علي عبدالله صالح: ربما تتذكرني وربما ﻻتعرفني فأنا أكاديمي يمني سبق لي أن خاطبتك قبل عدة سنوات ناصحاً لك ببعض المقالات الصحفية التي قرأت بعضها حينها وأنت رئيساً لليمن.
منها مقالاً مهماً قبل مايقرب من 10سنوات أسميته (حكماء اليمن) استعرضت فيه كل حكماء اليمن عبر التاريخ ثم ختمته برسالة لك أطالبك فيها أن تنظم إلى صفوف حكماء اليمن؛ بأن تصلح مايمكنك إصلاحه من أوضاع اليمن حينها وأن تنحاز للوطن بكل صدق وإخلاص وتعمل على بناء اليمن وتضميد جراحه، لكنك لم تسمع خطابي ولم تقبل نصحي لك وأبيت أن تكون حكيما.
وأنا صاحب المقال المعنون ب: (الرئيس واعظاً) والذي قيل لي من مصدر أنك قرأته.
وأنا صاحب المقال الطويل المعنون ب: (قصة مستبد) والذي سردت فيه شخصيتك سرداً رمزياً منذ طفولتك وتوقعت فيه أن تنهي حياتك السياسية بتدمير اليمن وهاقد تحقق توقعي وصدق حدسي ولم يخب ظني السيء فيك، والعالم كله يشهد اليوم تدميرك لليمن.
علي عبد الله صالح .. سأخاطبك هكذا بدون أوصاف التفخيم والتعظيم التي تسمعها من أتباعك ومحبيك ومنافقيك وبدون أوصاف الشتم والإهانات التي تنالها من خصومك ومناوئيك ومظلوميك.
علي عبدالله صالح .. اسمعها مني واقرأ كلامي بتمعن، دعك من الغرور والأنا والذات المتضخمه وجنون العظمة والزعامة الزائلة، وعد إلى نفسك إلى ذاتك الطبيعية، وانظر في حالك ومآلك، واستحضر ماضيك وضع أمام ناظريك مستقبلك الحقيقي.
علي عبد الله صالح .. هاقد أمضيت من عمرك مايقرب من خمس وسبعين عاما،ً وقضيت في السلطة زهاء 35 سنة معضمها في حروب وصراعات سياسية، استخدمت فيها كل الأساليب والطرق والحيل والتفريخ والتفريق والتمزيق واﻹنهاك وامتصاص خيرات اليمن، ورقصت فيها على رؤوس الثعابين وكنت خﻻلها رأس اﻷفعى.
ثم ثار عليك بعض شعبك وطالبوا بإنهاء حكمك لليمن بعد أن طفح بهم الكيل، ربما أصابوا وربما أخطأوا ليس هذا موضوعنا اﻵن.
وتدخل كثيرون من أجلك ﻻسيما اﻷشقاء القادة في السعودية والخليج وتم تأمين خروج مناسب لك من السلطة، خرجت منها بعهد واتفاق وميثاق وتوقيع وحصانة، خرحت منها بمليارات من الدوﻻرات لايملكها الكثير من زعماء العالم وحصون وقﻻع وقصور فارهة.
وفوق هذا كله أنقذك الله من حريق مؤكد وموت محقق، وقامت الشقيقة الكبرى السعودية كماكنت تسميها سابقاً بعلاجك، ووفرت لك أكفاء الاطباء وأمهر الجراحين فانتشلتك من كومة جراحك وحروقك وكومة أشﻻئك وأعادت إليك بفضل الله تعالى عليك نبض الحياة وبهاء الصورة ونظارة الوجه من جديد.
بعدها كان جدير بك أن تتوقف عن كل شيء وأن تتناسى كل شيء وأن تغلق جميع الصفحات وتكره الكرسي، وتبدأ صفحة حياة جديدة مختلفة تنهي فيها ماتبقى من حياتك وعمرك.
كان بإمكانك أن تعيش ملكاً معززاً في قصورك الفارهة وتتنعم بملياراتك وبساتينك وحدائقك وشاليهاتك وتذوق طعم الحياة الحرة الآمنة بدون سلطة وبدون صراع، صدقني ياعلي أني حينها شعرت أن الله ترك لك فرصة ثمينة لتعيش حياة أخرى بعيداً عن السياسة والحكم، كانت لك فرصة العمر أن تتفرغ فيها لأهلك وأحفادك وأن تجوب أقطار العالم معهم جوا وبحرا وأن تلهو
مع أحفادك في كل مكان جميل.
