طهران إنتهت من الإعداد لأربع إنقلابات عربية وأنتهت من تمويل شبكاتها في الخارج
بقلم/ سمير عبيد
نشر منذ: 17 سنة و 8 أشهر و يومين
الأربعاء 28 فبراير-شباط 2007 04:18 م

مأرب برس – أوسلو – خاص

ثعالب السياسة ... هكذا كان يُطلق على الإيرانيين في زمن الدولة العباسية، ولقد قال عنهم صاحب كتاب الأميريات عبد الأمير هويدي في إحدى أميرياته (إحذر الأربعة وإياك أن تكون هدفا لهم ،إحذر الياباني إذا طفر أي بطفرته سيدمرك بالكراتيه ، وإحذر العراقي إذا كفر فيتحول الى مارد ، وإحذر التركي إذا نفر فسوف لن يرضى عنك أبدا، وإحذر الإيراني إذا حفر فسوف يسقطك بمكائده وحفره الخطيرة)، ولهذا فلقد أعتمدت السياسة الإيرانية على مبدأ الحَفر، وإعتمادا عل ى الموروث التاريخي للسياسة الإيرانية، والتي تتجسد بالابتسامة والتمسكن والكياسة والعبادة، ولكن بنفس الوقت هناك أياد إيرانية تحفر وبإتجاهات مختلفة، وتحت أقدام وفي بيوت وقصور الذين يشاركون الإيرانيين إبتسامتهم، وحتى داخل مضيف المضيّف للإيراني، والهدف هو السيطرة والإستيلاء وتوسيع النفوذ ــ وطبعا هناك إستثناءات بالنسبة لبعض الشرائح الإجتماعية التي تتمتع بأخلاق رفيعة في إيران ــ، ويبقى حديثنا في الجانب السياسي منعا للتأويل والتحامل من البعض.

 فلقد إتبعت إيران هذه السياسة ( السياسة الرطبة والرضابية) في الدول العربية بشكل عام، وفي الدول الخليجية بشكل خاص وبالعزف على الوتر العاطفي والديني، وهكذا في كثير من الدول الإسلامية، وحتى في أوربا وهو موضوع بحثنا، حيث تمكنت إيران من خلق لوبيات قوية جدا ومن خلال العلاقات القوية مع القوميين في أوربا، والذين هم من بقايا الإستقراطيين، وكذلك من بقايا الأحزاب اليسارية والشيوعية وحتى النازية، خصوصا وأن هذه الشرائح أصبحت لها أصوات في برلمانات الدول الأوربية، وكذلك لها شعبية في الشارع الأوربي، وللحقيقة فأن هذه الشعبية في إتساع ردا على الهيمنة الأميركية والعولمة المجنونة ( الإستعمار المُعَولَم) وليس حبا بهذه الأحزاب بل كرها بسياسات الإدارة الأميركية ،وتحت مبدأ ليس حبا بمعاوية بل كرها بعلي.

 فعندما أكدنا على التمثيل البرلماني لهذه الأحزاب في البرلمانات الأوربية نعني أن هذا معناه وصول المعلومة وكثير من الأسرار الى إيران بسرعة، وليس من باب تجسس هؤلاء لصالح إيران، فنحن لم نقل هذا، بل من باب التحالف مع إيران تحت شعارات إنسانية وقيّمية وحضارية مدفوعة الثمن، وتبقى السياسة نوعا من التجارة، خصوصا في العقود الأخيرة حيث أصبحت لها بورصات علنيّة وسرية، ونتيجة ذلك كثرت بها شرائح من ( البقالين السياسيين) الذين يحملون لها بضاعتهم على ظهور الجماهير وبشعارات مختلفة.

أما الجانب الآخر الذي نجحت به إيران في أوربا هو استقطاب الشرائح المختلفة ومن جميع الجالية العربية والإسلامية في أوربا، وكذلك من جميع الجغرافيات والمذاهب الإسلامية، فشكلت منها لوبيات مختلفة، وضمن مجموعات نقطيّة وخيطية مهمتها التشويش على جميع الفعاليات والسياسات والندوات والمحاضرات التي تؤكد على سياسات إيران الخاطئة، والتي تؤكد أيضا على المشروع الإيراني القومي الإمبراطوري، والتشويش على الفعاليات والندوات التي تؤكد على التدخل والغلغل الإيراني في العراق وفلسطين ولبنان وسوريا والدول العربية، ولقد لمس كاتب المقال هذا الشيء بنفسه عندما كان محاضرا في إحدى الندوات عن هذا الموضوع بالذات.

