آخر الاخبار

احتشاد قبلي مُهيب بمأرب.. قبائل مذحج وحمير تُعلن جاهزيتها الكاملة لمواجهة مليشيا الحوثي وتدعو التحالف العربي لمواصلة الدعم العسكري وتطالب الشرعية إعلان معركة التحرير بيان توضيحي عاجل لشركة الغاز اليمنية حول الوضع التمويني وحقيقة تهريب مادة الغاز إلى الخارج الشركة المالكة.لفيسبوك وواتساب وانستغرام تعلن عن نشر أطول كابل بحري بالعالم.. يربط القارات الخمس؟ خفايا وأطماع مواجهات نارية في الدور الستة عشر في دوري أبطال أوروبا قرعة دور الستة عشر للدوري الأوروبي لكرة القدم الملك سلمان يعتمد رمز عملة الريال السعودي الريال يصطدم بجاره أتلتيكو ومواجهة سهلة لبرشلونة.. تعرف على قرعة دور ثمن نهائي أبطال أوروبا وموعد المباريات أبو عبيدة يعلن أن القسام ستفرج غداً عن 6 أسرى إسرائيليين بينهم "هشام السيد" هكذا ردت حماس على الاتهامات الاسرائيلية بشأن جثة الأسيرة الإسرائيلية "شيري بيباس" ترامب يوجه بتحريك قنابل جي .بي.يو-43 الشهيرة بأم القنابل ذات القدرات الفائقة لسحق كهوف صعدة ونسف تحصينات الحرس الثوري الإيراني

مسلسل (عمر) والربيع العربي الأول
بقلم/ نصر طه مصطفى
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 24 يوماً
السبت 28 يوليو-تموز 2012 10:15 م

سيظل الفن أروع أساليب توصيل الأفكار والقيم وأجمل وسائل التعبير عن مكارم الأخلاق وأعظم عوامل التقارب الإنساني، فهذه المعاني تبرز دوما عند متابعة كل عمل فني على مستوى راق سواء كان عربيا أم عالميا... وأظن أننا محظوظين في شهر رمضان الحالي بعرض المسلسل التاريخي (عمر) الذي يروي سيرة ثاني الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، ومن خلاله نطل على كل جوانب الحياة العامة في ذلك العصر منذ ما قبل البعثة النبوية وبالتأكيد حتى استشهاد ذلك الحاكم العادل الذي لا مثيل له في التاريخ الإنساني عامة والتاريخ الإسلامي خاصة... ومتعة هذا العمل الدرامي التاريخي تتعزز بعدة عوامل أولها الإنتاج الضخم والسخي الذي بذلتاه مؤسستا تلفزيون قطر و(إم بي سي) السعودية لإخراجه بالشكل الذي يليق بأمة عظيمة وبشخصية خالدة كشخصية عمر رضي الله عنه... وثانيها بنص أكثر من رائع لباحث وكاتب ومؤرخ وسيناريست متميز هو الدكتور وليد سيف الذي أعطى التلفزيون العربي أجمل النصوص التاريخية مثل صلاح الدين الأيوبي والسلسلة الأندلسية صقر قريش وربيع قرطبة وملوك الطوائف وغيرها من الروائع التي أثرت الدراما التاريخية وفتحت عيون أجيال جديدة على تاريخها بإيجابياته وسلبياته... وثالثها بإخراج متميز للتوأم الفني لوليد سيف وهو المخرج الفنان المرهف حاتم علي... وإذن فنحن أمام عمل يستحق المتابعة باهتمام ليس فقط بغرض الخروج من هموم السياسة والأحداث المؤلمة التي تحيط بنا من كل مكان وبالذات في سوريا، بل لأن عملا بهذا المستوى نصاً وإخراجاً وإنتاجاً هو عمل ممتلئ بالحكم والعبر والدروس التي نحتاج إليها في حياتينا الخاصة والعامة ويصعب قطفها بجهود ذاتية لغير من هو متخصص أو مهتم فيما سنتلمسها بيسر في عمل بهذا المستوى الراقي.

