منتخب عُمان يحول تأخره بهدف أمام قطر إلى فوز 2-1 النائب العام السوداني: 200 ألف مرتزق يقاتلون إلى جانب قوات الدعم السريع معارضون في تل أبيب: يجب على إسرائيل أن تضرب إيران بشكل مباشر إذا كانت تريد وقف الحوثيين المليشيات الحوثية تعتدي على أحد التجار بمحافظة إب تحركات لطرد الحوثيين من العراق وإغلاق مكتبهم... مسؤول عراقي يكشف عن طلب أمريكي بوقف أنشطة الحوثيين في بغداد مناقشة مخطط ''استراتيجي" لمدينة المخا درجات الحرارة والطقس المتوقع في اليمن خلال الساعات القادمة وجه بإنشاء وإعادة تشكيل بعض الهيئات واللجان.. مجلس القيادة يشدد على عودة جميع مؤسسات الدولة للعمل من اليمن اتفاق في سوريا على حل جميع الفصائل المسلحة ودمجها في وزارة الدفاع تصريحات مدرب اليمن قبل مواجهة السعودية الحاسمة في كأس الخليج.. ماذا قال؟
في الجزء الأول من هذا المقال, بدأت الرد على بعض الإخوة المسؤولين من أبناء الشمال اليمني الذين لم يعجبهم مقالي السابق "الوحدة اليمنية: نشوء وتطور الفكرة.. واهتزاز الإنجاز!" فزعموا بأن عدن طردتني ولم أجد غير الشمال ملجأ والآن أتنكر له! فأوضحت بأني لم أتنكر للشمال في شيء , وأوضحت بأن عدن لم تطردني ولكنني وأشقائي ووالدتنا – رحمها الله – وزوجتي أخذنا في الهروب من اليمن الجنوبي منذ 1976م بعد أن ازدادت ممارسات اليسار الطفولي الحاكم حينذاك سوءاً, , كما أوضحت بأننا استقررنا بالقاهرة وهناك كنا نحظى برعاية رسمية بتوجيهات كريمة من الرئيس الراحل أنور السادات, وبينت كيف كانت شهامة ورجولة الملك فهد بن عبدالعزيز معنا منذ أن كان ولياً للعهد ثم عندما صار ملكاً للعربية السعودية, وختمت مقالي بأني سأتناول بالجزء التالي من المقال علاقتنا بالكويت والإمارات والسودان واليمن الشمالي وليبيا على التوالي حتى يتبين لمن "ينخطون" علينا بأن الشمال لم يكن ملجأنا الوحيد فقد تعددت أوطاننا ولم نكن بحاجة للجوء إلى اليمن الشمالي أو إلى بلد بعينه.
ولم أكن أتوقع أن الجزء الأول من هذا المقال سيعجب عموم القراء ممن تواصلوا معي, بما حواه من تفاصيل سردتها أثناء حديثي عن إقامتنا بمصر والسعودية وتفاصيل قيامي بالحج في عام 2000م مع زوجتي وأبناء الأربعة في ضيافة المغفور له الملك فهد, وقد ردد على مسامعي أكثر من صديق بأن جمال المقال يكمن في جمعه بين السياسة وأدب الرحلات وطالبوني بالتوسع في سرد التفاصيل الشخصية لكسر حدة الجوانب السياسية في المقال, وأنا أشكرهم ولكنني لن أستطيع التوسع وإلاّ سيطول المقال إلى 10 أجزاء مثلاً, ولذلك اكتفي بسرد بعض الوقائع وليس كلها, وعندما أسرد واقعة فأنني أكتفي بسرد بعض تفاصيلها وليس كلها.. ومن يدري فلعلي أخصص مقالات مستقبلاً تحكي كل الوقائع أو معظمها وبالتفاصيل (إذا أكرمني الله بطول العمر وكامل الصحة التي أخذت تنهار في السنوات الأخيرة والحمد لله على كل حال).
