سيناريوهات مستقبل العلاقة بين إيران والغرب
بقلم/ عبد المجيد الغيلي
نشر منذ: 15 سنة و 4 أشهر و 18 يوماً
الأحد 09 أغسطس-آب 2009 01:35 ص

دخلت العلاقة بين إيران والغرب في مرحلة حساسة، وتصاعدت وتيرة الخطاب بين الطرفين، وبدأ كل طرف يستخدم أسلحته الخطابية بقوة، وخصوصا في الشهر الأخير. وهذا يفرض مجموعة من الأسئلة: هل فعلا يتجه الوضع إلى إشعال حرب حقيقية بين الطرفين؟ أم أنه سيتم تسوية الوضع بطريقة ودية؟ أم أن الحرب ستكون بينهما على غرار الحرب الباردة؟ ولكنها حرب باردة إقليمية؟ وما مصير المنطقة في حال نشوب الحرب؟ كل هذه الأسئلة تفرض نفسها بقوة على المتأمل في المرحلة الراهنة.

من أوروبا إلى الشرق الأوسط

دعونا نرجع قليلا نتأمل حوادث التاريخ القريب، فلقد مثلت بداية القرن العشرين مرحلة حاسمة من مراحل البشرية، وكانت محطة لتغيير هائل في مصير الأمم. في عام 1914م نشبت الحرب العالمية الأولى، وكانت هذه الحرب النقطة الكبرى التي بدأ عندها انهيار النظام الدولي القائم، يتهاوي عروش خمس إمبراطوريات، وإضعاف للقوى الأوروبية، وبروز كبير للنجم الأمريكي. ثم جاءت الأزمة المالية عام1929م لتجهز على قوة أوروبا الاقتصادية، وأخيرا جاءت الحرب العالمية الثانية 1939م لتدمر أوروبا تدميرا حقيقيا، وتمحوها كقوة عالمية إلى الأبد ـ وخرج الظافر الحقيقي من الحرب الولايات المتحدة الأمريكية. وكانت بحاجة إلى عدو حتى لا تنهار!

بعد الحرب العالمية الثانية اشتعل فتيل الحرب الباردة، بعد عدة إجراءات، جعلت من هذه الحرب تهديدا كبيرا لمصالح أمريكا وحلفائها، هذه الإجراءات تمثلت أولا: في إنهاء الإمبراطورية الروسية التي لا تمثل خطرا أيديولوجيا على أوروبا، ودعم الثورة الشيوعية في الوصول إلى الحكم عام 1917م. وثانيا: في القضاء على القوى الاستعمارية الأوروبية، وتهيئة الجو أمام الاتحاد السوفيتي كقوة دولية عظمى، وثالثا: في إقحام الاتحاد السوفيتي إلى أوروبا وإقامة ستار حديدي بين شرقي أوروبا وغربيها، ورابعا: في وجود الولايات المتحدة الأمريكية بهيمنتها السياسية والعسكرية والاقتصادية في أوروبا التي أنهكتها الحروب. وبعد هذه المراحل تم تدشين الحرب الباردة. وكانت النتيجة خضوع أوروبا.

الحرب الشرق أوسطية الباردة

أما في نهاية القرن العشرين، وخصوصا منذ السبعينات، فقد انتقلت البؤرة من أوروبا إلى منطقة الشرق الأوسط. ففي سبعينات القرن العشرين بدأ تنفيذ مخطط الهيمنة الشمولية الأمريكية على الشرق الأوسط، ولقد تفتقت العقلية القيادية عن إنشاء حرب باردة إقليمية، بإيجاد خطر حقيقي لمناطق الإقليم، ووقع الاختيار على إيران. ولكن إيران الشاه لم تكن مؤهلة لخوض هذه الحرب الباردة لاعتبارات كثيرة، مثلها في ذلك مثل روسيا القيصرية. وبرغم أن إيران الشاه كانت حليفا كبيرا لأمريكا، فقد دعمت أمريكا الثورة الإسلامية، حيث أرسل مجلس الأمن القومي الأمريكي في ذروة الأزمة الجنرال روبرت هويزر القائد العام للقوات الأمريكية في أوروبا إلى طهران، والتقى بجنرالات الجيش الإيراني ومنعهم من تنفيذ أوامر الشاه بسحق الانتفاضة، مقابل عدم إعدامهم، كما أقنع المبعوث الأمريكي الشاه نفسه بمغادرة إيران.

