أخيراً كشف الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، نيته الحقيقية من وراء الحرب التي أشعلها في اليمن، في التاسع عشر من شهر آذار/ مارس الماضي، لقد أعلنها صراحة بأنه لم يعد معنياً بمخرجات الحوار الوطني الشامل، في المقابلة التي أجرتها معه قبل يومين قناة "الميادين" الموالية لإيران.
هذا هو التطور الأسوأ في الأزمة اليمنية، وقد كشف جانباً من مغزى لقاءات مسقط السرية وتحركات مبعوث الأمم المتحدة إسماعيل ولد الشيخ أحمد. وإذا كانت نوايا المبعوث الدولي حسنة، ورغبته حقيقية في التوصل إلى حل سريع للأزمة ينهي الانقلاب، ويعيد الدولة، فإن هذا الموقف من المخلوع صالح يضع تعقيدات كثيرة أمام مهمة المبعوث الدولي الرامية إلى جمع الأطراف السياسية إلى مؤتمر جنيف، رغم أنه لم يتم تحديد موعد دقيق له حتى اللحظة.
الثمن السياسي الأسوأ الذي يمكن أن يحصل عليه الانقلابيون هو تقويض أسس العملية السياسية، وأهمها مخرجات الحوار الوطني. وإن حدث ذلك، فإن الكارثة الحقيقية ستبدأ من هنا، لأن استمرار الحرب في معزل عن أي حدود ملزمة حيال مستقبل الدولة والتسوية السياسية، من شأنه أن يدخل اليمن في حلقة مفرغة من الصراع.
المعنيون بالِشأن اليمني يعلمون أكثر من غيرهم أن التحركات الانقلابية الأخيرة كانت نتاج ترتيبات مشتركة بين المخلوع صالح وحلفائه الحوثيين، الذي باتوا رأس حربة لمشروع استعادة السلطة، وهو مشروع يخص صالح أكثر من أي طرف آخر.
اتجهت جهود حلف الانقلاب في اليمن خلال الفترة الأخيرة نحو تقويض سلطة الرئيس هادي، كهدف مباشر، وكانوا أكثر حرصا على أن يتخلى هادي عن السلطة من طرف واحد، وهو ما لم يفعله هادي إلا عندما تورطوا في عملية عسكرية واضحة استهدفت إقصاءه من السلطة بقوة السلاح، قبل أن تفشل هذه الخطة بهروب الرئيس إلى عدن، نتيجة عملية استخبارية رعتها ومولتها ونفذتها أجهزة الاستخبارات السعودية والخليجية، وربما الأمريكية.
مثَّل خروج الرئيس هادي إلى عدن ضربةً موجعةً للحلف الانقلابي ولإيران، التي كانت قد اطمأنت إلى وضع يدها على اليمن، والإمساك بورقة استراتيجية في سياق صراعها الإقليمي والطائفي مع المملكة العربية السعودية.
ولكن، لماذا يرفض المخلوع صالح مخرجات الحوار الوطني، وهي اللبنة التي تتأسس عليها علمية الانتقال السياسي إلى الدولة الاتحادية كهدف نهائي متفق عليه بين كل الأطراف السياسية؟
السبب يعود بالتأكيد إلى أن مخرجات الحوار الوطني نصت على حرمان صالح ونجله وأقاربه، الذين شغلوا مواقع عسكرية، من لعب أي دور سياسي في المستقبل.
وقد حاول مراراً تعطيل مؤتمر الحوار وإفشاله ولكنه لم ينجح في مساعيه تلك. وكان شريكه في مهمة إجهاض الحوار مليشيا الحوثي. ورأينا كيف أن المعركة اندلعت في دماج بمحافظة صعدة أواخر 2013، ولم تتوقف إلا في صنعاء في 21 أيلول/ سبتمبر2014، حدث ذلك بينما كان مؤتمر الحوار يوشك على الانتهاء.
وبعد تلكؤ أدى إلى أن تتوسع مليشيا الحوثي مدعومة من النظام السابق في محافظات عديدة على حساب سلطات الدولة، فرض مجلس الأمن العقوبات على صالح في قرارين منفصلين، وعكس هذا الموقف المتأخر مستوى قلق المجلس والمجتمع الدولي من الدور السيئ الذي يمارسه المخلوع صالح في مسار الأزمة اليمنية.
من الواضح أن تنصل صالح من التزاماته تجاه مخرجات الحوار، ستشكل تطوراً صادماً للمبعوث الأممي الذي يزور صنعاء للمرة الثانية؛ فالأمم المتحدة تتحرك على أرضية مرجعية محترمة، تتمثل أولاً في اتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني وقرارات مجلس الأمن.
وسيتعين على الأمم المتحدة اليوم أن تبرهن على مصداقية الجهود التي تبذلها لإنقاذ العملية السياسية في اليمن؛ إذ من المؤسف حقاً أننا لم نسمع حتى اللحظة أي تعليق من جانب الأمم المتحدة إزاء موقف المخلوع صالح، رغم خطورته، خصوصاً أن هذا الموقف لا ينفصل أبداً عن موقف حلفائه الحوثيين الذين يشاطرونه الموقف ذاته من ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011.