خليليّ مُرابي على أُمِ أحمدِ
بقلم/ د.عبدالمنعم الشيباني
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و 5 أيام
الأربعاء 09 يوليو-تموز 2008 09:36 م

مأرب برس - خاص

المستهل ومضة شعرية:

قميرية

من أَجلِ عيونِ الكَيْدِ الباكي يا نجوى

ودموعِ الزَّيفِ الباردِ تسكُبُه بنتُ العشرين ........

كم عاماً يصغُرني ؟

كم عقداً ؟

ليس يهم الآن ...........

ويشغلني عن كل سنينِ الفرقِ الفاحشِ بينهما

يا أصغر لؤلؤةٍ أهدت للشِّعر محارتها

يا أصغر ملهِمةٍ

يا أصغر كاذبةٍ

أسرارُ الكذبِ الرائعِ يشغَلُ نصفَ الديوان..............

ثم بعد المستهل أواصلُ إستهلالاً جديداً بالقول أنني أصدق الشعراء ولا فخر وأكذبهم ولا فخر، أتحداهم بالشعرِ والقافيةِ والبحرِ أن يقرؤا عليَّ قصيدةً واحدةً كتبوها لمن يدعون أنهم أحبوا أو عشقوا بالتصريح وليس الرمزية والتلميح وأتحدى واحداً من هؤلاء أن يكشف عن اسم امرأته أو يكشف في الجرائد والمواقع عن صورتها، ثم إنني ولا فخر أول من سمى إبنته "حماس" لأنها سيدة القصائد ولأنها كذلك فقد كانت حماس ولم تزل فاتحة كل قصائدي، وكشفت بكل ثقة للشعب والجمهور أن امرأتي اسمها "نجوى" فهي "نجوى القميرية" على وزن "ليلى العامرية" وهي "نجوى حداد" على وزن "نهاد حداد" الاسم الأصلي للمطربة فيروز.

إعلموا أن شعراء اليمن إلا القليل يكذبون فيما يقولون وأنه يغار بعضهم من بعض ويتوجس بعضهم من بعض ويتهم كل منهم عيون الآخر بالخيانة والتربص إلا القليل. كنا في مهرجانٍ شعري نظمه مشكوراً المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي بصنعاء في 19 يوليو2007 حضر الصباحية أكثر من عشرة شعراء لم يحضر أحدٌ منهم إمرأته لتستمع ولو من وراء حجاب وراحوا يكذبون ويقولون شعراً في العاطفة يهدونه للهواء، شعراء تسكنهم حمية القبيلي الهوجاء بثوب شاعر رومانسي يكذب على نفسه وعلى الجمهور وعلى القصيدة، وقرأت في عيونهم بوادر غيرة وأصوات ريح صرصر تتلفع بالإلتزام، ولبعض من حضر من الشعراء الطبانين "بلهجة تعز شديدي الغيرة بجنون" زوجات شاعرات خافوا عليهن إذا حضرن أن يسمعن كلاماً في الشعر، هؤلاء هم شعراء "قبائل الهوتو الرومانسيين"، وكانت إمرأة مثقفة وكاتبة وقارئه للأدب وكان زوجها شاعراً لم يحضرا ولم يجيبا دعوة السكرتير المنظم للصباحية "السكرتير من شعراء تهامة الشباب يقول شعراً بديعاً"، خاف الشاعر القبيلي أن يلبي الدعوة هو وامرأته، خاف ممن؟ من عيون الذئاب الخبيثة، أين مقام الشعر والشاعرية من هؤلاء؟ ثم يقولون إنهم شعراء رومانسيون، أين هم من مقتضيات التحليق الجميل مع المرأة؟