وبهذا بدا أن قيادة الثورة هم أقرب إلى أن يكونوا طرفا في حرب إقليمية من قيادة النظام السابق، وخصوصا مع جذور الخلاف التاريخي بين السنة والشيعة، ولهذا تم إذكاء الروح العدائية بين السنة والشيعة، وبين الفرس والعرب، باعتبار أن الثورة الخمينية هي ثورة مجوسية، فارسية تهدف إلى إسقاط النظام العربي وسخرت لها أجهزة الإعلام العربية.

إذن كان إيجاد أيدلوجيا تهدد الدول السنية هو النجاح الأول لإشعال الحرب الباردة، وكان النجاح الثاني هو تهديد العالم العربي بخطورة الثورة الإيرانية، وأنها تهدف إلى تصديرها إلى أنحاء العالم العربي، وأنها تمثل تهديدا حقيقيا لأنظمة الحكم العربية، ولهذا صرح الخميني بأن الطريق إلى القدس يمر عبر بغداد. تماما كما حدث التهديد بالخطر الشيوعي وتصدير الشيوعية إلى العالم في الحرب الباردة الأولى.

أما النجاح الثالث فتمثل في إشعال فتيل الحرب بين إيران والعراق، وبغض النظر عن من كان صاحب الطلقة الأولى، فإن الحرب اشتعلت واستمرت لمدة ثمانية أعوام، وقد تركت الدول العظمى الخصمين يتصارعان؛ لمزيد من الاستنزاف والاستقطاب. أما الاستنزاف فيهدف بالدرجة الأولى إلى إنهاك قوة الجيش العراقي، ولقد تم ذلك رغم خروج العراق من الحرب قوة منتصرة، وبعتاد كبير،إلا أن وضع العراق ماليا كان في تدهور كبير، وهذا بدوره يؤثر على قوة الجيش.

وأما الاستقطاب فيستهدف إلى تمحور الدول العربية وشعوب العالم العربي حول الهدف المقدس للحرب، فالشعوب ترى أن العراق حقيقة تقف في وجه المد الشيعي، ولهذا توافد كثير من المتطوعين من البلدان العربية إلى العراق للوقوف أمام الهجمة الشيعية، وعزز ذلك مواقف كثير من العلماء والمفكرين الإسلاميين باسترجاع التاريخ الأسود للمؤامرات الشيعية التي تخفي وراءها أهدافا مجوسية فارسية مرورا بأبي مسلم الخراساني، وابن العلقمي. أما الحكام فرأوا أن العراق هي القوة التي تقف أمام الأطماع السياسية الإيرانية، وخصوصا في منطقة الخليج العربي. إذن الحرب حققت نجاحا آخر في التمهيد لقيام حرب باردة إقليمية.

وأما النجاح الرابع فتمثل في دخول القوات الأمريكية إلى المنطقة، بعد توريط العراق في احتلال الكويت بضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية كما يشهد بذلك لقاء صدام حسين مع السفيرة الأمريكية في العراق آنذاك غلاسبي الذي جرى قبل غزو الكويت بأيام. وأما النجاح الأخير فهو إضعاف العراق كقوة إقليمية، عبر سلسلة من الإجراءات الاقتصادية، والعزل السياسي، والضربات العسكرية، مما هيأ بذلك الفرصة لإيران لتكون هي القوة الإقليمية في المنطقة بلا منازع.