كنت ستخرج من السلطة زعيماً حقيقياً، كنت ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه، كان الشعب كله بل العالم كله سيحترمك، كنت ستصبح اسماً ورمزا ًفي كتب التاريخ السياسي، كنت ستذوق طعم الحياة الهادئة بعيداً عن اﻷضواء.
كان بإمكانك أن تطلق السياسة وتنسى السلطة وتتخلى عن الكرسي، وتدعم السلطة الشرعية، وتقدم النصائح الثمينة إلى الحكومة المتخبطة حينها، كنت تستطيع أن تزود الحكومة بنصائحك وتوجيهاتك وفق خبرتك المتراكمة وحنكتك السياسية وتصبح سنداً للرئيس عبد ربه منصور هادي وناصحا أمينا لرئيس الوزراء حينها محمد سالم باسندوه وأبا روحيا لحزب المؤتمر الشعبي العام.
وفوق هذا كله كان بإمكانك الدفع بنجلك أحمد للترشح في الانتخابات الرئاسية، وأجزم لك أنه كان سيفوز فيها؛ ﻷن محبيك سيكافأونك بانتخاب نجلك، وداعموك من الأشقاء في دول الخليج سيعوضونك عن تخليك عن السلطة بدعم ترشيح نجلك أحمد.
آه منك ياعلي .. أقسم لك بالله أنك ضيعت فرصة ثمينة وزهدت عن حياة كريمة وفقدت مكافآت كبيرة، ولا أدري ماذا جرى لك وماذا حل بعقلك!! وأنت الرجل الذكي وأنت الذي تجيد السياسة وتمتلك الكياسة وتفهم الواقع، وتدرك تماما ماذا صنع لك الاشقاء في المملكة العربية السعودية والخليج من أجلك ومن أجل اليمن.
لكن .. اسمح لي أن أقول لك: لقد أحبط الله عملك ولم يرد بك خيراً ولم يكتب لك التوفيق والسداد في الرأي والموقف والتصرف؛ ربما ﻷن نواياك لم تكن حسنة، والله أعلم بما في من نفسك.
والآن يا علي قل لي بربك ماذا استفدت من كل الذي فعلته؟!
نعم لقد اقتصيت لنفسك من كل الذين ثارو عليك وأسهمو في إسقاطك من كرسي الحكم، وأخذت بثأرك من الشعب كله ومن اليمن بأكمله.
نعم ياعلي لقد أتقنت الدور ونجحت في المهمة وتمكنت من تدمير اليمن وإفساد كل شيء جميل فيها، وهاهي اليمن اليوم مليئة بالجراحات والآلام وتنزف فيها الدماء البريئة كل يوم، وهاهو الجيش قد تعرض لأقسى تدمير عرفته الجيوش اليوم وتحول نصفه إلى مليشيات ﻻشرعية لها بفضل قيادتك ونجلك له، وهاهي بيوت اليمن تئن من كثرة الدموع وأعداد المفقودين والجرحى والقتلى، ﻻفرق بين بيوت معارضيك ومحبيك، الكل تضرر والكل يتألم والكل يشكو والكل يعاني من سوء أوضاع اليمن حتى أهلك وبناتك وأحفادك.
بل لقد أصبحت الحياة في اليمن نكد في نكد ومعاناة في معاناة الكل يعاني الكبير والصغير والذكر والأنثى ﻻفرق، بل حتى مقاتيلك يئنون من الجراح التي أثخنتهم.
واﻵن ياعلي .. لم يتبق أمامك إلا خيط رفيع أخير، لا أدري هل تستطيع التقاطه واستخدامه لتنجو وتنقذ من معك واليمن أم ﻻ !؟؟ ومع هذا حاول التقاطه، إنها الفرصة الأخيرة، ربما تفلح ربما تنجح ربما تستطيع، الحق ماتبقى إنه المشهد الأخير لك ولنا ولليمن كلها، فإن عجزت فتأكد أن الله لايريد بك خيراً ، وأجزم لك أن نهايتك ستكون وخيمة، وأن دمار اليمن في ذمتك وهو دمار لك ولن تنجو أبداً ﻻدنيا وﻻ آخرة.
وستتذكر كلامي هذا لكن بعد فوات الأوان، في وقت تعجز فيه عن الدفع عن نفسك ولو بكلمة، إنه الموت ياعلي، مثلما خطف آلاف اليمنيين بسببك فإنه سيخطفك مثلهم ولن تنجو منه، بل وﻻ أظن مطلقاً أنك ستموت ميتةً طبيعية، إن نهايتك ستكون مؤلمة ﻷهلك. لعلك فهمتني أو ستفهمني لاحقاً، وها أنا ذا نصحتك مع أني أحد خصمائك بين يدي الله تعالى، والسلام ختام .