القات في اليمن < كيف > ينذر بكارثه بيئية وصحية
بقلم/ م/عمر الحياني
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 27 يوماً
الإثنين 13 أغسطس-آب 2012 12:26 ص

يشكل 10في المئة من الزراعة ويستنزف50 %من المياه الجوفية

يلوك القات ويمضغه في فمه بحثا عن الكيف أو هربا من واقع بائس . هذه حال معظم اليمنيين منذ قرون، ثمة رغبة لدى البعض في التخلص منه، لكن العادة اقوى من كل عزيمة.

فبعد كل يوم حافل بجلسات تعاطي القات أو" تخزينة" يعتزم المتعاطي ألا يعيد الكرّة. لكن ما أن تحل ظهيرة اليوم التالي حتى تدفعه رغباته بقوة لشراء القات وتعاطيه مجدداً.

إنه إدمان من نوع خاص يأخذ اليمني يوميا الى تلك الاوراق الطرية ، ليضعها في فمه و يبدأ في مضغها ،ويواصل امتصاص عصارتها مع قليل من الماء بين الحين والآخر.

تستغرق عملية التخزين ما بين ساعتين وعشر ساعات يومياً. تبدأ بعد تناول وجبة الغداء وقد تمتد الى ساعات متقدمة من الليل. وغالباً ما يتم ذلك جماعياً، وفي مجالس خاصة يطلق عليها ديوان أو مفرج أو طيرمانة يتم التخطيط لها قبل بناء المنزل . وقد تنفق عائلات فقيرة نصف دخلها على القات .

 عبر هذا الطقس ألاجتماعي تحوّلت شجرة القات الى خطر حقيقي ، موقعة اليمن في دائرة من الكوارث الصحية والبيئية .

الصحة تتردى على أغصان القات

يثير القات جدلاً مستمراً في اليمن حول ما إذا كان مخدراً أم لا. فمنظمة الصحة العالمية أدرجته عام 1973 ضمن قائمة المواد المخدرة ، بعدما أثبتت أبحاثها على مدى ست سنوات احتواء نبتة القات على مادة "كاثين" ( Cathine ) المعروفة أيضاً بـ"نورسيدوفيدرين"

( Norpseudoephedrine ) المشابهة في تأثيرها لمادة "أمفيتامين" ( Amphetamine ). إلا أن المفهوم الشائع بين اليمنيين أنه يحتوي على بعض المنبهات فقط ، وعلى أي حال ، فإن مخاطره الصحية تكفي لحظر استهلاكه.

ضيف الله المطري احدى متعاطي القات وضحاياه يقول: " أدى تناولي كميات كبيرة من القات بشكل مستمر الى تراكم السموم في جسمي و تدهور حالتي الصحية. على اثر ذلك، اضطررت لاستئصال الدودة الزائدة وأصبت بالتهابات حادة في الأمعاء". ويضيف: "امتنعت عن تناول القات بعدما حذرني الطبيب وصنف حالتي بالسيئة "

ففي بادئ الآمر للقات تأثير كبير على الجهاز العصبي. يوضح أستاذ الاوعية الدموية والقلب في جامعة صنعاء الدكتور شرف العودي أن "ماضغي القات يمرون في مراحل مختلفة، تبدأ بمرحلة الانشراح الناتجة عن تنشيط الخلايا بمادة الكاثين ، وهي مرحلة تشبع الخلايا بهذه المادة، تعقبها مرحلة الاكتئاب نتيجة تعطش الخلايا لهذه المادة".

ويضيف " ان تعاطي القات يؤدي إلى تسارع ضربات القلب وارتفاع ضغط الدم مع حدوث تضييق للشرايين. محذرا من ان انتشار مرض سرطان الجهاز الهضمي في اليمن بشكل كبير هو نتيجة المبيدات المستخدمة زراعة في القات".

ويشرح الدكتور وليد هبة : ان تناول القات يؤدي الي ارتفاع نبضات القلب المزمن وهو ما يؤدي إلى عدم قدرة عضلة القلب على تحمل الجهد الزائد و صولا الي ضعفها وفشلها .

 وهذا يفسر انتشار امراض القلب في بنسبة عالية جدا "

وتشير دراسة لاستشاري أمراض المخ والأعصاب في جامعة العلوم والتكنولوجيا الدكتور حسني الجوشعي عام 2010م إلى أن للقات تأثيرات على القلب ويؤدي الي تليف الكبد.

وهي تربط الجوشعي بين ازدياد حالات السرطان في اليمن والإفراط في استخدام المبيدات السامة والمواد الكيميائية المحظورة عالمياً في زراعة القات لتسريع نموها.