هذه النجاحات الخمسة رافقها إضعاف لكافة القوى الإقليمية التي يمكن أن تشكل خطرا على إيران، وأولها العراق، وثانيها باكستان النووية عبر سلسلة من الإجراءات والتحالفات، حتى أصبحت باكستان دمية في يد الأمريكان، وثالثها ضرب العمق الاستراتيجي لباكستان، وهو العمق المتمثل في أفغانستان، وبهذا تم تفريغ المنطقة من كافة القوى الإقليمية.

وحتى تكتمل لعبة الحرب الباردة فلا بد من إيجاد محور في المنطقة يدور حول الفلك الإيراني، وهذا المحور يتمثل في ما تسميه أمريكا محور الشر، وهو سوريا وحزب الله بجوار إيران. ثم تحريض محور الاعتدال ـ كما تسميه أمريكا ضد محور الشر، وتأجيج العداوة بينهم، كتأجيجها سابقا بين الاشتراكية الشرقية والديمقراطية الغربية. وأرجو ألا يفهم كلامي على أنه اتهام لإيران ومن يدور في محورها بأن هذه مؤامرة منها مع الغرب، فحديثي بعيد عن تهمة المؤامرة، إنما يحلل الحدث ويبين الهدف، وسواء تدرك إيران اللعبة أم لا فإن هذا هو الواقع، ولا أشك في أن إيران بعيدة عن التواطؤ مع الغرب، وإنما تهدف إلى تقوية نفوذها، وحماية مصالحها في المنطقة.

نتائج الحرب الباردة الإقليمية

لهذه الحرب نتائج عديدة على الساحة، برز بعضها، والبعض الآخر ما زال ضمن الأجندات القادمة. ومن النتائج التي ظهرت: تشغيل مصانع السلاح وخصوصا الأمريكية خلال الحرب الخليجية الأولى، والثانية، تم جر دول الخليج إلى عقد صفقات التسلح الهائلة مع الشركات الأمريكية خوفا من الخطر الإيراني. ومن النتائج أيضا: إخضاع المنطقة لهيمنة واشنطن المباشرة، وتفريغها من قوى المقاومة بالتدريج إما بتهمة الخطر الإيراني، وإما بتهمة الإرهاب. ومنها: تحقيق التجزئة والتفتيت للنظام العربي، ومنها: إرهاب دول العالم بمصير النظام العراقي في حال تمردها على الهيمنة الإمبريالية.

ومن الأجندات التي لم يتم فرضها تماما ولكن المحاولة حثيثة: تسوية الصراع العربي الإسرائيلي وفق الرؤية الأمريكية، وصرف أنظار العرب عن عداوة إسرائيل إلى عدو آخر، وهو إيران. ومن الأجندات أيضا إقامة شرق أوسط مؤمرك، تكون إسرائيل صاحبة القوة النافذة فيه، وربط المنطقة بمجموعة من التحالفات العسكرية، والاتفاقيات الاقتصادية، والسياسات المرتبطة بمصالح الغرب ـ تماما كما حدث لأوروبا في الحرب الباردة. وعليه سيكون هناك: حلف الخليج العسكري على غرار حلف الناتو، والاتحاد الشرق أوسطي على غرار الاتحاد الأوروبي، والسوق الشرق أوسطية على غرار السوق الأوروبية المشتركة. ولا بأس من ذلك ما دام تحت المظلة الأمريكية، وقل عند ذلك: على شيء اسمه العرب السلام.

أزمة مالية بين حربين

كما رأينا جاءت الأزمة المالية1929م بعد الحرب العالمية الأولى، مما هيأت الفرصة لخوض حرب عالمية ثانية، تم توفير المناخ الملائم لها، وكانت الحرب العالمية الثانية فرصة لأمريكا خرجت بعدها وهي الدولة المسيطرة اقتصاديا وعسكريا وسياسيا على العالم، وازدهر الاقتصاد الأمريكي، ثم دخل العالم حربا باردة استمرت لمدة خمسين سنة. أما في الشرق الأوسط فكان الأمر مختلفا قليلا، حيث بدأت الهيمنة الأمريكية بالتمهيد لتقوية إيران كقوة إقليمية، ثم جاءت الحرب الشرق أوسطية الأولى المتمثلة في ضرب أفغانستان، وتدمير العراق، ثم جاءت الأزمة المالية العالمية، وها هو التحضير الآن للحرب الشرق أوسطية الثانية. وهو هدف من أهداف الأزمة المالية التي تحدثنا عنها في المقال السابق.