مع الكويت وفيها
وبعد مصر والسعودية, انتقل للكويت, فأثناء إقامتنا, شقيقي ناصر وأنا, بمصر في سبعينات القرن الفائت وقبل أن يهرب بقية أفراد الأسرة من اليمن الجنوبي أمر الشيخ صباح الأحمد الجابر وزير خارجية الكويت حينئذ (أميرها حالياً) وكانت تربطه بوالدنا علاقة إخاء ممتازة أثناء الكفاح المسلح لتحرير جنوب اليمن المحتل (14 أكتوبر1963 – 30 نوفمبر 1967) أمر سفيره بالقاهرة (سليمان ماجد الشاهين وكان من أفضل من عرفت من سفراء, وصار لاحقاً وكيلاً لوزارة الخارجية) بأن يخصص لي ولشقيقي ناصر منحة دراسية كاملة لكل منا وعلى أفضل مستوى يتمتع به الطلبة الكويتيين بمصر, وقد سألت السفير "أليست المنح متساوية للطلبة الكويتيين؟" فأجاب بالنفي وأوضح لي بأن هناك طلبة يدرسون على منح من وزارة التعليم, وآخرين على منح من وزارات أخرى, والبعض على منح من شركات نفطية, والبعض يدرس على نفقة الأمير, وغيرهم على نفقة ولي العهد, وهناك من يدرسون على نفقة وزير الخارجية, وأبلغني السفير بأنه سيخصص لنا منحتين بمثل المنح التي يتقاضاها المبعوثين الكويتيين من وزارة التعليم فمنحهم هي الأفضل مادياً, وقال "سنقيد ما تتقاضونه على النفقة الشخصية للشيخ صباح وفقاً لأوامره" فكنا شقيقي وأنا يا أصحاب "النخيط" يتحصل كل منا شهرياً على مبلغ أكبر من مرتب رئيس جمهورية مصر حينئذ ناهيك عن تذاكر سفر سنوية لأي بلد نختاره, وبدل لملابس الصيف, وبدل آخر لملابس الشتاء, وبدل للدروس الخصوصية, وعلاج وأدوية مجاناً بالمركز الصحي الكويتي بالقاهرة - بمدينة المهندسين- أو خارج المركز إذا استدعى الأمر, وعندما تزوجت أضافوا لي مبلغ شهري, وكلما أنجبت طفلاً يعتمدون له مبلغ شهري.
وأود الإشارة إلى أن دولة الكويت هي أكثر دولة توسطت لدى عدن لإطلاق سراح والدي بل وقدمت ضمانات بأنه إذا سمح له بالمغادرة إلى الكويت فإنها لن تسمح له بممارسة أي نشاط سياسي ضد الحكم بعدن, ولكن عدن رفضت الوساطات الكويتية أسوة بكل الوساطات الأخرى.
وكنت وشقيقي ناصر نلتقي بالشيخ صباح كلما زار القاهرة, ومن كرمه علينا أنه في 1978م استضافنا, شقيقي وأنا, بالكويت وأحطناه بأننا تخرجنا ونرغب بمواصلة الدراسة العليا فضحك وقال "ناس كثير يطلبون مني أن أنفق عليهم وكأنني قاعد على بئر بترول, لكن بالنسبة لكم اطمئنوا فسوف تستمر المنح المخصصة لكم وعلى نفقتي ولو تحبوا تجوا تستقروا بالكويت الآن أو بعد إكمال دراستكم العليا فستكونون بين أهلكم" وأكرمك الله يا شيخ صباح بحق ما أكرمتنا في فترة كانت الأحلك ظلاماً ليس بالنسبة لنا ولكن بالنسبة لكل شعب الجنوب منذ أن سكنه الإنسان (وهي حقبة السبعينات من القرن الفائت التي كانت أكثر من كابوس يجثم على صدر الشعب في الجنوب فالسلطة التي يفترض بها أن تسهر على راحة الشعب أخذت تمارس بحقه الإغتيال بالرصاص داخل المعتقلات والسجون وخارجها, سحل علماء الدين بمختلف المناطق حتى الموت, حبس إلى ما شاء الله, مصادرة الممتلكات الخاصة, انتفاضات سلطوية باسم الجماهير, مسيرات 1972م التي قادها رئيس مجلس الرئاسة سالم ربيع علي بنفسه وهتفت بشعارات غريبة منها "تخفيض الراتب واجب "! " تأميم المساكن واجب "!"سحل الكهنوت واجب"! " تقطيع الشياذر واجب"! وخذ الكثير من مثل هذه الشعارات المدمرة للحياة وللاقتصاد وللدين ولمكارم الأخلاق, وماذكرته آنفاً ما هو إلا غيض من فيض الإجرام والتنكيل بشعب الجنوب).