وتلفت الدراسة إلى أن "متعاطي القات يتعرض لحالات مزمنة من الإمساك وسوء الهضم وفقدان الشهية".

ويعدد أطباء كثر مساوئ إدمان القات من زيادة نسبة السكر في الدم واحتمال الإصابة بداء السكري، مروراً بتقليل نسبة البروتين في الدم، وصولاً إلى التأثير على نمو الجسم كله. ولعل هذا ما قد يفسر الهزال وضعف البنية لدى غالبية المتعاطين في اليمن. بل ربما السبب الرئيسي هو سوء التغذية الذي يعتبر تعاطي القات احد مسبباته .

 
 

البيئة أيضاً تدفع الثمن

مثلما يضر القات بصحة الإنسان، سواء كان مخدراً أو منبهاً، فهو عنصر مبدد للمياه ومضر بالتربة والبيئة عموماً. وإذا كان تدخل الإنسان في الأنظمة البيئية يهدف إلى تأمين الغذاء عادة، فان ما يحدث في اليمن يهدف إلى تأمين الكيف لحوالي سبعة ملايين متعاطي قات.

وقد اظهرت دراسة للبنك الدولي عام 2006م ان 72في المئة من رجال اليمن و33 في المئة من نسائه يتعاطون القات ، اضافة الي اعداد متزايدة من الاطفال ،واشارات الدراسة الي ان واحدا من كل سبعة يمنيين يعملون في انتاج القات وتوزيعه ، ما يجعله اكبر مصدر للدخل في الريف وثاني اكبر مصدر للوظائف في البلاد بعد قطاعي الزراعة والرعي ليفوق القطاع العام .

هذا الكم لأجل الكيف شكل دافعاً لدى المزارعين لزيادة استخدام المبيدات الزراعية في المساحة المزروعة باشجار القات لجني الارباح السريعة .

وهذا ا نتج عنه آفات زراعية خطيرة وأخل بالتوازن البيئي، خصوصاً في غياب تطبيق القانون الذي ينظيم تداول مبيدات الآفات النباتية.

 هذه المبيدات، التي تقتل بكتيريا تثبيت "النيتروجين" (الآزوت) في التربة مسببة تدني خصوبتها. وتتفاعل النيترات( nitrate ) الموجود في التربة مع بعض المبيدات مكونة مادة سامة تلوث التربة والمياه الجوفية تمتصها النبتة و تخزنها في أنسجتها، مسببة أمراضاً سرطانية للإنسان .‏

 يوضح رئيس قسم الاراضي في كلية الزراعة في جامعة صنعاء الدكتور عبد الاله ابو غانم "ليست لشجرة القات تأثيرات سلبية على التربة التي تنمو فيها ، لكن المشكلة في التوجه السائد لدى المزارعين بالإفراط في استخدام المبيدات الزراعية لتسريع نمو القات".

ويضيف أن للمبيدات تأثيرات سلبية،مثل زيادة صلابة التربة التي تصعب تغلغل الجذور في حال استبدال القات بنباتات اخرى. والأراضي التي تزرع بالقات ثم تتحول إلى زراعة أخرى تفقد المواد الغذائية اللازمة لخواص الطعم في الخضر والفواكه ".

فوفقا لدراسة صادرة عن البنك الدولي لا يتطلب القات كميات كبيرة من الأسمدة غير العضوية ، إلا انه يعمل على امتصاص كميات كبيرة من العناصر الغذائية للتربة ، ويساهم في تدهورها " .

يروي المزارع حسين الرحبي من محافظة صنعاء "حتى نهاية التسعينات، كنا نستخدم التربة الناعمة لمكافحة الحشرات في اشجار القات والعنب. ومنذ استخدامنا المبيدات الزراعية دمر كثير من مزارع العنب والقات "

الأسلوب القديم لمكافحة الحشرات يسمى "التتريب". وهو يتم عبر رش تربة ناعمة جداً على الاشجار قبل شروق الشمس ،حين يكون الندى على الأوراق فتلتصق التربة الناعمة بها وتمنع الحشرات من الاقتراب. لكن هذه الطريقة بدأت بالاندثار مع انتشار تجارة المبيدات ومفهوم الربح السريع.

يقول الرحبي: " بعد ما حصل من دمار بسبب هذه المبيدات عاد مزارعون كثيرون الى استخدام الطريقة القديمة لأنها تحافظ على الاشجار من الموت".

