المناطقية كتهمة, صارت تعز بحاجة إليها
بقلم/ رشاد الشرعبي
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و 5 أيام
الثلاثاء 24 يونيو-حزيران 2008 02:28 م

لم تتوقف الإتصالات منذ إبلاغي بخبر مقتل أحد أبناء منطقتي في منزله بتعز وعلى يد مدير أمن مديريتنا الأسبق, وحملت – الاتصالات – التعبير عن القلق من مصير للقضية قد لا يحقق العدالة, ثم العتاب لعدم الكتابة عنها وما تتعرض له من محاولات تمييع وضغوط للصلح القبلي.

لم أتعجل في الكتابة لأعذار كنت أسوقها للمتصلين منها أن ماجرى ليس سوى خبر, حيث والجاني في قبضة الأجهزة الأمنية والإجراءات القانونية تتجه بشكل طبيعي في طريق إحالتها للقضاء, رغم ما توفر له من سجن 5 نجوم وتجول أقاربه وقبائله في شوارع مدينة تعز ومؤسساتها والذين قدموا من خبان إب.   

 كان علي أن أبرر للمتصلين بأن الكتابة في مقال رأي أو غيره سيكون في حال لاحظنا إجراءات غير طبيعية والإنحراف بالقضية عن مسارها بإتجاه مخالف للقانون وتمييعها, وهو ما تشير إليه التطورات حالياً مع مايرافقه من ضغوط على أولياء دم القتيل لحرمانهم من حقهم في الإقتصاص من القاتل وفق شريعة الله التي نص عليها دستورنا وما انبثقت عنه من قوانين.

التوتر مسيطر على أبناء شرعب كلها جراء ذلك, والقلق من تمييع القضية يخيم على سماء تعز بسبب غياب الثقة بإستقلالية القضاء والإعتقاد الراسخ بخضوعه لرغبات ايادي خفية تحتكم لقانون القوة ولوبيات الفساد والإستبداد والمناطقية والقبلية, وهناك قضايا كثيرة كان الضحايا فيها من أبناء شرعب ومحافظة تعز عموماً وطالها التمييع والإجراءات غير القانونية والضغوط للقبول بالصلح المجحف و أخرى جمدت ولم تحسم قضائياً منذ سنوات مديدة.

جهود كبيرة تبذل حالياً لتمييع جريمة قتل الرائد عبده غالب حسن من قبل مدير أمن شرعب السلام سابقاً وشقيقه الأصغر, اللذان أقتحما منزله وأقدما على جريمتهما أمام أطفاله وفي عز الظهر.

محافظ تعز وهو من مديرية القتيل (شرعب السلام) كان قبل أيام قليلة قد أُعلن عن إنتخابه من جانب اعضاء المجالس المحلية بالمحافظة بمافيهم الأعضاء من شرعب, والمفترض أن يطمئن أبناء منطقتنا بأن القضية ستأخذ مسارها الطبيعي وسينظر فيها القضاء بإستقلالية وإنصاف ووفق الشرع والقانون.

لكن اسباب كثيرة تمنع تلك الثقة وهي ما يضاعف التوتر حالياً بصورة أكبر وقد يؤدي إلى نتائح كارثية, ومبعث ذلك ليس فقط مرتبط بالعلاقة والمصلحة الشخصية التي تجمع المحافظ بالجاني أوالتحركات لنافذين من منطقة القاتل الهادفة إلى تمييع القضية, جنباً إلى جنب مع ممارسة الضغوط على أولياء الدم لإنهاء القضية بصلح قبلي مجحف لايرضاه الله ولا النصوص التي تتضمنها جل القوانين والمواثيق الدولية.

وبغض النظر عما سيكون عليه موقف المحافظ, فنحن عرفناه كواحد من كثير من المسئولين المنتمين لتعز الذين يعملون كموظفين لدى القصر الرئاسي ولايمثلون أو يعبرون عن مصالح أبناء مناطقهم أو محافظتهم حتى ولو قذفت به لتلك المناصب أصوات الناخبين المزعومين سواءاً كعضو في مجلس النواب أو كمحافظ.

