أردوغان يكشف ما تخبئه الفترة المقبلة وأين تتجه المنطقة .. عاصفة نارية خطيرة اجتماع حكومي مهم في عدن - تفاصيل بن مبارك يشن هجوما لاذعا على موقف الأمم المتحدة وتعاطيها الداعم للحوثيين وسرحد فتاح يكشف عن نتائج تحركات المستوى الوطني والدولي وزير الدفاع يقدّم تقريرا إلى مجلس الوزراء بشأن مستجدات الأوضاع الميدانية والعسكرية قطر تقدم تجربتها الأمنية في إدارة الجوازات والخبرات والتدريب لوزير الداخلية اليمني إسبانيا تُواجه كارثة هي الاولى من نوعها... حداد وطني وعدد الضحايا في ارتفاع المليشيات تستكمل «حوثنة» الوظيفة العامة بقرارات جديدة لماذا تعرقل إيران انضمام تركيا إلى البريكس؟ إغتصاب الأطفال.. ثقافة انصار الله في اليمن صحيفة فرنسية...جنود الاحتياط ينهارون و 170 ألف جندي إسرائيلي يغرقون .. تفاصيل الإنهيار من الداخل
عبد الباري عطوان
تعتبر الولايات المتحدة الامريكية القوة الأعظم في التاريخ، وتتفوق علي الامبراطورية الرومانية في هذا الاطار لما تملكه من اسلحة نووية وتكنولوجيا عسكرية متقدمة قادرة علي تدمير العالم عدة مرات.ويبدو ان الادارة الامريكية الحالية، او بالأحري مجموعة المحافظين الجدد الذين هيمنوا علي صناعة القرار فيها، درسوا تاريخ الامبراطورية الرومانية جيداً، وأخذوا اسوأ ما فيها، اي انتهاكات حقوق الانسان، والانتقام بطريقة وحشية من الاعداء.فالاباطرة الرومانيون سنّوا تشريعاً وحشياً ينص علي اعدام اربعمائة من ذكور الاعداء مقابل كل جندي روماني يقتل في المواجهات العسكرية او غير العسكرية. والادارة الامريكية الحالية باتت تقتل ألف مسلم مقابل كل مواطن امريكي سقط في هجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) عام 2001، من خلال حربها علي الارهاب التي تشنها حالياً في العراق وافغانستان، ومتوقع لها ان تمتد الي دول اخري مثل سورية وايران قريباً.فالضحايا من المسلمين في هذه الحرب فاق عددهم المئتي الف حتي الآن، بالمقارنة مع الثلاثة الاف امريكي الذين قتلوا في هجمات نيويورك وواشنطن، والرقم مرشح للارتفاع لانه لا يلوح في الأفق اي مؤشر علي اقترابها من نقطة النهاية.فالارهاب الذي تحاربه الادارة الامريكية يزداد قوة واتساعاً، والعراق بات قاعدة صلبة لنموه واشتداد ساعده، بل وتصديره الي دول الجوار، وشاهدنا التفجيرات تصل الي مدريد بعد لندن، ولا نستغرب اذا توقف قطارها في محطة روما في الاسابيع او الأشهر المقبلة.ومن المفارقة ان الادارة الامريكية وسياساتها المتغولة هي التي تشجع علي اتساع دائرة العنف والارهاب، وتعطي التطرف البيئة الملائمة للانتشار والتوسع.فالادارة الامريكية الحالية لم تكتف بدعم الانظمة الديكتاتورية القمعية في العالم الاسلامي، بل باتت تحاكيها وتعتمد اساليبها، والقصص المرعبة التي تتردد حالياً في الصحافة الغربية عن مراكز التعذيب السرية في اوروبا ورحلات طائرات المخابرات المركزية التي تنقل المتهمين من مكان الي آخر هي أحد الامثلة الناصعة في هذا الخصوص.