أذى الإفراط في استخدام المبيدات الزراعية لحق بالنحالين ايضا. احمد ناجي مسعد، وهومربي نحل في منطقة تشتهر بزراعة اشجار القات، متحدثا عن خسارته : "استخدام المبيدات والسموم في رش أشجار القات باستمرار وبشكل عشوائي ادى الى موت اعداد كبيرة من النحل، بل الى موت خلايا بكاملها في بعض المواسم، ما سبب لنا خسائر فادحة ". مضيفا "لابد من وضع حد لهذه الشجرة التي سببت لنا المآسي، ولهذه المبيدات التي تحل علينا كل سنة بأصناف غريبة عجيبة".

استنزاف المياه 

المياه ايضا تدفع ثمن زراعة القات. وعلى رغم من قرب نضوب الموارد المائية في اليمن، يواصل المزارعون استنزاف الاحواض المائية عبر حفر آلاف الابار لري 260 مليون شجرة قات تستنزف نحو 50في المئة من المياه الجوفية المستخرجة .

وقد اازدادت المساحة المزروعة بالقات خلال العقود الاربعة الأخيرة بنحو 23 ضعـفاً، مرتفعة من سبعة آلاف هكتار عام 1970م الى 159 الف هكتار عام 2010م، أي ما يساوي 10في المئة من إجمالي المساحة المزروعة المروية في اليمن بحسب المركز الوطني للإحصاء لعام 2010 م.

 
 

رسم بياني يوضح نسبة مساحة زراعة القات في اليمن، المركز الوطني للإحصاء 2010 م

وتشير التقارير الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الي أن استهلاك القات للمياه يقدر بـ800 مليون متر مكعب سنويا لإنتاج 25 ألف طن ، أي أن الطن الواحد يستهلك 32 ألف متر مكعب من المياه، وقدر ان ربطة القات الواحدة تستهلك 16 متر مكعب من المياه.

أي 8في المئة من متوسط نصيب الفرد في اليمن من المياه سنوياً، طبقا لتقرير صدر عن منظمة الأغذية والزراعة "فاو" عام (1995).

 وتستهلك المزروعات المحيطة بمدينة صنعاء، على سبيل المثال، نصف الكمية المستخدمة للري والبالغة 60 مليون متر مكعب سنويا ، وتذهب الكمية الباقية لزراعة القات.

وفيما تتوالى التحذيرات لوضع حد لاستنزاف المياه الجوفية في زراعة القات، يواصل المزارعون استخدام الطرق التقليدية لريه ، كالغمر. ويحذر أبو غانم من "خطورة الوضع لأن القات يستنزف المياه من الاحواض على حساب المحاصيل الأخرى. ويعتبر أن "الكارثة وقعت في اليمن وهي مسالة وقت قبل جفاف حوض صنعاء ، لذا لابد من التفكير الجدي بوضع الحلول العلمية. مقترحا "استيراد القات والمحاصيل ذات الاستهلاك الكبير للمياه من اثيوبيا والصومال بدل زراعتها في اليمن ".

ويزرع القات على ارتفاع 1000-2400 متر فوق سطح البحر ، ويحتاج الي درجة حرارة تتراوح بين 16و25درجة مئوية .

والي جانب اليمن ،يزرع في اثيوبيا وكينيا والصومال وتنزانينا وتتوسع زراعته في اليمن الي كثير من المناطق ،بعد ان كانت محصورة في محافظتين هما تعز واب .

ويبلغ متوسط مساهمة القات في الناتج المحلي 6 في المئة حوالي 10.2 مليار ريال (ما يعادل 47 مليون دولار).أما عدد العاملين في القطاع، فيفوق 473 ألفاً، أي ما يمثل 25 في المئة من العاملين في القطاع الزراعي و 14 في المئة من إجمالي العمالة في كافة القطاعات حسب وثائق المؤتمر الوطني للقات 2002م 

وأدت زيادة الطلب على القات والارباح الكبيرة التي يجنيها المزارعون الي عزوفهم عن زراعة اشجار البن والعنب والحبوب وغيرها من المحاصيل والتركيز على زراعة القات وحده .

كما أدى انتشار زراعة القات في المناطق الهامشية إلى استصلاح بعض الأراضي بما في ذلك نقل التربة وإنشاء مدرجات زراعية جديدة في مناطق كانت جرداء وغير صالحة لزراعة أي محصول. لكن أبوغانم يؤكد أنه يمكن لآلاف الهكتارات التي تزرع بالقات يمكنها توفير نسبة كبيرة من الأمن الغذائي اليمني إذا زرعت بالفواكه والحبوب، داعيا الى تنظيم حملات توعية تستهدف المواطنين في الأرياف والمناطق النائية وإيجاد البدائل للمزارعين.

ويشير الدكتور محمد الحمدي من قسم الموارد المائية في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب اسيا (الاسكوا)الي ان العائدات المالية لكميات مياه الري هي الاعلى في محصول القات ،وهذا يفسر التحول من زراعة محاصيل اخرى الي زراعته .

