نواصل الجزء الثاني من المقال ، فنقول : إن عاصفة الحزم تفاعل معها غالبية شعب اليمن إن لم نقل كلهم ، كما تفاعل معها كثير من الشعوب والقيادات العربية والإسلامية لسبب وحيد أن المشروع الصهيو امريكي إيراني مشروع طائفي بامتياز ، ويرون في استمراره محرقة لأبناء الشعوب العربية والإسلامية التي قبلت خلال قرون مضت بتعدد المذاهب ، وكذلك تعدد الأديان السماوية وغير السماوية ، وتعايشوا بسلام وأمان ، ولم يحصل أي تعصب أو حروب مذهبية أو طائفية إلا فيما ندر ، باعتبار أن ذلك الأمر يقع ضمن الحريات الدينية والمذهبية القائمة في كل دولة.
ولأن المشروع الصهيو أمريكي إيراني اعتمد في حملاته التوسعية والتمزيقية للعالم العربي والإسلامي على صناعة الصراع الطائفي بين أبناء الدولة الواحدة ، وهذا لم يكن ليتحقق إلا بواسطة إيران التي خدمت هذا المشروع بقوة ، وأوجدت في كل منطقة ودولة ملالي واحتفالات وخزعبلات ، وأدخلت أبناء كل منطقة في هذا الوحل عن طريق التلبيس ونزع ولاءهم الوطني لصالح ولاءهم العقدي والسياسي لإيران ، فهي بهذا خدمت الصهيونية الأمريكية في تحييد العالم الإسلامي من أن يكون مصدر خطر عليها مستقبلاً ، وخدمت مشروعها الفارسي المجوسي تحت مسمى الشيعة الإثني عشرية تقية ، وأنشأت المليشيات المسلحة لخدمة أهدافها التوسعية فى المنطقة ، وأدى ذلك إلى إيجاد حروب وصراعات لم تنته ِ حتى الآن .
بدأ التحالف الأمريكي الإيراني منذ إسقاط نظام الرئيس / صدام حسين – رحمه الله – عدو إيران الأول ، ثم تلاه طوام متلاحقات على أغلب الدول الإسلامية القوية ، حيث تم تسليم العراق لطوائف شيعية تعبث بمقدرات البلاد وتنهب ثرواتها ، ثم دعم النظام السوري النصيري لتدمير البلاد ، وقتل وتشريد مئات الآلاف من السوريين ، وتخريب الوضع السياسي والإقتصادي والأمني في لبنان واليمن والبحرين وغيرها ، فتوافقت المصالح الأمريكية الإيرانية على ضرورة إبقاء المارد الإسلامي ممزّق الأوصال تحكمه قلة شيعية كهنوتية محنطة ، وتدفع به في كل موقع إلى الصراعات العسكرية ، وأهمها إدخاله في حروب الدفاع عن السنة وهو محق في ذلك ، لأنهم أرادوا وبالقوة فرض المذهب الشيعي سياسيًا ودينيًا ، ما أدى إلى أن يبقى العالم الإسلامي يعيش في غفوته ورقاده بسبب هذه الصراعات التي لا طائل منها سوى المزيد من تمزيق اللحمة الوطنية في كل دولة ..
هذه الطائفية عانت منها اليمن خلال العشر السنوات الأخيرة ، وبدأ الترويج لها ومحاولة فرضها بالقوة ، وتم نقل بعض العائلات والأشخاص من المذهب الزيدي المعتدل إلى المذهب الإثني عشري الرافضي ، رغم أن اليمن كاملاً لا تدين بهذا المذهب ، وكذلك عانت السعودية من الأقليات الشيعية فى المناطق الجنوبية منها ، مع وجود ارتباطات عسكرية ومذهبية بين الفريقين فى الدولتين ، وأصبحت هذه الظاهرة تنحو منحى آخر وتسير بوضوح نحو تحوير الجانب الديني المذهبي التعبدي إلى السياسي والعسكري بهدف الإستيلاء على الحكم بقوة السلاح لأن لهم أحقية به - من وجهة نظرهم - كحق إلهي خاص بهم ، وأصبحت هذه الجماعة قنبلة موقوتة جاهزة للتفجير بيد إيران لتدمير المنطقة ، وهذا ما جعل السعودية تقرع جرس الإنذار خشية العبث بأمنها وأمن الجزيرة العربية كاملة ، وقد سمعوا من قيادات حوثية عديدة تهديدات عالية الصوت بغزو السعودية والسيطرة على مكة ، يضاف إليه أن المملكة قد حصلت على معلومات كثيرة بنية الحوثيين التوسع نحو الجنوب السعودي ، ومن ذلك رصد الأقمار الصناعية بنصب صواريخ اسكود على حدودها الجنوبية مع اليمن ، ولن يكون أي توسعات عسكرية أو سياسية إلا من خلال الإستعانة بأبناء طائفتهم من السعوديين للتعاون على ضرب عمقها الأمني والعسكري بقوة السلاح ، ما جعل السعودية تتخذ الموقف الصائب والسريع بالبدء بعاصفة الحزم ، وإن كنا نحبذ لو تم تسميتها عاصفة الحسم ، لتحسم المسألة كاملة دون الرجوع لأي اعتبارات أممية أو عربية أو غيرها ، لأن هؤلاء لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة ، ونجدهم عند الإنكسار والهزيمة ينحنوا للعاصفة ، ويضعون العهود والمواثيق ، ثم ينقضونها متى ما شعروا بالقوة ..