وبالعودة لزيارتنا للكويت, كنت أحب أن أحكي للقارئ عن السائق المصري الظريف الذي كان يقود السيارة المخصصة لنا أثناء الزيارة, وأن أحكي عن سينما السيارات والتي كانت حينئذ هي الوحيدة في الوطن العربي (ولا أعلم هل لا تزال الوحيدة), وعن الثلاجة التي كانت بغرفتنا وتمتلئ بأفخر أنواع الشيكولاتة والعصائر والمكسرات وتطالها أيدي منظفي الغرف أكثر مما تطالها أيدينا, وغيرها من الذكريات الجميلة والطريفة ولكن إذا سردت ذلك فسيطول كثيراً هذا الجزء من مقالي.
ولم يعكر علينا صفو وجمال زيارتنا للكويت إلا أن نستيقظ ذات يوم على رنين الهاتف لنسمع أحد أسوأ الأخبار في حياتنا.
مغامرة إنقلابية ودار الرئاسة يقصف
كان خبراً سيئاً نقلنا من السعادة إلى التعاسة الشديدة, فذات صباح استيقظنا على مكالمة هاتفية من "محمد المهنا" مدير مكتب الشيخ صباح وإذا به يقول لي "عندي لكم أخبار سيئة فقصر الرئاسة بعدن يدور فيه قتال شديد ويقصف براً وجواً ونحن نعلم بأن والدكم محبوس في منطقة الرئاسة, والشيخ صباح كلف سفيرنا بعدن أن يبذل ما يستطيع لمعرفة مصير الرئيس قحطان الشعبي". كان ذلك في صباح 26 يونيو 1978 الذي أحبطت فيه القيادة الجماعية بعدن (عبدالفتاح إسماعيل, علي ناصر محمد, علي سالم البيض, علي عنتر, صالح مصلح, مطيع, علي شائع وغيرهم, وبتأييد علي باذيب كممثل لإتحاد الشعب الديمقراطي أي الشيوعيين الذي ذاب في التنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية, وأنيس حسن يحيى كممثل لحزب الطليعة الشعبية أي البعثيين سابقاً الذي ذاب هو الآخر في التنظيم السياسي الموحد) المغامرة الانقلابية التي أقدم عليها سالم ربيع لتصفية رفاقه المذكورين جسدياً بعد أن أرغموه على الاستقالة والرحيل عن الجنوب, مما أسفرعن مصرع نحو 1200 شخص في منطقة دار الرئاسة واستسلام ربيع ومن كان معه من أعضاء اللجنة المركزية للتنظيم السياسي الموحد وكانا عضوين وأعدموا الثلاثة بنفس اليوم.. وقد ستر الله على والدي فقد قصف الكوخ الذي كان معتقلاً فيه في بداية القتال فلم تمر خمس دقائق إلا وقد احترق الكوخ وقتل 15 جندياً الذين كانوا مكلفين بحراسته وأصيب هو بعدة شظايا وظل مطلق السراح في منطقة الرئاسة ليومين حتى عثروا عليه جالساً تحت شجرة لا يقوى على الوقوف نتيجة الشظايا بقدميه وكان بيده المذياع وهو الشيء الوحيد الذي حرص على أن يحمله معه وهو يغادر الكوخ المشتعل (وإذا أراد الله فسأروي مستقبلا بالتفصيل ما حدث في ذلك اليوم الرهيب وما تلاه).