المحافظ عرفنا أدائه كموظف وممثل لمصالح القصر, وليس مصالح ناخبيه وأهله ومحافظته, وهو وزير في ثلاث حكومات متتالية, وكانت أنصع الأدلة قضية مقتل الشيخ عبدالسلام القيسي ومالحقها من تطورات أهمها نصب قبائل الحدأ المسلحين خيمهم المصروفة من المخازن الرسمية في منطقة الجندية بتعز إستعداداً لغزو مخلاف شرعب وتخليص أحد موظفيها من الأسر ونهب ما أمكن.

لكن أعتقد أنه صار من الواجب على المحافظ حسم أمره إبتداءاً من هذه القضية, حيث تم قتل أحد ضباط الأمن من قبل مسئول أمني نافذ وسفح دمه في غرفة نومه مع ترويع أهله وأطفاله.

 على الصوفي وهو رجل القانون المعروف ان يتناسى الروابط الشخصية التي تجمعه بالقاتل, و(يبهرر) قليلاً للحد من محاولات التمييع والضغوط التي تتعرض لها أسرة القتيل, وتكون (البهررة) وفق الشرع والقانون, من شأنه تحقيق العدالة وإتاحة الفرصة للقضاء ليقرر ما يبعث الطمأنينة لأبناء تعز كلها ويعيد لهم الثقة بالقضاء والنظام والقانون والمسئولين من أبناء محافظتهم.

في هذه الحالة سيحظى المحافظ بإلتفاف أبناء شرعب وتعز كلها, مادام وقد أختار الموازنة بين مصالحهم وواجبه الوطني والقانوني والديني والانساني وبين مصالح ورغبات القصر ومن يليه من نافذين, وبالتأكيد أن تحقيق تلك المصالح وتلبية الواجب لن يضر أبداً بمصالح القصر دون نافذيه.

 وإذا كانت أيادي أقارب الجاني والنافذين من أبناء منطقته (طائلة) وأكبر من قدرة المحافظ وصلاحياته القانونية, فعليه أن يساعدنا في (نبش) قضايانا وفجائعنا الكثيرة والتي جمدت أو تبخرت أو حلت بصلح مجحف لأن الضحايا فيها من أبناء شرعب وتعز.

عليه ان يساعدنا في التعرف على مصير آخر قضية, والتي اعتدى فيها ضابط على موظف في مقر عمله وسط العاصمة وأقتاده إلى سجن رسمي بطريقة رجال العصابات الخارجة عن القانون, وما مصير قضية مقتل نجل مدير ضرائب العاصمة على يد نجل مسئول أمني ينتمي لمنطقة قريبة لمنطقة القاتل الأخير؟ وما مصير قضية مقتل الضابط الكامل في إب رغم أنه كان لايزال محتفياً بإنتخابه عضوا للمجلس المحلي عن المؤتمر الشعبي؟.

ليسأل المحافظ نفسه, لماذا كان على الأب (علي فرحان) المفجوع بفقدان طفله (روحاً وجسداً), أن يظل شهراً كاملاً يدفع الإتاوات ويبحث عن وجاهات للكشف عن مصير نجله وجثته بعد الوصول إلى الجاني الذي دهسه وفر وتبين مؤخراً أنه رمى بالجثة في دار سلم بصنعاء لتنهشها الكلاب وسيكون من الصعب إنفاذ القانون في الجاني لأنه من ذمار.

في ذات الوقت من السهل على اقارب قاتل الضابط عبده غالب ان يتجولون في شوارع تعز متبخترين ويلوحون بالتحدي ويقدمون الشهود الزور ويتحركون لإثبات أن القتيل قتل نفسه ولم يُقتحم منزله, بل زادوا على ذلك بأنه المعتدي على الجاني وشقيقه؟.

