قبل أن يُختطَـفْ الوطـن*
بقلم/ بريعمه الطهيفي
نشر منذ: 18 سنة و 6 أشهر و 6 أيام
السبت 29 إبريل-نيسان 2006 07:44 م
  • خاص ( مأرب برس ) 

في أعقاب إعلان الأخ الرئيس نيته عدم الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة شهدت الساحة السياسية حراكا سياسيا غير مسبوق ، اتسم في مجمله بالعشوائية والتخبط ، ومن اللافت للنظر أن النظام وكذلك القوى السياسية أو ما يسمى بالمعارضة لا يريد أحد منهم أن يُقدم علي أية خطوات عملية ، ويفضل الجميع عدم التحرك إلى الأمام أو الخلف تخوفا من الوقوع في الأخطاء ، متمسكين بمقولة "من لا يعمل لا يخطئ " ، وكأنهم لم يدركوا بعـد أن ذلك وإن كان صالحا في بعض المراحل الضبابية السابقة إلا انه ألآن لم يعد كذلك.

ومع انه من السابق لأوانه إصدار أحكاما دقيقـة بهذا الخصوص ، لكن ما يمكن استقراؤه حتى الآن هو وجود حالـة من الارتباك ، تبدو مفهومة إذا ما أدركنا بأن ا لجميع (النظام والمعارضة) نسوا - بل تناسوا - حقيقة أن الانتخابات لن يكون لها معنى – بغض النظر عن النتائج - إذا كان شعار الأمن والاستقرار والحفاظ على الوحدة سيضل مرفوعا كبديل للمطالبة بحقوق المواطنة الأساسية، وكبديل عن بناء دولة المؤسسات القانونية وتعزيز و تجسيد المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار وسن القوانين، وتعزيز القضاء واستقلاله.

لقد أصبح الإصلاح السياسي مطلبا شعبيا رئيسا ، يسبق الانتخابات وكل ما سواه في الضرورة والأهمية ، يراه البعض ضرورة تمليه المتغيرات الدولية وفعالية الضغوط الخارجية ، ويراه البعض الآخر ضرورة تمليه مجمل التراكمات الثقافية والاقتصادية والسياسية اليمنية المولد والمنشأ بنجاحاتها وإخفاقاتها. ومهما ابتعدنا أو اقتربنا من هذين الرأيين ، فإننا حتما نتفق على أن كلا العاملين – الداخلي والخارجي - يقدمان معطيات الإصلاح ، بيد أننا قد نختلف حول حقيقة أن هذين العاملين يضعان ذات الوقت معوقات في طريق تحقيق الإصلاح المنشود.

فعلى المستوى اليمني الداخلي نجد أن الموروث الثقافي الأبوي لا يزال هو المسيطر على العقلية السياسية ، والسواد الأعظم من السياسيين لا يزال سلوكهم محكوما بعقلية الثأر ، ومأسورا للذاتية وحب التملك والاستحواذ ، كما أن النظام على ما به من ضعف واستشراء للفساد في أجزاءه لا يزال عصيا على الانهيار ، بما يملكه من أوراق قوة تبدو غائبة عن الكثيرين ، منها ضعف قوى المعارضة وعدم قدرتها حتى الآن في إيجاد بديل واضح للنظام ، وإن وجدت بدائل فهي ضعيفة وليست موضع إجماع جماهيري ، كما أن الإستقواء بالخارج لفرض الإصلاح سيصب في مصلحة الحفاظ على الوضع القائم ، لأن من طبيعة الشعوب الالتفاف حول قادتها إذا جاءها التهديد بالتغيير من الخارج.

أما على المستوى الخارجي نجد أن السياسات الدولية وخاصة الأمريكية بعد 11 سبتمبر تسعى لفرض سيطرتها الشاملة على العالم وعلى مقدرات وثروات المنطقة العربية تحديدا، وذلك تحت عناوين مكافحة الإرهاب والخطر الإسلامي أو الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة والجماعات الإثنية ، وذلك بصورة ذرائعيه تخدم مصالحها وسيطرتها المطلقة على المنطقة ، ولا يمكن لعاقل القبول أو التسليم أن من كانت هذه سياسته سيدعم تحقيق إصلاح فعلي في بلادنا ، لأن معنى الإصلاح في أحد جوانبه عودة القرار للشعب ، الذي حتما تتعارض مصالحه مع المصالح الأمريكية ، والساسة الأمريكيين مدركين لذلك ، ويفضلوا التعامل مع أفراد يسهل ابتزازهم والضغط عليهم وليس مع الشعوب التي يصعب التحكم فيها إلا بالقوة والإكراه.

