هذا ما حصل على الرغم من غرابته
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 14 سنة و شهر و 10 أيام
الخميس 07 أكتوبر-تشرين الأول 2010 11:22 م
لا أذهب إلى الملحقية (الثقافية) اليمنية في القاهرة إلا نادرا ومضطرا، وأيضا في حال تقديم خدمة لأحد الأصدقاء. وقد اضطررت يوم الخميس الموافق 7/10/2010م إلى الذهاب إلى الملحقية مسرعا أسابق الزمن خوف فوات الوقت من دون أن أقضي حاجتي؛ وهي متطلبات للجامعة التي أدرس فيها. وصلت – والحمد لله - إلى الملحقية (الثقافية) وأنا أتصبب عرقا من الحر وزحمة (المترو) المسافة طويلة من مصر الجديدة إلى الدقي مكان الملحقية، وعندما وصلت ورأيت ما رأيت زاد عرقي تصببا ولكن هذه المرة ليس من حرارة الشمس أو زحمة المترو، ولكن من المنظر الذي رأيته؛ إذ هو لا يسر الناظرين.
رأيت طلابا يمنين دراسات عليا جالسين على الأرض أو قل على ترابها وهم في الوقت نفسه بجوار الملحقية [الثقافية]، فاستغربت كثيرا لجلوسهم هكذا في شارع عام (واللي ما يشتري يتفرج). وكان استغرابي منطقيا إلى حد بعيد؛ لأن الملحقية – بحسب علمي وعلم الجميع -مكتظة بالكراسي، وهي أيضا متسعة وفيها الكثير من الغرف لكن قالوا الوسع بالقلوب وإذا كانت هذه الأخير ضيقة لا يسع الطلاب حتى الفيفاء.
وعندما رأيت ذلك المنظر من بعيد حدثتني نفسي: هؤلاء الطلاب مضربون أو معتصمون من كثرة المشاكل التي نلاقيها، ثم حدثتني نفسي حديثا آخر: لا. الملحقية ممتلئة بالطلاب، إذ مشاكلنا لا تنقد - إلا إذا نفد ماء البحر- وهؤلاء لم يجدوا مكانا شاغرا فيها فقعدوا على الأرض راغمين لا راغبين. وقطعت حديث نفسي ومعه بعض الشكوك واتجهت صوب الباب لكي أدخل وأفهم الموضوع وأقطع الشك باليقين .
وعندما اقتربت من باب حوش الملحقية وجدت الباب مشدودا بالسلاسل والأغلال عفوا والأقفال، وعندها سارعت إلى الطلاب – مستفسرا- : ما الأمر ؟ لم أنتم جالسون هكذا على الأرض وفي التراب ؟ ولم الملحقية مغلقة ؟ هل اليوم إجازة ؟ رد أحد الطلاب الجالسين على التراب لا. ليست هناك أي إجازة والمسئولون عنا -[أمام الله]- في الداخل لكنهم مشغولون.
عجبت حينها كيف بنا وهذا وضع المتعلمين الدارسين جيل المستقل الواعد، يأتون من مسافات بعيدة، ومن محافظات غير محافظة القاهرة؛ إذ سمعت أحد الجالسين على التراب يقول إنه أتى من أسيوط (مسافة 5 ساعات بالقطر) ومع كل ذلك لا يسمح لهم بالدخول وهم جاءوا أصلا للدخول. ومع أنهم لم يسمح لهم بالدخول ارتضوا لأنفسهم أن يجلسوا على تراب الأرض والملحقية [الثقافية] مكتظة – كما سلف بالكراسي- وقد كان الأفضل لهم العودة إلى البيوت وإن كان بعضهم بيته في أسيوط !! أبت نفسه أن يرجع كل تلك المسافة من دون حتى خفي حنين.
أساتذة الجامعات يجلسون على الشارع العام والتراب وأبواب الملحقية توصد دونهم أبوابها عيب وأي عيب أن يحدث مثل ذلك، وأن يرتضيه الطلاب لأنفسهم، وهم قد جاءوا أصلا للدخول وقضاء حاجاتهم، وكان الأجدر بهم ما دام لم يفتح لهم أن يرجعوا إلى البيوت حتى وإن عادوا خائبي الرجاء أما أن يجلسوا على الأرض بجوار الملحقية وفي شارع عام؛ فإنَّهُ وضع لا يليق لا بالطلاب أنفسهم ولا بالمسئولين الذين هم في الملحقية. وحتى على افتراض أن يوم الخميس يوم خاص بالملحقية وبالعمل الإداري ولا تقبل فيه معاملات – وإن كان هذا الأمر غير منطقي ولا معقول – فهل هذا يعني أن من جاء من محافظات بعدية وهو لا يعلم، خلاص تصفد الأبواب في وجهه ولا يبقى له سوى الشارع مكانا للجلوس، إن ما رأيته يوم الخميس شيء غير مقبول ولا معقول. نحن في زمن غير المنطقي فيه هو عين المنطق وغير المعقول هو عين المعقول والله المستعان.
وهناك حصل بعض الشد والجذب في أثناء محاولة طالب الدخول - نفسي تربأ عن التطرق إلى تفاصيله، بيد أن قوة الشد والجذب أدى إلى خلع الباب، لأن طالبا أراد الدخول - وهو خط أحمر-؛ إذ استعمل معه أحد موظفي السفارة (مصري الجنسية) عضلاته وحاول منعه بالقوة من الدخول، وهذا الفتوة أكيد لا يتصرف بمثل ذلك تصرف -لا يليق- إلا بأضواء خضراء ممن هم في الداخل. وذلك الشد والجذب بين الطالب والموظف لم يكن لشيء إلا لأن الطالب لم يرتضي ذل الجلوس على الرصيف كما ارتضاه زملاؤه، ولم ترض نفسه أن يعود بخفي حنين، وحاول الدخول مصرا حيث اقتنص فرصة خروج أحد الأشخاص - لعله كان من المصرح لهم الدخول يوم الخميس- وهذا الطالب الذي حاول الدخول كان حظه متعثرا كحظ زملائه إذ جاءوا يوم الخميس؛ لأجل الدخول فرأوا الباب مغلقا بيد أنه أصر على الدخول وهو لا يعلم بأن يوم الخميس يوم أعوج غير بقية أيام العمل فحصل ما حصل.