وخيرا فعل كبار فقهائنا الراشدين المعتدلين المستنيرين أمثال الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور سلمان العودة والدكتور علي الصلابي وغيرهم لإجازتهم أداء أدوار كبار الصحابة بما فيهم الخلفاء الراشدون الأربعة، ففتواهم هي عين الرشد والحكمة وجوهر الفقه الصحيح القادر على معايشة العصر ومعرفة متطلباته واللغة التي تصلح له... ولابأس من اشتراط نوعية معينة جادة وملتزمة من الممثلين لأداء أدوار مثل تلك الشخصيات العظيمة التي ظلت مصدر إلهام متواصل ومنبع قدوة لا ينضب للأمة منذ أربعة عشر قرنا حتى أخذت موقعا في النفوس والقلوب أشبه بالمقدس لعظمة شخصياتها وعظمة تضحياتها وقربها الشديد من الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إن موقعها أخذ في أحيان ليست بالقليلة قدسية تامة بسبب حملات الإساءة ضدها وبالذات شخصيات الخلفاء الثلاثة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان من بعض الطوائف والفرق الإسلامية وهي حملات تجاوزت كل الحدود المشروعة في النقد... إذ كما هو معروف أنه لا قدسية لبشر في الإسلام لأن القاعدة أن البشر خطائين وخير الخطائين التوابون، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن معصوما إلا بالوحي فما بالك بصحابته الذين كانوا يخطئون ويصيبون كأي بشر وهم بالتأكيد ليسوا فوق النقد لكنه يجب أن يكون النقد الملتزم بالآداب والأخلاق البعيد عن الأهواء الذي لا يطعن في صدق النوايا والذي يحرص على تغليب الحقيقة وغير ذلك من ضوابط وقيم النقد السوي الذي يهدف لتأليف القلوب وتضييق الخلافات وتقريب النفوس وقراءة الوقائع كما هي لا كما تريدها الأهواء السياسية والفكرية والطائفية والعنصرية الضيقة... وسيظل التاريخ يذكر لعمر بن الخطاب رضي الله عنه مقولته الخالدة (أصابت امرأة وأخطأ عمر) في إشارة واضحة يريد منها تعليم الأمة أن الحاكم ليس أكثر من بشر يصيب ويخطئ وأنه ليس فوق المساءلة وأن على أمته مراقبته وتصويبه وتخطيئه.

لذلك يصبح منطقيا جدا وواقعيا جدا وشرعيا جدا أن تحرص الأمة اليوم على تقديم تلك الشخصيات عبر أعمال فنية راقية (تلفزيونية وسينمائية ومسرحية) بما تستحقه من العرض المنصف والتجسيد اللائق بما يتسق ولغة العصر اليوم... فهناك الملايين من أجيالنا الجديدة لا تعرف عن تاريخها شيئا وإن عرف القليل منهم ففي حدود بسيطة، وهذه الأجيال الجديدة التي يجيد معظمها التعامل مع وسائط الاتصال الحديثة ينبغي مخاطبتها عبر هذه الوسائط حيث لا يوجد حظ كبير للكتاب المطبوع في قاموسها بينما قد يحظى الكتاب الالكتروني - على سبيل المثال - بحظ أوفر لديها... ولذلك أجد أن عملا دراميا تاريخيا عظيما كمسلسل (عمر) سيكون له أعظم التأثير لدى مثل هذه الأجيال الشابة وسيقدم لها هذا الخليفة العظيم كأفضل ما يكون التقديم وسيعرض لها جوانب شخصيته الفذة كأنبل ما يكون العرض وسيحيي في نفوسها صورة الحاكم القدوة والقائد النموذج الذي تحلم به... وما كان لمثل هذا المسلسل أن يترك تأثيره المرجو لو لم يجسد شخصية عمر وباقي الصحابة رضي الله عنهم جميعا، فتجسيد الشخصية يمثل جوهر النجاح والتأثير التي قام عليها مثل هذا العمل الفني الاستثنائي الهام وغير المسبوق لأنه يقدم القدوة بشكل مباشر لجيل جديد كامل من أمة تبحث عن أسباب النهوض والعزة والرفعة والكرامة في زمن ثورات الربيع العربي.

وهنا تستحضرني بعض التأملات المتعلقة بالربيع العربي المعاصر وربطه بأول ربيع عربي عرفته الأمة مع بزوغ الدعوة المحمدية التي هي في جوهرها دعوة للانعتاق من كل قيم الظلم والاستبداد والجور إلى قيم الحرية والمساواة والعدل والتكافؤ وكل مكارم الأخلاق التي جاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتممها... وكأني بالدكتور وليد سيف مؤلف مسلسل (عمر) يستحضر كل طموحات وآمال جيل الربيع العربي المعاصر ليقدم لهم نموذجا رائعا لأول جيل عربي أنجز ربيعه قبل أربعة عشر قرنا في مواجهة كل تلك البشاعات وصبر وناضل وجاهد بشكل سلمي حتى أقام دولته المدنية العادلة متسلحا بالقيم والأخلاق والمبادئ السوية التي تعطي البشر حقهم في الحياة الكريمة وترفض الذل والخنوع للاستبداد بكافة صوره السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.