المهم, عندما أبلغنا المهنا بذلك الخبر اعتبرنا أبانا في عداد القتلى فطلبنا منه أن يحجز لنا على أول طائرة تتجه إلى القاهرة, فحجز ووصلنا مساءاً إلى مطار القاهرة ونحن في غاية الأسى والضيق حتى أن الضابط الذي استلم جوازاتنا بالمطار سألنا "أنتو من عدن وكنتم بمصر ورحتم الكويت, رحتوا تعملوا أيه هناك؟" فرددت عليه منفعلاً "مش شغلك, إحنا مش ناقصينك أنت كمان الساعة دي, اختم الجوازات وخلصنا" فقال "وكمان بتزعق لي؟ طيب اتفضلوا معايا" وأخذنا لمكتب ضابط كبير, فحاول هذا أن يفتح معنا تحقيقاً فطلبت منه الاتصال بمدير مباحث أمن الدولة (حبيب العادلي وزير الداخلية حالياً وقد ذكرته بالجزء الأول من مقالي) فاتصل به ولم يجده فتحدث إلى عبدالرحمن حجازي (كان ضابطاً كبيراً بمباحث أمن الدولة, وكان ودوداً, ولا أعلم أين هو الآن) فأفهمه حجازي بوضعنا الخاص في مصر ومن ثم اعتذر لنا الضابط الكبير بالمطار وقام بواجب ضيافتنا بالشاي وعصير الفاكهة (سألته عما إذا كانوا يدققون مع أبناء كل الدول العربية القادمين إلى مصر, فأجاب بأنهم يدققون مع أبناء ثلاث دول عربية فقط, فسألته عنها فقال: الأردن وسوريا واليمن الجنوبية).
ولأن الشيء بالشيء يذكر, حدث لي موقف مشابه منذ أيام بمطار عدن صباحاً فقد تعجرف علي مدير الأمن السياسي بالمطار وهو من أبناء الشمال الأعلى, وانتهى الأمر بأن اتصل بي بعد ساعة وكيل الأمن السياسي من صنعاء – محمد جميع – واعتذر لي, وفي المساء اتصل مدير الأمن السياسي لمحافظة عدن – فيصل البحر – ليعتذر لي أيضاً, وسأحكي القصة لاحقاً فهي لها علاقة بخلق الحساسية لدى بعض الجنوبيين تجاه ابناء الشمال بل والوحدة, ولكن الآن سنبقى مع من "ينخطون" بأنني لم أجد ملجأ إلا الشمال.
مع الإمارات وفيها
في عام 1978م تلقينا عرضاً كريماً جداً وذلك في عهد الراحل الشيخ زايد بن سلطان بأن نمنح "مواطنة" دولة الإمارات العربية المتحدة (وهي درجة أرفع من الحصول على الجنسية) وقد استمعنا لذلك العرض من على لسان الشيخ أحمد خليفة السويدي وزير الخارجية آنئذ (ومستشار الشيخ زايد لاحقاً) الله يذكرك بالخير ياشيخ أحمد, ولكننا أحطناه بأننا لا نعلم أصلاً أين سنستقر بعد أن نكمل دراستنا العليا بالقاهرة "لذا نخشى أن نحصل على المواطنة الإماراتية ثم لا نستقر لديكم فماذا ستقولون عنا, فالأفضل أن ننتظر".
وفي ذلك العام زرنا, شقيقي وأنا, أبو ظبي ونزلنا في ضيافة الدولة وبالنظر لكثرة أصدقائنا وأقاربنا المقيمين هناك وتمنياتهم علينا بأن نطيل فترة بقائنا بينهم غادرنا الفندق الذي كنا مستضافين فيه وانتقلنا لنعيش بضعة أيام لدى الأصدقاء والأهل في أبو ظبي, وأيام أخرى لديهم في الشارقة, وغيرها في رأس الخيمة حتى امتدت إقامتنا هناك لنحو شهر.
