويقبل رأسه وركبته ويشير إلى فمه ، سيعطيه الوالد ثلاثة أعشاب قات بعد أن يقرأ عليها ويبصق فيها ، سيبدأ يمضغها ثم ينطق تدريجيا حتى يتكلم بكل فصاحة . ـ فهمت وإلا أعيد الشرح ؟!

ـ فهمت ، خلاص لا توصي حريص ، لكن قصة الأعجم نخليها لبعد غدا لأن أولادي بكره مشغولين . ـ

طيب معك مقترح آخر ؟ ـ خلنا أفكر قليلا وأعرف أمور . وأضاف : ـ أرسل لي علبة كمران وولاعة وعلبة ديلسي أحمر كبير . ـ

حاضر . تسود دقائق من الصمت يصيح بعدها عبد الله قاسم

: ـ وجدتها ـ هاه خير ؟

ـ نأتي بشاب مطعون والدم ينزف منه ، مطعون تمثيل يعني ، نعمل فيمتو وديلسي أحمر والوالد سيمسح مكان الطعنة ، بعدها الشاب يقوم بخير مثل الحصان . ـ لا هذه حركة مكشوفة جدا . وأضاف

: ـ لن أضحي بسمعة والدي في تمثيلية مفضوحة مثل هذه . ـ خلاص نشوف غيرها . يضيق به ذرعا فيطلب منه أن يغادر

: ـ خلاص بكره أعتبرها إجازة ، وبعد غدا تجيب الأعجم ، وإذا جاءت لي أنا فكرة مضمونة سأتصل بك . ـ طيب والسجائر والبيبسي ؟

ـ خذهم من البقالة على حسابي .

ينهض مغادرا فيصيح به : ـ وينك سارح ؟ ـ بروح البيت ؟ ـ أعمل الشال على وجهك ستفضحنا الله يفضحك .

وأضاف : ـ ماذا لو رآك الناس وأنت تخرج من عندي ماذا سيقولون ؟!

يغادر عبد الله قاسم بعد أن غطى وجهه بالشال فيغلق نجل أحمد حاتم الباب خلفه ويرتمي على الكرسي وهو يحدث نفسه

: ـ قلك ممثل موهوب ! والله إنه حمار بس قدوه رزقه . مر يوم ، وفي اليوم التالي جاء الشاب برفقة شقيقه الذي ألقى السلام : ـ السلام عليكم ، السلام تحية

. ـ أد أد أد أدلام دلام ألي إلي إليجم لفظها بصعوبة وهو يمضي نحو مجلس أحمد حاتم بينما شقيقه يحاول منعه وهو يرفض وإذا بأحمد حاتم ينادي عليه : ـ أتركه يأتي ، اتركه يا ابني . وصل إلى أحمد حاتم وهوى يقبل رأسه وركبته وقدمه وأجهش بالبكاء .

رفعه من الأرض واستغفر الله فأشار الشاب إلى فمه

: ـ أد أد أد أدي قاطعه : ـ تشتي تنطق ، تتكلم فصيح ؟ أشار برأسه موافقا ، أشار له بأن يجلس مقابله ، أفسحوا له مكانا ، رفع أحمد حاتم ثلاثة أعشاب من قاته الفاخر وظل يقرأ عليها ويدعو ، ثم بصق عليها ورماها للشاب قائلا له

: ـ أقرأ في سرك المعوذات وآية الكرسي وبسمل وخزن .

بعد دقائق بدأ الشاب بالنطق قليلا وسط دهشة الناس ، وخلال نصف ساعة كان الشاب قد تحدث بشكل فصيح ، كبر أحمد جابر وهلل وحمد الله ، كان الناس خلفه يكبرون ويهللون وقد ألجمت أفواههم المفاجأة وأدهشتهم المعجزة .!

بعد ساعة كان الشاب قد أندمج معهم في الحديث ونسي أنه جاء بمهمة محددة وقد أنجزها وأن عليه أن يغادر ، لقد أخذ يتحدث متأثرا بنشوة القات الفاخر الذي يمضغه لأول مرة ، وإذا به يقول

: ـ تعرفوا يا جماعة أنا كل يوم أحاول أشارك في برامج " إذاعة وطن " لكن دائما الخط مشغول . تنحنح أحمد حاتم ومسح شاربه مشيرا له بوضع أصبعه على فمه بأن يسكت ، لم يفهم الشاب الذي واصل حديثه

: ـ كل يوم أحاول أتصل وأشارك والخط مشغول مشغول .!

تنحنح أحمد حاتم مرة أخرى وحاول أن يسكته لكنه تدفق بالكلام كأنه سيل : ـ كل يوم أحاول بلا فائدة لكن أمس توفقت في الاتصال وتحدثت في الإذاعة لمدة ربع ساعة . فغر الحاضرون أفواههم وباغتهم سؤال واحد

: ـ كيف تحدث بالأمس وهو أعجم ؟! وبادره أحدهم بقوله : ـ كيف تحدثت أمس وأنت كنت أعجم ؟! رد عليه باستغراب

: ـ كيف أعجم ؟ متى كنت أعجم ؟! أنا فصيح من زمان ، أنا كنت ألقي كلمة المدرسة في الطابور والكل يصفقون لي ، أنا مشهور بإلقاء الكلمات ووو قاطعه أحمد حاتم : ـ ومتى أصبت يا ابني بعقدة اللسان فجأة ؟!

رد عليه وقد أنتشى : ـ أنا عمري ما أصبت بعقدة اللسان ، أنا فصيح من طفولتي .. حتى لما قال لي الوالد أجي هنا وأمثل دور أعجم رفضت في البداية لكن .. قاطعه أحمد حاتم بغضب

: ـ خلاص أسكت شغلتنا أنت وفصاحتك .

بدأ الناس يتغامزون ويتهامسون ويكتمون ضحكاتهم ، لقد ظهرت حقيقة أحمد حاتم ، طبيب الأعشاب المبارك ، صاحب الكرامات والمعجزات .!

كان وجه أحمد حاتم قد اسود كأنه فحمة من شدة الخجل ، تصبب العرق منه ولم يستطع الجلوس وسط نظرات الناس الساخرة وتساؤلاتهم الجارحة ، قام من فوره إلى مكتب نجله ، ودون مقدمات صفعه صفعة مؤلمة ومضى إلى الداخل .