ألا لايجهلن أحدٌ عليّ باسم الإلتزام، فإني أحدثهم بلغة الشعر لا بلغة سيد سابق رحمه الله صاحب كتاب فقة السنة ولا بلغة عبدالكريم زيدان أطال الله عمره صاحب كتاب أصول الدعوة، تدعي قبائل الهوتو الشعر والوجدان فأين هم من هذا المقام؟ قالت لي إبنة خالتي "35 عاماً" خذني معك إلى الصباحية وكانت صباحيةً مشرقةً بالحب عامرةً بالحضور مفعمةً بالحيوية طريةً بالبهجة غزيرةً بالشعر نظمتها الجامعة الوطنية بتعز تحت إشراف الأديب والناقد الدكتور عبدالحميد سيف الحُسامي. عرفت "فائزة" ما معنى الشعر وماذا سيقال في الصباحية وهي لم تقرأ في المدرسة لأسباب غلو والدها وجهله وظلمه وإسرافه في حق أولاده وبناته، شكراً لك فائزة تفهمين الشعر ومقاصد الشعراء وأهديتها قصيدةً تفاعلت معها وطربت لمسامعها. وحتى الشعراء الأكثر حداثة وانفتاحاً وعلمانيةً وتمرداً ما أبعدهم عن الحداثة يشك كل منهما بالأخر وبعيون الآخر بل وقد تصل العداوة بينهم شاؤاً بعيدا، ألا ما أبعد هؤلاء عن الحداثة وما أبعدها عنهم إلا القليل.

علّمتُ حماس حُب حماس حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين وعلمتُ حماس أن تقرأ في طابور الصباح إحدى مقطوعاتي الرومانسية الصغيرة "يرصدني قمرٌ"، وأما قصتي مع نجوى فأنا مجنونها، مجنون نجوى، نجوى القميرية أعني، كانت ولم تزل محل سؤال في كل مناسبةٍ، يسألني الناس عن نجوى فأجيب بكل ثقة، ثم أكون كذاباً كبيراً إن قلتُ أني أحبها كثيراً وهنا محلُ دهشةٍ أخرى. وصدقاً مع النفس ومع الشعر ومع الجمهور تنازعني في الحب إمرأة أخرى "حوشبيةٌ" من قبيلة الشاعر يحنُ أبداً إليها، تنازعني قصيدتان وامرأتان قميريةٌ وحوشبيةٌ فأما الأولى فامرأة الشاعر وأما الأخرى فمن عشيرته وهي مصدر حنين سرمدي للقصيدة، ثم يمتد هذا الحنين إلى قصائد أخرى وقصص أخرى كي أكون صادقاً معكم ومع القصيدة أبرزها قصيدةً سميتها إنتصاري، ووراء كل قصيدة قصة حقيقية بكل انفعالاتها المجنونة. أحب أن أكون شاعراً مجنوناً صادقاً في جنونه لا مثل شاعر من قبيلة "بروندي" قال إنه يدرس النقد في إنجلترا، تقدح عيناه عصبية وتوجساً، قال شعراً أخرقاً ونفاقاً أجوفاً يكرهه عبدالله بن سلول وسمّاه شعراً وجدانياً.

وكم يكذب الشعراء إلا القليل منهم حين يهدون نساءهم شعراً، فلربما اهدى شاعرٌ إمراته الثانية حلو القصيد وأنها استوت على قلبه ثم راح يهرول إلى الأولى قائلاً لها انها وحدها حبيبته من دون النساء، يتلو عليها بحماسة

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى

 ما الحب إلا للحبيبِ الأولِ

حدثتني بهذا من أثق بصدق خبرها وهي أم جندب. وإليكم قصة أخرى من إحدى الفعاليات الكبرى في الشعر العربي، أخذ الشاعر اليمني المخضرم محمد الشرفي المعروف بتقليد أشعار نزار، أخذ يتفلسف في قصيدة بما معنى أنه يحمل قلب شاعر كبير وأنه مستعد أن يوزع جمال محبوبته على الحاضرين كرماً وشهامةً، فلما جاء دور البردوني لإلقاء قصيدته قال: أحب أن أقول لكم قبل أن ألقي قصيدتي لا تصدقوا الشرفي الذي زعم أنه سيقسمها عليكم أنا أعرفه أكثر منكم (هذا لوشي معكم حاجة عد يخطفها هو لنفسه). ثم إقرأ شعر الدكتور عبدالعزيز المقالح تجد في أكثر من موضعٍ شعري وقصيدة يستعيذ من شر الأصدقاء ومن شر ما صنع الأصدقاء، ومما يجهله الناس أن الشاعر (الكبير) عبدالعزيز المقالح ليس شاعراً كبيراً وهو بنفسه وفي مناسبات شتى يعترف أن عبدالودود سيف (عراب القصيدة المدورة وصاحب البريد الأدبي) أشعر منه ولكن الأخير هذا غدر به الأصدقاء وظلموه وخلعوا ما يستحقه هو كشاعرٍ حديثٍ ورائد وناقد على غيره وكل هذا من غدر الأصدقاء ونفاق الشعراء وتآمر بعضهم على بعض. وشاعر أخر يمارس النقد والكتابة أيضاً أخذ يسفه شاعراً رائعاً (صاحب ديوان إن بي رغبةً للبكاء) ويصف شعره بالإنحطاط والركاكة والسبب شيءٌ من الحسد والخلاف الشخصي إذ يزعم (الناقد المبجل مدرس الأدب العربي بثانوية تعز) أن الشاعر المذكور يصف أصحاب تعز بالتعصب والمناطقية ولم يوافق على صرف المراجع الأدبية التي يحتاجها المجمع الثانوي.