"رويترز" وخبر كاذب
وأثناء زيارتنا المذكورة لدولة الإمارات, نشرت بعض الصحف نقلاً عن وكالة "رويترز" بأنه تم تشكيل تنظيم سياسي جديد معارض لنظام الحكم باليمن الجنوبي ويرأسه عبدالقوي مكاوي (أمين عام جبهة التحرير سابقاً التي كانت القاهرة قد شكلتها في يناير 1966كبديل للجبهة القومية واحتجزت السلطات المصرية قحطان الشعبي وفيصل عبداللطيف ومنعتهما من مغادرة مصر لمعارضتها دمج الجبهة القومية في جبهة التحرير, حتى تمكن فيصل من تضليل الأجهزة المصرية وغادر بعد نحو 9 أشهر من الاحتجاز إلى بيروت ثم إلى تعز فالجنوب وقام بعقد المؤتمر الثالث للجبهة القومية في "حمر" القريبة من قعطبة في نوفمبر/ديسمبر 1966م والذي اتخذ قرار فصل الجبهة القومية من جبهة التحرير) وجاء في خبر "رويترز" بأن الرجل الثاني في قيادة هذه التنظيم الجديد هو محمد علي هيثم (رئيس الوزراء بعدن بعد 22 يونيو 1969 وحتى 1971م) والرجل الثالث هو كاتب هذا المقال, ولما كان الخبر عار من الصحة فأنني اتصلت بمكتب الوكالة في المنامة -عاصمة البحرين- وكذبت الخبر ثم انشغلت بزيارات وعزومات الأهل والأصدقاء بالإمارات فلم أطالع الصحافة وكنت أظن بأنه لابد وأن تكون الوكالة قد بثت النفي الذي قدمته لها, ولم أعلم بأنها لم تبثه إلا بعد عودتنا للقاهرة.
مع علي عنتر ومدير مكتبه
بعد عودتنا للقاهرة, وجدت لدى القائم بأعمال سفارة عدن بالقاهرة رسالة من العقيد علي عنتر عضو المكتب السياسي وزير الدفاع بعدن يستنكر فيها إقدامي على الانضمام إلى المكاوي وهيثم في التنظيم الجديد فأنا – حسب وصفه– شاب نظيف ومن أسرة كان لها قيادة النضال التحرري في الجنوب, ومضيفاً بأن الامبريالية تدرك بأن شعبنا قد مل المكاوي وهيثم وغيرهما من "الوجوه المحروقة"-حسب تعبيره- ولذلك أخذت تبحث عن وجوه جديدة نظيفة لا يزال لها احترامها لدى شعب الجنوب "مثلك يانجيب", وكتب "من حقك ممارسة النشاط السياسي ولكن من داخل الجنوب لا من خارجه وسنسمح لك بهذا إذا عدت لبلادك" وأضاف "فقط لا يشرفنا أن يكون نجيب قحطان الشعبي في صف المكاوي وهيثم" وكلام كثير آخر ليس هنا مجال لنشره, ومن الواضح أن علي عنتر كان مكلفاً من قبل المكتب السياسي للاتصال بي فالرسالة لم تكن شخصية فإلى جانب توقيعه كانت تحمل خاتم وزارة الدفاع. فرددت عليه نافياً ما نشر عن انضمامي للتنظيم الجديد وأحطته بأنني قد اتصلت بوكالة "رويترز" وكذبت الخبر, فبعث لي برسالة خطية أخرى يقول فيها بأنه كان يتمنى أن يطالع نفياً مني لكنه لم يطالع أي نفي, وهنا أدركت بأن الوكالة لم تبث النفي! وتحدث في الرسالة عن أشياء أخرى ليس هنا مجال نشرها (منذ نحو 10 أعوام تبادلنا أحمد الحبيشي رئيس تحرير "14 أكتوبر" حالياً وأنا الردود بصحيفة "الأيام" بعدما كتب مقالا في "26سبتمبر" عقب عودته لليمن التي غادرها إثر