لكنه مع ذلك يتم على حساب الميته الجوفية غير المتجددة .

ومن منظور اقتصادي ، يستهلك القات محليا ، وبذلك يساهم في العجز التجاري ،اذ يتطلب استيراد معدات حفر ومضخات وقطع غيار واسمدة ومبيدات وغير ذلك من متطلبات زراعته فضلا عن الاستهلاك المكثف لمصادر الطاقة المدعومة من اجلضخ المياه الجوفية لريه .

ويوكد الحمدي خطورة مشكلة المبيدات الي تستخدم بكثافة وعشوائية وتؤدي الي تلوث التربة والمياه الجوفية وتؤثر على صحة المتعاطين .

فالقات يمضغ طازجا ، ما يعني قطفة ونقله الي السوق وبيعة واستهلاكه في اليوم نفسه .

وللحفاظ على شكله الطازج والسليم ،يرشه المزارعون بالمبيدات ولا ينتظرون الوقت الكافي لزوال مفعولها قبل القطف والبيع ، الامر الذي يسمح ببقاء جزء كبير من المبيد الكيميائي ملتصقا بأوراق القات .

وهذا يؤدي الي تراكم السموم وزيادة تركيزها في جسم المتعاطي مسببة في كثير من الحالات امراض خبيثة يمكن ان تهدد النسيج الاجتماعي للمجتمع اليمني ،باعتبار معظم متعاطي القات من الشريحة العاملة والمعيلة لنسبة كبيرة من السكان .

ويرى الحمدي ان مكافحة القات تقتضي خطة شمولية تتضمن برامج متوسطة وطويلة الامد وكما في مكافحة التدخين ،تشمل تدابير اجتماعية ودينية وتوعوية وتدابير اقتصادية تفرض روادع مالية .لكن الاهم هو توافر الارادة السياسية لمكافحة هذه العادة المستشرية في اليمن .

حملات ودعوات لوقف زراعة القات

على رغم من "تخدير" القات لمعظم فئات المجتمع اليمني وتجاهل الحكومة لهذه الآفة، فإن لدى كثير من الشباب أملا في رؤية يمن بلا قات. "فالقات يعطي صورة سيئة عن اليمنيين ويدمر جوانب مختلفة من الحياة في البلد"، وفق الناشطة الإعلامية هند الإرياني. وذلك كان الدافع الذي حفزها لتبني حملات التوعية بمضار القات والدعوة الى منع تعاطيه. فحملتها الأولى "يوم بلا قات" في 12 كانون الثاني (يناير) الماضي لاقت رواجا كبيراً لدى اليمنيين، ما شجعها على اقامة الحملة الثانية تحت شعار "مراكز حكومية بلا قات" في 12 نيسان (أبريل)وهي قامت مع مجموعة من المحامين اليمنيين بتقديم مشروع قانون الي الحكومة بفرض عقوبات على من يستهلكون الموارد العامة على القات او يستخدمونه في المكاتب الحكومية .

وتشرح الارياني هدف الحملة بالقول: " إنها لتحريك المياه الراكدة بالنسبة لموضوع القات، الذي سيساعد فتحه الكثير من منظمات المجتمع المدني في محاربتة ، وسيجعل المواطن يشعر أن القات غير مرغوب فيه ". فزراعة القات تستنزف أكثر من نصف المياه الجوفية في بلد يعاني من الجفاف وإهمال بقية المزروعات وحتى اقتلاعها واستبدالها به لأنه أكثر ربحاً. والقات لا يمكن تصديره لأنه ممنوع في بقية الدول الاخرى وتلاحظ الارياني:"سياسياً يتم مناقشة قرارات مصيرية للبلد في جلسات القات ، مع اننا جميعا نعلم انها تبقى مجرد أفكار لا يعمل على تحقيقها. وبذلك أصبح القات يتحكم في اليمن اقتصاديا وزراعيا وصحيا وسياسيا ".

 
 

كادر صغير:

القات يستهلك البلاستيك

يمثل استهلاك كميات كبيرة من اكياس البلاستيك، أحد الآثار البيئية المدمرة للقات. فكل متعاط يحتاج يومياً إلى كيس بلاستيكي او عبوة يضع فيه اغصان القات. ورفع ذلك استهلاك اليمن الى الى 80 الف طن سنويا، ينتج منها 40 في المئة محليا ويستورد 60 في المئة من الخارج، حسب دراسة حديثة أعدها الدكتور عبد الوهاب صالح العوج ـ أستاذ الجيولوجيا المساعد في كلية العلوم في جامعة تعز .