إنهم شعراء "طبانون" من أهل الغيرة المفرطة المذمومة وممن يكذبون على نسائهم الأولى والثانية وربما الثالثة، وهم يا أم جندب أشد غيرةً وطبناً من امرئ القيس الكندي اليماني "حامل لواء الشعراء" يشك في امرأته أم جندب من أول لحظة ومن أول كلمة حق قالتها في وصف شعر علقمة التميمي (علقمة الفحل) وأنه أجود من شعر زوجها امرئ القيس الشاعر الفذ وإليكم القصة:

"تنازع علقمة التميمي المعروف بعلقمة الفحل هو وامرؤ القيس في الشعر، فقال كل منهما لصا حبه أنا أشعر منك. فقال علقمة: قد حكمت بيني وبينك إمرأتك أم جندب، فقال: قد رضيت. فتحاكما إليها، فقالت: ليقل كل واحد منكما شعراً يصف فيه الخيل، على قافية واحدة. فقال امرؤ القيس:

خليليَّ مرابي على أمِ جندبِ ... لنقضيَ حاجاتِ الفؤادِ المعذبِ

فقال علقمة:

ذهبت من الهجرانِ في غير مذهبِ ... ولم يكَ حقاً طولَ هذا التجنبِ

وأنشد كل واحد قصيدته. فقالت لامرئ القيس: علقمة أشعر منك. قال: وكيف ذاك؟ قالت: لأنك قلت:

فللسوطِ ألهوبٌ، وللساقِِِ درةٌ ... وللزجرِ فيه وقعُ أحرجَ مذهبِ

فجهدت في شكه بسوطك وزجرك، ومريته فأتعبته. وقال علقمة:

فردَّ على آثارهنَّ بحاصبٍ ... وغيبة شؤبوبٍ، من الشدَّ ملهبِ

فأدركهنَّ ثانياً من عنانهِ ... يمرُّ كمرّ الرائحِ المتحلبِ

فأدرك فرسه ثانياً من عنانه، لم يضربه بسوط، ولم يزجره بساقه، ولم يتعبه. فقال لها امرؤ القيس: ما علقمة بأشعر مني، ولكنك له عاشقة. وطلقها، وخلف عليها علقمة."

أرادت أميمة الطائية وكنيتها أم جندب أي المرأة ممشوقة القوام العنقاء العطبول العروب، أي المتحببة بصفاتها الأنثوية التي يحبها الرجال، أرادت أن تقول لزوجها الشاعر امرئ القيس أن علقمة أكثر رأفة بالخيل فلم يلهبه ولم يزجره أي أنه أكثر لطفاً وتذللاً وتحنناً وبلغة اليوم "أكثر رقة وحنية" وهنا يجن جنون الأمير الشاعر امرئ القيس كيف حكمت لعلقمة الفحل وفضلت شعره قائلاً لها والله ماهو بأشعر مني ولكنك له عاشقه فالحقي به. ثم أتدرون متى وأين حدثت هذه الواقعة؟ وقعت في أحلك الظروف لامرئ القيس الكندي اليماني حين أخذ يتنقل بين قبائل نجد واليمن والعراق يطلب منهم النصرة والعون لاسترداد ملك أبيه فنزل على ديار بني طي وأقام عندهم أياماً تزوج فيها بأميمة بنت شيخ طي (أم جندب) فلم يبالِ بالنصرة ولم يهمه أن يضحي بأم جندب وبحق عودة الملك الزائل (مملكة كندة) انتصاراً لكرامته وغيرته، ثم أن امرأ القيس كان قد ضمن قصيدته المذكورة أبياتاً في حب أم جندب لم تلامس فؤادها إذ شعرت أن امرأ القيس إنما يتصنعها تصنعاً هل عرفتم لماذا؟ لأن امرأ القيس كان ولم يزل مسكوناً بحب إبنة عمه فاطمة التي ذكر اسمها في قصيدته الشهيرة

قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ

 بسقط اللوى بين الدخول فحوملٍ

إذ يشير إليها بقوله

أفاطم مهلاً بعض هذا التدللِ

 وإن كنتِ قد أزمعتِ صرمي فأجملي

إذ لم تكن أم جندب سوى محطةٍ عابرةٍ لقيها امرؤُ القيس في مياه بني طي في طريقه إلى قبائل العرب يطلب منهم العون والثأر لأبيه الذي غدر به الأزديون الموالون للفرس، ولم تكن أم جندب سوى محطة استراحة للشاعر يداوي بها جراحه الغائرة ولو مؤقتاً حزناً على فراق ملك أبيه الذي غدر به (عملاء الفرس) وآسىً على ابنة عمه فاطمة التي لايعلم عن مصيرها بعد شتات مملكة كندة في حضرموت، وربما رأى امرؤ القيس في أم جندب بقيةٍ من كأسٍ تنسيه ولو عبثاً ذكرياته مع العذارى ومع فاطمة بدارة جُلجُلِ.

والآن إن شئتم معشر السادة أنشدتكم شعراً على وزن خليلي مرابي على أمِ جُندُبِ، شعراً أهديه أُمّ أحمدِ (نجوى القميرية، امرأة الشاعر وأمُ حماس أيضاً) ومطلع القصيدة :

خليليّ مُرابي على أُمِّ أحمدِ

 قميريةٍ بِكرٍ وإن لم تولَّدِ

ولكن لن أكمل القصيدة هنا لأجعل من ذلك دعوةً مفتوحةً للشعراء من أنصار علقمة الفحل ليأت كلٌ منهم بقصيدة على نفس القافية والبحر ولنحكم في ذلك (أم جندب) وستكون قصيدتي آخر قصيدة بعد أن نسمع من جميع الشعراء.

 ومضة شعرية:

انتصاري

إلهي

رأيتُ القصيدةَ حقَّاً

وقد نامَ بعضي سوى شاعرٍ لا ينام

كأني بها غادةٌ تستحثُّ الخُطى غايةً في لقائي

وموهوبةً باركتها السماءُ لتمسح عني مسائي

تبيتُ معي رغبةً من شواظٍ

تُعاكسُ ليلي

وتُصبحُ تطلبُني في نهاري

عرفتُ اسمها

والتصاويرَ تحشدها صورةً

صورةً

تصطفيني لأسرارِها

وتحلِّفني بالعظيمِ

وقد عقدتْ وردةَ في يميني

و زنبقةً في يساري

تمنَّيتُها مثل أنثى

فكانتْ

و لكنها أبطاتْ

أيُّ عطرٍ

خسرتُ أزاهيره

و أضعتُ مقاليده باختياري

إلهي

و أنتَ العليمُ الخبيرُ

وبين أصابعكَ القاهراتِ

تقلبهُ مضغةً ناوشتها الرِّماحُ

و(شُبَّابةً في شفاهِ الرِّياحِ)

وعصفورةَ مالها من قرارِ

حبيبي

وقد دللتْني عيونُ السماءِ

لجائزةٍ تصطفيني

أم القلبُ كي تبلو العاشقينَ لتنظرَ في المؤمنينَ اختباري

سأسقط من دون ريبٍ

وأخسر من دون ريبٍ

وأصبو

وأكبوا

وأعلنُ بدءَ السقوطِ إذا قاطعتْني السماواتُ

يا سيِّدي لا تكِلني

فأخسرُ بعد الظهورِ انتصاري.

*******

24/7/2003م

• شاعر يمني وباحث في الأدب الإنجليزي الرواية.

abdulmonim2004@yahoo.com