حرب1994م فرددت عليه في "الطريق", فرد هو في "الأيام", فرددت عليه ثانية في "الأيام" ووضعت في ردي الثاني عنوان بريدي الإلكتروني ليكتب لي القراء الراغبون في أن أوافيهم بما كتبناه وتبادلناه الحبيشي وأنا من مقالات, فكثير من القراء فاته بعض منها, وكان من بين الرسائل التي وصلتني حينئذ-أي منذ نحو10سنوات- رسالة من محمد العبادي الذي عرفني بنفسه بأنه سفير سابق ويقيم بالولايات المتحدة منذ ما بعد حرب 1994م وأنه كان في سبعينات القرن الفائت مديراً لمكتب علي عنتر عندما كان وزيراً للدفاع وقد أشار إلى تلك الرسائل التي بعثها لي عنتر والمذكورة آنفاً وقال "علي عنتر كان يملي رسائله إليك وأنا أكتبها" وسرد أشياء أخرى عديدة. وبعد أن نشرت "الشارع" مقالي بالعدد الفائت نشرته بعض المواقع الإلكترونية الإخبارية المستقلة والشهيرة والمحترمة مثل "التغيير" لصاحبه الصحفي اللامع عرفات مدابش, و"مأرب برس" (وللأسف فإن مقالي منشور بمأرب برس تحت عنوان خاطئ
هو"لا أتقرب للحراك, والشمال كان ملجأي الوحيد.
http://marebpress.net/articles.php?lng=arabic&id=6638
وعلى الرغم من أن المقال أنتقل من الصفحة الرئيسية إلى قسم "كتابات" نتيجة حلول مقالات جديدة إلا أنه ولا فخر-أو حتى بفخر- لايزال حتى لحظتنا بفجر الخميس 11مارس هو المقال الأكثر قراءة بالموقع منذ أسبوع وهذا وفقاً لما ينشره مأرب برس بنفسه فشكراً للموقع وزائريه ولكن صحح العنوان ياصالحي) وكذا نشر المقال في "الطيف" و"صدى عدن" و"تاج عدن" وهي المواقع الانفصالية الأكثر شهرة وهي الأكثر مصداقية مقارنة ببقية مواقع ومنتديات الحراك الإنفصالي الجنوبي التي تتسم عادة بالأسفاف وتمتلئ بالبذاءات والأكاذيب والمقالات السطحية والتي يكفي أن يزرها المرء مرة ليصاب بنكد وغثيان يمنعانه من زيارتها ثانية. ومن بين التعليقات المنشورة في المواقع المذكورة وغيرها رداً على الجزء الأول من المقال(والتي لا أستطيع قراءتها كلها لكثرتها فأكتفي بأختيار بعضها عشوائياً) كان من محاسن الصدف أن يكون محمد العبادي هو كاتب أول تعليق في"الطيف" مما أدى إلى أن تقع عيناي على تعليقه كونه الأول, وقد كتبه من واشنطن في مساء السبت الفائت-أي صباح الأحد بتوقيت اليمن- الذي نشرت فيه "الشارع" مقالي ومن ثم المواقع الإلكترونية, ويقول تعليقه "يا أستاذ نجيب, أسمح لي أن أحييك, وأن أشكرك على المعلومات التي تفضلت بإسدائها, ومن ناحيتي أود أن أقول لك بأنني مطلع على مراسلاتك مع الشهيد علي عنتر, وأنني كاتب الرسائل التي بعثها إليك, لقد عملت من 1977 إلى 1979 مديراً لمكتب المناضل علي عنتر, وأعرف كم كان يعظم والدك, وكم كان ناقم على أولئك الذين اغتالوا فيصل.. ليرحم الله شهدائنا الأبرار, وليتنا الآن نعمل ونكمل مسيرتهم ونتعلم من أخطائهم, بارك الله فيك..خير خلف لخير سلف".