لقد بدا أن الحرب الباردة الإقليمية قد حققت أهدافها إلى حد كبير، ولم يبق إلا الإعلان النهائي لانتهائها، ولن تكون نهايتها كما انتهت تلك الحرب بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، إنما لا بد لها من نهاية مختلفة، تضع حدا لطموح أي دولة أخرى تريد أن تتجاوز الخطوط الحمراء في التعامل مع الإمبراطورية العظمى. فليست المشكلة مشكلة المفاعل النووي الإيراني فهي قصة تحاك كما حيكت قصة أسلحة الدمار الشامل على العراق، من أجل إلهاء الناس بهذه القصة، وصرف الأنظار عن المخطط الحقيقي. فالقضية أن إيران متمردة على الغطرسة الإمبريالية، ولا بد من وضع حد لهذا التمرد.

وفي هذا السياق نقرأ التصعيد الكبير والحملة القوية بين الغرب وإسرائيل من جهة وبين إيران من جهة ثانية، وفي هذا السياق أيضا نقرأ الاستعداد الإسرائيلي لضرب إيران، والمناورات التي أجرتها إسرائيل لشن الحرب على إيران. وفي هذا السياق نقرأ الضوء الأخضر الذي أعطاه نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن ردا على سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة ستقف في طريق إسرائيل ونظرتها إلى الطموحات النووية الإيرانية كتهديد وجودي لها- أن واشنطن لا تستطيع أن تملي "على دولة أخرى ذات سيادة ما الذي يمكنها وما الذي لا يمكنها أن تفعله عند اتخاذها قرارا يتعلق بتهديد وجودي"، كما نقرأ تصاعد الاحتجاجات الشعبية على نتائج الانتخابات، ولا ننسى أن الثورة الإيرانية حدثت إثر مظاهرات عارمة اجتاحت طهران.

وفي المقابل فإن إيران ليست بالدولة الضعيفة كالعراق، وتؤكد أن الرد الإيراني على أي هجوم سيكون حاسما وحقيقيا، وأن الولايات المتحدة وإسرائيل تدركان عواقب مثل هذا التصرف الخاطئ الذي يمثل تهديدا للمنطقة والعالم بأسره.

يستبعد كثيرون نشوب الحرب متعللين بالأوراق التي تستطيع أن تلعبها إيران في حال نشوب الحرب، وعن تهديدها لأمن إسرائيل ومصالح الغرب في المنطقة، وأن ذلك سيكون ذا آثار مدمرة على إسرائيل خصوصا، وعلى مصالح الغرب في منطقة الخليج العربي ـ ولكن كل ذلك سيكون هينا مقابل الخطر الذي ستمثله إيران إذا امتلكت السلاح النووي، واستمرت في تحدي الهيمنة الإمبريالية.

كما يستبعد آخرون الحرب؛ نظرا لأن إيران تمثل قوة نووية، أو تكاد تمثلها، وأن الحرب إذا اشتعلت فإن الآثار التدميرية للنووي سيتجاوز إيران إلى كثير من بقاع العالم ـ ولكني أقول أنه من المستبعد أن تستخدم القوة النووية في الحرب، ومن المستبعد كذلك أن يتم حتى ضرب المفاعل النووية من قبل خصوم إيران.

تستطيع أمريكا وحلفاؤها اللعب بكثير من الأوراق في مواجهة الرافضين للحرب كروسيا والصين وألمانيا خوفا من تضرر مصالحهم، ولدى أمريكا وسائل عديدة لإقناع تلك الدول بعضها وسائل إغراء وبعضها وسائل ابتزاز.

فهل هذه مقدمة الحرب إذن؟ أم هي الحرب حقيقة؟

abdmajidyemen@hotmail.com