إن جُل ما نسمعه من دعوات تصدر من واشنطن نحو نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان ما هي إلا بمثابة بعبع لابتزاز النظام والضغط عليها ، كما أن الساسة الأمريكان لا شك مدركين لحقيقة أن أي تغيير راديكالي للنظام سيؤدي حتما إلى خلق فوضى عارمة ، بيد أنهم غير مدركين بأنها لن تكون " الفوضى البناءة " التي تحدثوا عنها كثيرا ، وسخروا ماكيناتهم الإعلامية للترويج لها ، فهي ستكون فوضى هدامــة ، تصبح فيها الساحة اليمنية مهيأة للتنظيمات الإسلامية الراديكالية للتحرك بحرية تامة وبصورة تمكنها من سهولة النيل من الولايات المتحدة الأمريكية وإصابتها في مقتـل ، ويكفي للتحقق من صحة ذلك مجرد التدقيق بالنظر في خارطة المصالح والوجود الأمريكي بالمنطقة وإلقاء نظرة عابرة على خارطة اليمن الجغرافية.

وقد قال الأخ الرئيس بحنكتـه وذكاءه المعهود " فلنحلـق رؤوسنا قبل أن يحلقـوا لنا " ، ومع ذلك يؤسفني الإشارة إلى أن الحكومة لم تكن بمستوى هذه الحنكـة ، إذ مازالت استجابتها لمطلب الإصلاح السياسي غائبـة ، وان وجدت بعض الإشارات إلى نوع من الاستجابة فإنها للالتفاف على ذلك المطلب أكثر منها للتعاطي الموضوعي الجاد معـه، وهو ما يفوت على النظام – بل على الشعب اليمني- فرصة سلوك الطريق السديد نحو عبور المنعطف الأخطر في تاريخه بأقل قدر ممكن من الخسائر.

ولا أجـافي الحقيقة إذا قلت أننا قد وصلنا بكل تأكيد لتلك اللحظة الحاسمة في حياة الشعوب والأمم التي تفترق فيها الطرق، فإما طريق البناء والتحديث المسبوق بإصلاح سياسي شامل ، وإما الانتخابات والاستمرار على ذات الطريق ، الذي لم ولن ينتهـي بنا إلا إلى مزيدا من التخلف والتمزق . وهنا أقول لـن تجـدي أيـة "خريطة طريق" إذا لم نتفق ونحـدد أولا الطريق قبل الحديث عن خريطته ، وإلا نكون كمن يضع العربة أمام الحصان . لذلك علينا أن ندرك ونتوقف جميعا عنـد الحقائق الثلاث التاليـة :

أن الانتخابات الرئاسية لن تكون لها الجدوى المأمولة إذا لم يسبقها إصلاح سياسي شامل ، وهو الإصلاح الذي لم يعد فقط ضرورة لتحقيق الأمن والاستقرار والحفاظ على الوحدة، إنما أصبح هو غاية كل يمني ووسيلته في آن ، وأصبح أمرا حتميا تستوجبه آدمية الإنسان اليمني وحقه في أن يعيش كبقية بني آدم .

أنه حين لا يستجيب النظام لمطلب الإصلاح السياسي، أولا يدرك ضرورته وحتميته ، أو حين يتم تغييب مؤسسات المجتمع المدني السياسية والنقابية والثقافية عن التعبير عن مطالب وآراء الأفراد و الجماعات فإن الرهان الشعبي سيعمل على تضخيم دور العامل الخارجي.

أن الرهان على العامل الخارجي لا يجعل أمامنا سوى طريقين، كل منهما أمَرّ من الآخر – ولا نحتاج فيهما لخريطة طريق – فإما الإحباط وتكريس روح التخاذل واللامبالاة، أو الانفجار في لحظات بشكل لا يمكن التنبؤ به، ولا يمكن التحكم في نتائجه ، وبصورة قد يُختطف فيها الوطن.

لذلك كله ، فإن الإصلاح السياسي ، باعتباره الغاية والوسيلة يستوجب من النظام والمعارضة ترك المماحكات السياسية جانبا والانفكاك من اسر مقولة " من لا يعمل لا يخطئ"، ويفرض على الجميع حتمية التوحد والعمل على تفعيل آليات العمل الجماهيري السلمي بما يكفل حث النظام على أهمية وضرورة الاستجابة للبدء في حوار فعال ، وصولا لبرنامج إصلاح سياسي شامل قابل للتطبيق.

وببساطة متناهية أرى أن علينا العودة إلى الجماهير، وتشجيعها على الانخراط في إطار حراك سياسي منظم وفعّال ، وتشجيعها للعمل السياسي السلمي للحصول على حقوقها، لأن البديل أراه خنادق العنف المسلح والإرهاب المقيت ، أو الركون إلى التدخل الأجنبي البغيض، والفوضى غير البناءة.

حتى لا تجرون على الوطن الويلات والخراب
محافظون قدامى جدد: التغيير على طريقة "البيادق"!!
هل يصبح الفساد القنبلة الموقوتة التي حان انفجارها ؟؟
الميلشيات من اليمن إلى لبنان
الجرادي يستغرب.. السعودية تواجه نيراناً صديقة!
مشاهدة المزيد