 فلقد حرص الإيرانيون على أن تكون القيادات العليا لهذه النقط والخيوط من المذاهب التي تختلف عن المذهب في إيران وهو الصفوي الذي لبس التشيّع لأغراض سياسية، والسبب هو كي توحي للناس بأن أنصارهم من جميع المذاهب الإسلامية ومن جميع الجغرافيات، وبأنهم يحملون مشروعا حضاريا للجميع، وبهذا سينجحوا في ضرب هؤلاء بأهلهم وأصحاب مذاهبهم وبمساجدهم، وهنا الهدف هو صناعة الفرقة والتناحر المذهبيين كي يكون الشارع الأوربي مهيأ للصدام الطائفي والعقائدي والمذهبي بين الجاليات العربية والإسلامية، وهذا بحد ذاته سيشغل الأوربيين ويربكهم ويستنزف أموالهم وجهدهم وطاقتهم فيكون مردوده لصالح إيران، وهو نسف التحالف مع الولايات المتحدة بضربات أو بحرب ضد إيران، وحتى أن هؤلاء الذين تطوعوا في الخلايا والشبكات الإيرانية وهم من غير المذهب الإيراني والقومية الإيرانية وجدوا تخريجه دينية لدفاعهم المدفوع الثمن عن إيران ومشروعها ، حيث أصبحوا يرددون و يقولون أنها دولة إسلامية وترفع شعار الإسلام ونحن ندعم راية الإسلام ولم ندعم نظام الملالي وهو نوعا من التخريجات التي تدربوا عليها، وهي بنفس الوقت شركا لإصطياد البسطاء والعاطفيين والمؤمنين السُذج، ناهيك أنها فرصة للعاطلين عن العمل، وللمطرودين من أحزابهم ووظائفهم، وكذلك هي فرصة للمتقاعدين، ولو فتشنا بعمق سنجدها إستراتيجية مستنسخة و مشابهه للإستراتيجية الأميركية التي صنعت من هذه الشرائح أبواقا ومنابرا وشرائحا من الليبراليين الجُدد، ولقد رُصدت ميزانيات هائلة لهذا الموضوع من الجانب الأميركي.

فجاءت إيران لتستخدم الإستراتيجية نفسها، فصنعت الخلايا والشبكات والأبواق الإعلامية المختلفة، وفتحت المواقع الإلكترونية وبالمئات وبلغات مختلفة، وكذلك فتحت صحفا وفضائيات وإذاعات ودون أن تصرف تومانا واحدا من ميزانياتها، حيث أن الميزانيات المرصودة والتي رصدت لهذه الإستراتيجية هي من الخزائن العراقية، ومن تهريب النفط العراقي صوب إيران، وبإشراف الوزراء الإيرانيون في العراق من ناحية الولاء والعِرق والإنتماء، وهم إبراهيم بحرالعلوم، وأحمد الجلبي بالوكالة ، ثم حسين الشهرستاني، وضمن مبدأ الخُمس، وكذلك ضمن المشاركة الشرعيّة في المشروع الإسلامي الإيراني من وجهة نظرهم، لأنهم يعتبرون العراق ملكهم والخزائن العراقية عائدة لهم ، ولهذا دعمت إيران ولا زالت تدعم الذين يوالونها في العراق والذين أكثر من نصفهم يحملون الجنسيات الإيرانية والأوراق التي تثبت جنسيتهم الإيرانية، وأصبحوا يحكمون العراق وبحماية الأميركان، وهذا يعني أن الأميركيين دعموا و يدعمون المشروع الإيراني وإيران ورجال إيران في العراق بطريقة وبأخرى وبالإنابة، ويعتبره الإيرانيون ورجالهم في العراق تسخيرا من الله لأن مشروعهم هو المشروع الآلهي من وجهة نظرهم، وهنا إختلطت المصالح بالأديان، وإختلطت النوايا الشريرة بالنوايا الأكثر شرا، والضحية هي النوايا الحسنة والإنسان العراق، والسلم الأهلي العالمي.

 ونتيجة هذه الرؤى وهذه الولاءات سُخرت خزائن العراق لصالح المشروع الإيراني، وأنهم يريدون تسخير خزائن دول المنطقة أيضا ولخدمة المشروع الأيراني أيضا، وهذا يعني أن اللوبيات التي نجحت بصناعتها إيران في أوربا تتغذى من خزائن العراق، وبتسهيل أميركي غبي، لأن الولايات المتحدة تحمي رجال إيران في العراق ولا زالت تدعمهم في حكم العراق، وبهذا فأن واشنطن تدعم إيران، بل تحمي تمويل الخلايا والشبكات الإيرانية في أوربا والعالم.

 ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أن هناك مجموعات كثيرة ذهبت من أوربا وعبر دول ثالثة إلى إيران وتلقت التدريبات والتوجيهات، وعادت الى قلب الشوارع والمؤسسات الأوربية ،ومارست نشاطها برعاية السفارات والملحقيات والمراكز الثقافية الإيرانية، وبمساعدة رديفاتها من السفارات والقنصليات العراقية لأن إيران وعن طريق رجالها المتنفذين في العراق إستطاعوا فرض رجالهم على البعثات العراقية في الخارج، وأن مهتهم العمل من أجل المشروع الإيراني للإفلات من المراقبة الأوربية والأميركية على السفارات والقنصليات والمراكز الثقافية الإيرانية.