سيطالع العبادي بإذن الله مقالي هذا منشوراً في "الطيف" فأرجو أن يكتب تعليقاً يذكر فيه بريده الإلكتروني لأراسله عليه (فلا أستطيع ياعبادي أن انشر لك هنا عنوان بريدي الإلكتروني وإلا سيصلني ما لا أتحمل من مراسلات, فيكفي أن بريدي يمتلئ حالياً برسائل من يعرفون عنوانه ويسعدني ذلك بالطبع ولكن المشكلة هي في مطالعتها جميعاً ناهيك عن أن أرد عليها جميعاً).
وأظن أنه يتبين من مراسلات علي عنتر بأن عدن لم تطردني بل كانت تتمنى عودتي حتى أن وزير الخارجية محمد صالح مطيع عرض علي في القاهرة في نهاية 1976م-عام تخرجي في كلية الإقتصاد والعلوم السياسية- تعييني سفيراً شريطة أن أعود لعدن أولا! فقلت له "لو أنتم مخلصين في هذا العرض فعينونني دون أن أعود, ومستقبلا ربما أعود, لكن لن أعود الآن فسفرائكم عادوا للجنوب لحضور مؤتمر ولم يغادروه إلا للآخرة!"
روحك يا فيصل دمرتهم والجنوب لايزال يدفع الثمن
ومن المفارقات أن مطيع بنفسه قامت السلطة في عدن بتصفيته جسدياً هو الآخر فيما بعد! ففيصل عبداللطيف مؤسس حركة القوميين العرب باليمن والقائد الميداني لحرب تحرير الجنوب, الذي اريق دمه في إحدى زنزانات معتقل الفتح بالتواهي بعدن في1970م وأذاعت السلطة حينها كذباً بأنه قتل عند محاولته الفرار من المعتقل, ووفقاً لنبؤة أبي كان لابد أن تحل لعنة فيصل بجميع أفراد السلطة حينئذ, سواء من تآمروا على قتله أو من سكتوا على قتله, فيقتل أكثرهم ومن يبقون على قيد الحياة يخرجون من السلطة جميعاً عن بكرة أبيهم (أغتيل خالي فيصل في الزنزانة المجاورة لزنزانة والدي, وبعدها نقل والدي إلى كوخ بالرئاسة ليعتقل إنفرادياً حتى أعلنت عدن عن وفاته في 7يوليو1981, وفي أول زيارة إليه سمحت بها السلطة لنا نحن أبناؤه ووالدتنا في 1970م كان من كلامه الذي لايزال يرن في أذني "لا تنخدعوا ياأولادي بالشعارات البراقة التي ترددها السلطة فهي شعارات زائفة ولو كان هناك خير في الشيوعية لكنت أول من يأخذ بها وليس هؤلاء الجهلة فأنا لي أكثر من 25 سنة في السياسة, لكنني وجدتها تحطم الدين والقيم السامية ولا تحقق العدالة في الإقتصاد أو بين الناس, وهؤلاء بإستثناء عبدالله باذيب لايعرفون معنى الماركسية أو اللينينية ولذلك هم واخذين الشيوعية تهريج وهرجلة, فحافظوا على انفسكم من الشعارات الهدامة واصمدوا وتمسكوا بالدين, فهذا النظام لن يدوم وأؤكد لكم بأن هذا النظام بعدن الذي يعتبر نفسه شيوعياً سينتهي خلال20 سنة أو25 سنة على أكثر تقدير وسأكون أنا قد مت فأذكروا حينها ما قلته الآن"...أما عن إغتيال فيصل فإضافة لنبؤته المذكورة آنفاً, كان مما قاله "روح فيصل ستحطمهم كلهم. ومادام قتلوا فيصل فلن يرى الجنوب خيراً لخمسين سنة قادمة".
وأكتفي بما أوردته هنا, وهذا المقال كان يفترض أن يكون من جزئين لكن سأمده إلى ثلاثة, فإلى اللقاء في الأسبوع القادم بإذن الله.