المؤتمر يلهف 13 حزباً ونصف البعث
بقلم/ محمد العلائي
نشر منذ: 16 سنة و شهرين و 13 يوماً
السبت 16 أغسطس-آب 2008 06:17 م

يدخل المؤتمر الشعبي العام مضمار السباق الانتخابي، في 2009، وفي جعبته كل شيء، عدا شيء واحد: اللياقة (بالمعنى الميكانيكي على الأقل).

المؤكد أنه سينتصر. ففي نهاية المطاف، ليست الانتخابات في اليمن لعبة سياسة، تُحسم بالبراعة والفاعلية في أدائها، بقدر ما هي لعب ة مال وعضلات وحِيَل.

المؤتمر حزب ثقيل، وهو يسير بكرش ضخم (تزداد انتفاخاً كلما تقدم به العمر)، يضم كل ما هو قوي وفاعل في البلد بأكمله. هذا في الظروف العادية. فكم سيبلغ وزنه عندما يزدرد 14 حزباً من المقاس الأقل حجماً. لابد أن حركته ستكون أشبه بحركة امرأة تحمل في بطنها 14 جنيناً في شهر الولادة.

طيلة السنوات الفائتة، كانت أحزاب المجلس الوطني للمعارضة، تعيش في كنف المؤتمر وبرعايته. ولقد بدا هذا مفهوماً في أول الأمر. ورغم أنها كانت عبئاً على الحزب الكبير، غير أنها لم تكن من الثقل بحيث تفقده لياقته المحدودة (الماكينة التنظيمية للمؤتمر بطيئة الحركة، لكنها سلسلة نسبياً، وذلك عائد ربما إلى التشحيم الجيد الذي توفره سيولة البنك المركزي).

قبل أسبوعين، تزيد أو تنقص، قرر المؤتمر أن "يلهف" صغاره (غير الشطار) دفعة واحدة، وبشراهة شخص أضرب عن الطعام 40 يوماً. إنها لقمة سائغة، بالتأكيد، لكن مذاقها لم يكن شهياً. يشبه الأمر طعام المضطر.

هذه هي الحكاية لو شئنا أن نخضعها للتهكم. أما مضمونها الجدي والرصين فهو كالآتي: المؤتمر يوقع اتفاقية تحالف مع المجلس الوطني للمعارضة، وأحزاب أخرى. والناتج هو: المؤتمر + 13 حزب = وزن أكثر، لياقة أقل.

بعيد انتخابات 1997، استفرد المؤتمر بالحكم. ومذاك بدأت القوافل المهاجرة من الأحزاب الأخرى تشد رحالها إلى جوف الحزب/الدولة، بعدما خرجت منه فجر التسعينيات.

وحين بلغ التخمة، أو قاربها، كان عليه أن يدخر. ولقد لعبت أحزاب المجلس الوطني للمعارضة، التي خرجت من ضلع تنظيمات سياسية أخرى، دور "خبيئة الدهر". (في المرتفعات الجبلية يتداول الناس أمثولة شعبية تبالغ في الحض على الادخار: "خبي ظلف الحمار يقل لك الدهر هاته"). 

ظلت تلك الأحزاب الصغيرة، صغيرة. والراجح أن المؤتمر لم يحسن تربيتها كما يجب، أو أنه لم يرغب في ذلك، لأنها ستنمو وتشب، ثم تفقأ عين المؤتمر قبل أي شيء آخر. أو أنها قد تصبح أكبر من لقمة سهلة البلع والهضم، ولو ظلت أقل قليلا من خصم.

وأن يلتحق الأفراد بالحزب العملاق، فهذا غير مثير للاهتمام مثلما أن تلتحق أحزاب مدججة بالشعارات المنمقة والأسماء الرنانة. إنه لأمر مقزز وفعل أخرق. 

التحالفات السياسية ليست مثار سخرية عادة. فهي واحدة من مظاهر العمل الديمقراطي وجوهره. لكن، في لحظة ما، يمكن أن تصير محطا للسخرية والاشمئزاز والهجاء!

الآن، في جوف المؤتمر 13 حزباً(حزب يركض حزب)، وآلاف المهاجرين من أحزابهم. ألا يبدو هذا كافياً، وألا يجب على المؤتمر أن يتجشأ إظهارا للشبع. بيد أنه لم يفعل. ولا يلوح في الأفق أنه سيفعل.

انظروا، إنه يبحث حتى عن الفتات.

قبل بضعة أيام، خرج المؤتمر، عاقداً يديه إلى الخلف، وهو يمشي مترنحاً كالديناصور، باحثاً عن لقمة إضافية تسد جوعه، الذي يضاهى جوع الأثيوبيين.

 

وفجأة وجد حزب البعث العربي الاشتراكي في متناول يديه. وبالفعل، إن لم "يلهفه" كاملاً، فقد "لهف" نصفه بغمضة عين. يا له من جزار أحزاب بارع.

راحت صحف الحكومة وصحف الحزب تتبارى في عرض الخبر السار. في الوقت الذي يبث فيه إعلام المشترك خبراً مضاداً. تصادم الخبرين في الفضاء السياسي الملبد بالشك والفوضى والعبث.

الخبران هما: البعث ينضم للتحالف الوطني الديمقراطي، هذا الأول. والثاني هذا نصه: المشترك يوافق على انضمام حزب البعث إلى التكتل.

الملفت أن كلا الخبرين صحيح كلياً. والقصة أن قيادة هذا الحزب، ذي الجذور السورية، تباينت في تقرير مصيره، وهو أقل من أن يحتمل التباين. فضلاً عن كون ضآلة حجمه لا يغري بالاقتتال عليه.

لكن المؤتمر جائع. وماكينته مشحمة بشكل جيد. وبالتالي فهو ما يزال قادراً على التحرك برشاقة وخفة رغم ضخامته، عرضاً وطولاً.

يقف حزب البعث حالياً بين شد وجذب. داخلياً يتجاذبه الدكتور عبد الوهاب محمود أمين عام الحزب، والذي يعرف الحزب من خلاله أصلاً، وعلي أحمد ناصر الذهب رئيس الدائرة المالية بالحزب. وخارجياً يتجاذبه طرفان: المؤتمر والمشترك. والحزب برمته من الهزال بحيث لا يقوى على القسمة حتى على اثنين.

محمود يريده مع المشترك. والذهب يميل إلى المؤتمر أكثر. وقد افترقا عملياً إلى هذين الكيانين.

أمس اتهم محمود "السلطة" بالتدخل في شؤون الحزب. ودعاها في تصريح عبر الإيميل من الخارج حيث يتلقى العلاج، إلى التراجع عن أخطائها، ملوحاً باللجوء إلى القضاء "بعيداً عن الاقتتال"، طبقاً لكلامه.

وعموماً، هذا مصير محتوم. وكما كان لنا في اليمن بعثان، أصبحت الآن ثلاثة. وحكاية شق وتفريخ الأحزاب في اليمن قديمة وذات شجون.

لقد تحولت التعددية إلى وباء، بدلاً من كونها مصلاً يستخدم للقضاء على الاستبداد والشمولية والواحدية الفجة.

والمعلوم، أن الإفراط في الشيء يحيل إلى عكسه. وحينما تتناسل الكيانات الحزبية ومنظمات المجتمع المدني والصحف دون طائل، فإن التعددية تفقد معناها وجدواها، وتمسي آلية لا تطاق.

وفي مطلق الأحوال، فإغراق السوق بالأحزاب ليس مؤشر عافية: إنها القوة الناعمة لتجريد الديمقراطية من بريقها الأخاذ.