 وتبقى هناك أسرار أخرى وهو سر تخزين النفط العراقي المهرب في داخل إيران، وفي مستودعات مؤمنة في دول أخرى، ومنها دول في أفريقيا وأمريكا اللاتينية ،وفي أوربا الشرقية ومجموعة الإتحاد السوفيتي السابق وحتى في بعض الدول العربية مقابل بدل إيجار من الإيرانيين، وهي بمثابة مستودعات إمداد الى اللوبيات والخلايا التي صنعتها إيران في أوربا وغيرها ،وكذلك هي معينا لشراء المعدات والإحتياجات التي ستحتاجها إيران في حالة فرض الحصار عليها ،وبالتالي نستطيع القول أن إيران خرجت من عنق الحصار إستباقيا، ومن ثم نجحت في تمويل شبكاتها في الخارج إستباقيا ولسنوات قادمة، ولهذا أصبحت إيران وعلى لسان كبار مسؤوليها تهدد بضرب الولايات المتحدة في أي مكان إذا تعرضت لهجوم.

 فلقد أعلن السفير الإيراني في موسكو ( غلام رضا أنصاري) وهو بمثابة برزان التكريتي أبان حكم الرئيس صدام رحمه الله حيث المالك القيصر لأرقام الحسابات السرية، ولقد نجح أنصاري أن يكون وريث شبكات صدام حسين هناك حيث طوعها وغير تفكيرها من الولاء لصدام حسين الى الولاء لنجاد وخامنئي وإيران وبالمال تُصنع المعجزات، فلقد قال في 27/2/2007 ( ان إيران مستعدة لضرب الولايات المتحدة في أي مكان في حال هاجمها الأميركيون) وذلك حسب وكالة إنترفاكس الروسية، وتعالوا لنضع خطا تحت عبارة ( في أي مكان) وهذا هو صلب موضوعنا لهذا اليوم ،أي أنهم نجحوا بتأسيس شبكات رئيسية وشبكات رديفة، ومن ثم صنعوا مجموعات نقطية وخيطية لا تعرف بعضها البعض مهمتها العمل والضرب في حالة إكتشاف الشبكات.

 ولقد قال السفير غلام أنصاري أيضا وكان يتحدث في مؤتمر صحفي بمناسبة ذكرى الثورة الإيرانية عام 1979 ( لن نحصر أنفسنا جغرافيا في الرد العسكري فقد يحصل في أي مكان) وهذا يعني أن الأوامر قد أعطيت للشبكات والخلايا في الخارج ، وبنفس الوقت لقد أعطيت الأوامر الى المجموعات الإنقلابية الجاهزة في أربع دول عربية مهمة جدا للولايات المتحدة وللأمن في المنطقة، والتي ستساندها مظاهرات جماهيرية عند الشروع بالإنقلابات في هذه الدول، وأن هذه المظاهرات تم إعدادها سلفا، وعن طريق بعض رؤساء الأحزاب والوجهاء وبعض كبار رجال الأعمال والقبائل والمعارضين في هذه الدول، ولقد صُرفت لأجل هذا ملايين الدولارات.

لهذا نستطيع القول أن المنطقة والعالم على موعد مع الفوضى الإيرانية هذه المرة، والتي تأسست بموازاة الفوضى الأميركية، وبدعم غير مباشر من الإدارة الأميركية وعن طريق الخطأ والغباء في أغلب الأحيان، لهذا نستطيع الجزم بأن الصاروخ الأميركي الذي سيُطلق نحو إيران ستقابله صواريخا إنقلابية وشعبية مدفوعة الثمن، وكذلك ستقابله فوضى معدّة سلفا في نقاط مهمة من العالم وأهمها أوربا، وللعلم فأن المعلومات تؤكد بأن جميع الخلايا والشبكات قد أمنّت تمويلها ومن نفط العراق ولسنوات قادمة، وضمن شبكة حسابات سرية، وعقارات وشبكات من الإستثمارات في المطاعم والفنادق والبورصات المهمة.

 فمتى يتعلّم العرب صنع الإستراتيجيات البعيدة؟.

ومتى يفيق الحكّام العرب من نومتهم الطويلة وسباتهم المُخجل؟

ومن سيكتشف لنا دواءا يمسح احقاد القادة العرب فيما بينهم، وإتجاه شعوبهم ومعارضيهم؟

ومن سيكتب لنا دعاءا وحجابا ينتشلنا وينتشل ميزانيات دولنا من الغرق لأجل ثقافة الجسد والأرداف والولائم للأغراب؟

ومن سيكتشف لنا دواءا يشفي القادة والمسؤولين العرب من عقدة النقص أمام الأميركي والأجنبي والشعر الأشقر بشكل عام والإسرائيلي بشكل خاص؟

ولكن من سيضمن حياة الذي سيكتب الدعاء والحجاب ... والذي سيكتشف الدواء من بطش الحيتان الذين هم مجسات وكواتم وصواعق للمحافظين الجُدد؟

كاتب ومحلل سياسي

مركز الشرق للبحوث والمعلومات

Samirobeidi@yahoo.com