خطورة هذه الاكتشافات لا تنحصر في كونها تؤكد اقدام زعيمة العالم الحر علي ممارسة التعذيب في الاقبية السرية، في انتهاك واضح لمعاهدات دولية كانت من الموقعين عليها، والمتعهدين بحمايتها وتطبيقها، وانما في كونها تشجع حكومات فاشية في العالم الثالث، والمنطقة العربية علي وجه التحديد للتفنن في التعذيب والقتل للمعارضين وهي مطمئنة لدعم القوة الاعظم في التاريخ.فكيف يمكن ان تتوقف حكومات في مصر والمغرب والاردن وسورية عن ممارسة التعذيب واعتقال المعارضين دون محاكمات لسنوات، والادارة الامريكية ترسل اليها المتهمين من العرب والمسلمين للاستفادة من خبراتها الوحشية في التحقيقات لاستنطاق هؤلاء، وحلب المعلومات منهم؟وكيف يمكن ان تنتقد الادارة الامريكية دولا مثل الصين وكوريا الشمالية وباكستان، بسبب سجلها المخجل تجاه حقوق الانسان، بعد انتشار انباء فضائح التعذيب والمعتقلات السرية هذه علي مستوي العالم بأسره.والسؤال الذي يطرح نفسه الآن، هو عن مصداقية اللوائح التي تصدرها الادارة الامريكية ووزارة خارجيتها كل عام عن انتهاكات حقوق الانسان ومصادرة الحريات الدينية في العالم، وهل ستستمر الادارة الحالية في التقليد نفسه هذا العام والاعوام المقبلة؟ان الضرر الذي الحقته هذه الادارة ببلادها، وقيم الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان التي كانت اساس تقدم المجتمعات الغربية لا يمكن حصره وتقديره وستستمر آثاره لسنوات عديدة قادمة، وكان الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر محقا عندما قال انه يشعر بالخجل لوجود ادارة كهذه تشرع التعذيب وتمارسه بهذه الطريقة الفجة.ومن المؤسف ان كل هذا الضرر يأتي بسبب وضع حكام البيت الابيض مصالح اسرائيل فوق مصالح بلادهم، والتضحية بأرواح المواطنـــــين الامريكيين من أجــــل ان تســـتمر الدولة العبرية في جرائمها واحتلالها لاراض عربية واسلامية.المشرعون البريطانيون وجهوا يوم امس الاول صفعة قوية للادارة الامريكية والي حكومة توني بلير العمالية التابعة لها، عندما اصدروا فتوي قانونية اكدت بطلان اي معلومات تنتزع من المعتقلين تحت التعذيب. فمثل هذه الفتوي جاءت في التوقيت المناسب، واعادت الاعتبار الي القيم الليبرالية الغربية، وقدمت نموذجاً يحتذي للمؤسسات التشريعية المستقلة.اللافت ان جميع المعتقلين الذين يتعرضون للتعذيب، وينقلون من هذا المعتقل السري الي ذاك من المسلمين، ومعظمهم من البلدان العربية، ولم نسمع ان حكومة عربية واحدة احتجت، ولم نقرأ عن كاتب واحد من الليبراليين العرب الجدد كتب مستنكراً ومديناً.ان هذا الصمت المتواطئ هو الذي يجعل حجم التأييد لهذه الحكومات في اوساط شعوبها يقترب من درجة الصفر ان لم يكن دونها، ويجعل من جماعات التطرف الاسلامي الأكثر شعبية، والأكثر قدرة علي تجنيد الشباب المحبط اليائس.الادارة الامريكية الحالية، وباختصار شديد، حولت بلادها الي جمهورية موز ولكن عملاقة، ودمرت سمعتها ونسفت قيمها، وباتت تشكل تهديداً لاستقرار العالم وسلامه وأمنه وما تبقي من قيمه، ولهذا تتراجع الديمقراطيات وتفقد اسسها، وتتعزز الديكتاتوريات وتتعمم انتهاكاتها وجرائمها. انها عولمة القمع والارهاب والتعذيب للأسف الشديد.