سعودي في ضيافة حسين الأحمر
بقلم/ سعد بن عمر
نشر منذ: 15 سنة و 9 أشهر و يوم واحد
الجمعة 13 فبراير-شباط 2009 05:56 م

قدمت إلى بلاد اليمن السعيد عبر منفذ الخضراء من المملكة العربية السعودية في تاريخ 10/1/1430هـ وكنت احمل في خاطري ذكريات عطرة عن بلاد الحكمة بلاد القلوب الرقيقة وبلاد القبائل العربية من زيارة سابقة، وبرفقتي في السيارة التي منيت نفسي أن احمل فيها عند العودة من المصنوعات اليمنية مرافق من أهالي صعده. التفت إليه عند وصولنا إلى مشارف المدينة وقلت له: الآن نحن تحت كفالتك يا شيخ حسين.

وعندما وصلنا إلى مدينة صعده وجدنا اثأر الأحداث الأخيرة ظاهرة ومؤلمة نسأل الله أن يجنب بلاد اليمن كافة كل مكروه ويوحد قلوبهم بعد أن وحد بلادهم، وبتنا في فندق كان الأجمل ولم يكن جميلا.. وفي الصباح غادرنا المدينة بعد مقابلة بعض أقارب مرافقنا الذين أخبرونا أن أمامنا بعض (التقطعات) وناشدونا بتغيير الطريق أو التخلي عن مرافقنا .

لكن على معرفة عادات وشهامة الأخوة في هذه المناطق استمريت على رأيي بالسير في الطريق ذاته وبمرافقة الشيخ حسين.. لكننا بعد ان قربنا من التوقف عند أول مركز من هذه المراكز التفت عليه وقلت : يا شيخ حسين اعتقد انك لازلت تحت كفالتنا .. وأومأت له بعدم الكلام مع من نقابل، ففهم ما أقصده وضحك ثم خلع شاله وقال (توك .. توك..) استوقفنا شاب يحمل (آلي) ووراءه وقف اثنان آخران بنفس الهيئة وقال: ما كنت ناوي تتوقف؟؟ فأجبته: اعتقدت انك لا تنوي إيقافنا ونحن تحت الأمر.. الأخوة من السعودية؟ نعم .. طال عمرك. تفضلوا .. الله يرعاكم ..شكرا يا أخوان.. بعد عشرين مترا تقريبا قال مرافقي يا بو محمد فأجبته.. قال ( و مكفولون في اليمن)؟؟

المهم وصلنا (صنعا اليمن) كما يطلق عليها الأهل كأن هناك صنعاء أخرى غير تلك، وأصر احد مرافقي على السماح للشيخ حسين للعودة إلى صعده لتمضية بعض الوقت لحين مرورنا بصعده لنصطحبه معنا الى السعودية ولكنني لا اعلم كيف يعبر تلك المراكز من دون (كفيل)؟؟.

وجدنا صنعاء حقا جميلة والحياة فيها نشيطه والطرق سليمة ومرتبه والشركات والمؤسسات غير تلك التي رأينها عام 1996والمباني الضخمة منتشرة وأعجبتني كثيرا المباني الحكومية التي بنيت بوحي من التراث المعماري اليمني وعلى شاكلة البنك المركزي.. والأكثر إعجابا أن اليمن حكومة وشعبا لم يتعدوا على التراث بالهدم و البناء، إذ هذه من عصور الحكومات والدول السابقة لازالت قائمة شاهدة.. أما نحن فأغرتنا المدنية وأشياء أخرى فقمنا بإزالة معظم المباني التاريخية بل وصل الطمع حتى بيوت الإباء، نهدمها لنقيم عليها مبنى إسمنتي كان لم يكن لدينا أوسع ارض في المنطقة..

في اليوم التالي عصرا توجهت لدارة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر المشهورة والتي تعتبر إحدى علامات صنعاء واستوقفتني مجموعة الحرس التي ظهرت عليهم القيافة العسكرية غير تلك التي رأيتها في المرة السابقة، وبعد مساءلة وتحويل من شخص إلى آخر أخذني احد المسئولين في القصر الذي ألحيت على طلب مقابله الشيخ حسين بن عبد الله لمعرفتي السابقة بوالده فدخلنا في البداية إلى صالة كبيرة بنيت بأعمدة من رخام فوجدت الناس على جنبات الصالة في غير تنظيم، ولكن الأكثرية في الداخل، وأومأ لي المرافق بالدخول .. يا للهول ما هذا .. عندما جلت بنظري إلى الداخل رأيت مجلس عربي بطول عشرين مترا تقريبا في ثمانيا عرض وأنت لا تكاد ترى القرش إذا وقع من كثرة الناس وتلاصقهم في الجلسة، وأوراق وعيدان الإعشاب ( القات) متناثرة تحت الأرجل وعلى أطراف الثياب والسيقان، والرائحة غير لائقة بمجلس يضم رجال أفاضل وزعماء ووجهاء القوم,,

جلت بنظري لعلي أجد الشيخ هاشا باشا يقوم لي من وراء مكتبه ليستقبل القادم الذي يبدو عليه انه من خارج المنطقة .. فلم يتحرك أحدا لي من الجلسة بالنهوض أو بالترحيب.. أشار إلي أحد الخارجين بان الرجل الجالس هناك وأمامه شخص يتحدث على ركبتيه والرؤوس والأنظار إليه هو الشيخ حسين.. فتقدمت وانتصبت أمامه ليأذن لي بالجلوس أو بالتقدم إليه وهو متكأ على يساره .. فلم يفعل.

أخيرا جذب احد الناس الجالسين القرفصاء طرف ثوبي - والغالبية على هذه الجلسة- بأن اجلس حتى يومأ لك بالتقدم .. قلت ( في نفسي) حسنا لكل بلاد عادات لكن لا أحد يعير القادم بالا .. فتقدمت بعد لأي وجهد وسلمت بتحية الإسلام وقلت أنا قادم من السعودية قاصدا حضرتكم .. فأجاب ( أش عندك).. قلت أريد التشرف بالتحدث معك على انفراد.. (وقد خجلت أن أحدثه بم وفدت إليه بشأنه وهو بهذه الحالة من الاستهتار بالقادم وعدم رد السلام والسؤال عن حال الغريب والبحث عن دعوه من هذا المسافر التي قد تجد بابا مفتوحا..) فازداد رده جفوة وقال ما عندي وقت لك .. فرجعت القهقرى .. وصورة الحكم الأمامي ومجالس العهود السابقة وما صورت لنا من جهل وغير ذلك في فلم أمام ناظري حتى غادرت القصر..

عندما دار محرك سيارتي قال لي مرافقي أنشاء الله انقضى لازمك ولقيت الشيخ حسين؟.. قلت له لازمي عبارة عن دين في ذمة والده الشيخ عبد الله بن حسين عندما زار الرياض في الزيارة التي سبقت زيارة المرض ودخوله المستشفى، اذ قابلته في فندق قصر المؤتمرات ودعوته لتشريف محلي وإكرامه.. ووافق وقال أمهلني حتى يسمح لي الطبيب، وأعطى التعليمات لأحد الكتاب لديه بحجز موعد لنا.. ولان القدر سبق فوددت أن يسددني الشيخ حسين دين والده.. قال مرافقي: ما تخلوا كرمكم يا أهل بيشة؟؟

* مواطن سعودي كان في اليمن للزيارة

Saadbinomar@hotmail.com