وياترى, هل رشاد فرحان الذي تعرض لإعتداء وحشي في مقر عمله ومن ثم إختطافه ليس موظفاً عاماً لدى ذات الدولة التي استفزها ما تعرض له القوسي فحاصرت بآلياتها وجيوشها وقبائلها المنطقة لأكثر من أسبوع بمبرر القبض على من أعتدوا على الموظف العام؟, وهل الضابط عبده غالب مواطنته ناقصة وليست كمواطنة قاتله الضابط (جميل عوضه)؟.

هاهم خيرة شبابنا (جنوداً وضباطاً) يقدمون أرواحهم رخيصة لأجل الوطن والثورة في صعدة وغيرها – كما يقول إعلام النظام-, وأخبار إستشهادهم تصلنا تباعاً منذ 4 سنوات, فيما السلطة تثبت مع كل قضية لنا وفي كل فاجعة أن مواطتنا لازالت ناقصة ولا ترقى إلى مستوى يمنحنا الحق في الإقتصاص لقتلانا من القتلة حق إياهم مهما كان إخلاص أولئك القتلى للحزب الحاكم وحجم ولائهم للقصر ومستوى رتبهم ومناصبهم ووظائفهم العسكرية والمدنية أو آبائهم.

لو وضعنا جردة حساب لقضايانا الكثيرة وخلال سنوات معدودة على مستوى شرعب وحدها بالتأكيد سنُفجع بها, فما بالنا بقتلى تعز كلها, ماذا عن قضية المهندس نبيل الذي قتل في قفص المحكمة, وأيضاً قتيل منطقة دار سلم الذي غدر به أتباع شيخ سنحان عام 2000م, ونجل أحد قياداتنا العسكرية الذي قتل مع إثنين من أقاربه بالقرب من الفرقة الأولى مدرع, وأبناء العقيد القتلى في منطقة مذبح, و..و..و...إلخ.

لسنوات كان علينا لزاماً أن نتلقي أخبار مصرع قتلانا على أيدي المتعجرفين والنافذين بإستمرار, وعض شفاهنا حسرة والحزن عليهم لفترة قصيرة ثم ننساهم بفعل فجائع جديدة, وظللنا حبيسي الحسرة والحزن والمشارعة غير مطمئنة النتائج, والمبرر هو التهمة لنا من أعلى مستوى في الدولة بأننا مناطقيين وقرويين.

الآلاف من الشهداء قدماهم دفاعاً عن الثورة والوحدة والنظام والقانون أوقتلى بأيدي المتعجرفين في كل أنحاء اليمن, ورغم ذلك لازالت سياط الحاكم تلسع ظهورنا بالتهمة الدائمة (مناطقيين وقرويين ومتآمرين), وكلما حاولنا بأصابع مقصوصة الأظافر الدفاع عن حقوقنا ومواطتنا وخياراتنا لوح الحاكم بتهمته المعتادة ويجلدنا بذنب توهمه لنصمت ونزهد حتى عن الأنين من أوجاعنا.

كانت قضية مقتل الشيخ القيسي وماتلاها بداية لعهد جديد أعادنا بصورة منطقية وصحيحة لخندق المنطقة والقبيلة وقد يتطور إلى مستوى الثأر لقتلانا بعيداً عن سلطة القضاء وعلى طريقة الآخرين, والذي من شأنه أن يرتقي بمواطنتنا الناقصة لدى نظام لايفهم ولايتقن إلا هذه اللغة وإن تعارضت مع ماكنا قد أنغمسنا فيه من حياة مدنية ونبذ للتعصب والمناطقية وتسليم ورضوخ للنظام والقانون.

الدولة (سلطة تنفيذية و قضائية) أمام إمتحان صعب, ليس في القضية الأخيرة وحدها, ولكن كل القضايا المجمدة أو التي تم تمييعها أو عرقلتها أو التحايل فيها, إما أن تعمل على تخفيف حالة العودة للتخندق المناطقي والقبلي الهادف الى الوصول للعدالة أو الإستمرار في النهج القائم والذي سيقود إلى أوضاع أسوأ مماكان ويسقط ماتبقى من رغبة وهيبة وتسليم للنظام والقانون وثقافة مدنية كادت ان تتشكل.

Rashadali888@gmail.com