هذه العاصفة إن تم مواصلتها ستضمن بإذن الله تبارك وتعالى تدمير بؤر الصراعات الطائفية فى الجزيرة والخليج سياسيًا وعسكريًا ، وسيبقى الجانب الديني حق مكفول لهم ، ثم ستعمل على تحجيم الدور الإيراني فى المنطقة ، ولن يكون ذلك التحجيم إلا من خلال اليمن أولاً ، ثم سوريا والعراق ولبنان ، ومعنى ذلك ومن وجهة نظرنا القاصرة أن هذا التحدي كبير ، وسيستمر لمدة ليست بالقصيرة ، لأن صناعته بهذا الخبث بدأ قبل إثني عشرة عامًا مضت تقريبًا يوم أن تم إسقاط بغداد بواسطة إيران .
السؤال : رغم التحرك الحازم من قبل السعودية لتحقيق نجاحات على الأرض لصالحها ولصالح الدول المتحالفة معها ، هل ستصمت إيران وأمريكا وإسرائيل على استمراره فى المنطقة ، على حساب مشروعهم السابق فى الأعمال التوسعية أم أنها ستتحرك ؟
بالتأكيد أن هذه الدول لن تصمت ، وأن أعمال البطش بالمارد الإسلامي ستستمر ، وأن مشروعهم استراتيجي وليس تكتيكي يمكن إنهاؤه وفقًا لمصالح معينة مشتركة ، وهم يعلمون كذلك ووفقًا لمعتقداتهم الدينية أن الصراع الإسلامي اليهودي سيستمر إلى قيام الساعة ، لكن نحن المسلمون لا نعي أبعـــــــاد هذا الصراع ولا نضعه ضمن إستراتيجيتنا السياسية والعسكرية تمامًا ..
نسأل مرة أخرى ، وهل لدى أمريكا من الأوراق التي يمكن أن تفعلها لإيقاف العاصفة ، أو توجيهها نحو أهداف أخرى . نقول : لا زال في جعبتها الكثير من الأوراق والدسائس والمؤامرات ما يجعل هذه العاصفة تسير في نسق آخر غير النسق الذي صُنِعَت من أجله بعناية ، ونخشى ما نخشاه أن يتم إدخال هذا التحالف في صراعات عسكرية وطائفية ، وبترتيبات مريبة ، وبدعم لا محدود وخفي لإيران ..
لكن الذي نحن متأكدين منه أن أقل ما يمكن أن تفعله أمريكا إن احترمت علاقتها ومصالحها مع السعودية أن تجعل هذه العاصفة تحقّق أمن المملكة فقط ، وعدم السماح لها بتوسيع العاصفة ، ومنعها من أن تقوم بالدور المنشود في قيادة العالم الإسلامي كله ، وبهذا تستطيع أمريكا وحلفاؤها تأجيل المعركة القادمة نحو السعودية مؤقتًا ، حتى يتم إعادة صياغة منظومة الحكم السعودي وفقًا للهوى الأمريكي الذي انفرط عقده بقدوم الملك / سلمان بن عبد العزيز - رعاه الله - ، وفقدانها العملاء التابعين لها من صانعي القرار السياسي والعسكري فى السعودية ..
وفي الجزء الثالث من المقال نحاول البحث عن كيفية قيام عاصفة الحزم بتغيير الموازين فى المنطقة فيما إذا تم تنفيذها بصورة كاملة غير منقوصة ..