من ينفصل عن من؟
بقلم/ ضياء محمود
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 24 يوماً
الإثنين 05 مارس - آذار 2012 04:14 م

نسمع أصواتا هنا وهناك تنادي بالانفصال، وبحق تقرير المصير، وبحق استفادة كل من أرضه وثرواته، وحقه في الحكم وممارسة السلطة على نطاقه الذي يرسمه.

لن أعود إلى التاريخ لأناقش هذه المقولات، فقد كتب كثير عن ذلك، غير أنني أحاول وضع النقاط وإثارة الأسئلة حول تلك القضايا، وخصوصا أننا على أبواب حوار وطني.

من المسلمات التي أنطلق منها، وسيتفق معي الكثير، أن لكل شعب حقا في تقرير مصيره. ولكن هل هناك أكثر من شعب في اليمن؟ وما عوامل الاختلاف التي تجعل الناظر من بعيد يميز بين شعبين أو ثلاثة؟ إن العوامل التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية لا تساعد أحدا على التمييز. وهل ستكون العوامل الجغرافية هي المشرعنة لذلك؟ لا أعتقد أن ثمة ما يبرر الانفصال انطلاقا من العوامل الجغرافية. لقد نشأت الدعوة إلى الانفصال في رحم حكم فاسد، حاول الاستيلاء على الثروة، والسلطة، ومارس العنف بكافة أشكاله لإخضاع الآخرين، مما أدى إلى فقدان الثقة والمصداقية، وتأجيج الصراعات والأحقاد. ولأن هذا الرحم كان برعاية أسرة حاكمة تنتمي إلى الشمال جغرافيا، ولكنها لا تنتمي إليه ثقافيا ولا حضاريا – فقد كان ذلك مبررا لأن يقوم آخرون بالدعوة إلى الانفصال. غير أن هذا المبرر يسقط تماما بالثورة الشعبية التي استأصلت هذا الورم الخبيث، وأعادت الشعب جميعا إلى رحم واحدة، بارة حنونة بهم جميعا.

لا زال هناك خلط كبير بين بعض المصطلحات، كمصطلحات: الشعب والإقليم والولاية. ففي حين يتجه مصطلح الشعب إلى العوامل الحضارية والثقافية والإنسانية، يتجه مصطلح الإقليم والولاية إلى العوامل الجغرافية، ومن ثم فمن المقبول أن تتعدد الأقاليم او الولايات داخل دولة واحدة، ولكنه من غير المقبول أن تتعدد الشعوب داخل البلد الواحد. ومن ثم نستغرب ويستغرب التاريخ واللغة حين نسمع: شعب الجنوب وشعب الشمال. وحتى الجنوب لا يتمحور حول إقليم واحد، فهناك أكثر من إقليم، وقد طرحت مؤخرا مبادرات عدة في التوزيع اٌليمي لليمن، إلى خمسة. وهي أقرب من الناحية الجغرافية إلى القبول، فاليمن أقاليم وليس إقليمين، وحتى تاريخيا كان الأمر كذلك.

للداعين إلى الانفصال حق في تخوفهم من الحكومة الحالية، خاصة وأن أقطاب النظام السابق لا زالوا يرتعون فيها، وأيضا في ظل انقسام الجيش. إلا أن الإسراع في هيكلة الجيش على أسس وطنية، وليس مناطقية أو جغرافية سيسدد ضربة لهذا التخوف، ويفقد المنادين بالانفصال حجة أخرى من حججهم. وبدون الإسراع في الهيكلة فإن الحديث عن الانسجام الاجتماعي والوئام الشعبي سيظل حوار طرشان. فلا تقل لي: أنا أحبك، وأنت تشهر مسدسك في وجهي؟ فأي حب هذا؟ كيف نقول لمختلف فئات الشعب أننا نريد حوارا وطنيا، والجيش ما زال – في ظل انقسامه – يمارس العنف ضد المواطنين، ويمثل غطاء شرعيا لحماية المتسلطين، الذين نهبوا الثورات، وزرعوا المظالم، وأوجعوا القلوب، وسلبوا الحقوق. حين ندعو إلى هيكلة الجيش، فإننا ندعو إلى مساواة المواطنين، وابتعاد القوة عن حماية أحد على حساب آخر من أبناء الشعب الواحد، نريد يمناً القانون فيه هو من يحمي المواطنين، وليس السلاح أو الجيش أو الإعلام أو المال العام. وهيكلة الجيش هي النقطة الأولى في مسألة الفصل بين السلطات، وحين يتم ذلك فسوف نحظى بيمن خاضعة للقانون، تستطيع كل من السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ممارسة الصلاحيات، دون ضغوط أو تهديدات، سوى ضغط الشارع، الذي بالتأكيد سيضغط لما فيه المصلحة الشعبية.

إذا انتقلنا مسافة أخرى، فإن الخلاف حول الثروة والسلطة يبدو حجة قوية، فمن حق كل إقليم أن يستفيد من ثروته، وأن يحكم نفسه، ومن ثم فالحل المطروح ليس في الانفصال، فذلك يخالف منطق التاريخ، والاتجاه العالمي نحو التكتل والتوحد. بمعنى ألا نطرح حلا أكبر من المشكلة، فإذا كانت المشكلة في الحصول على ثروة الأرض أو السيادة فيها، فهناك حلول عديدة كفيلة بتلبية هذه المطالب دون الوصول إلى الانفصال. وليس هدفي مناقشة هذه المبادرات في هذا المقال.

أخيرا إذا أصر البعض على الانفصال، ولم ترضهم الحلول المطروحة، التي من حقهم أن يسهموا فيها - فإن من حق الشعب اليمني اللجوء إلى تقرير المصير، ويكون تقرير المصير حقا لجميع اليمنيين، وليس لمنطقة معينة، وإلا فستقوم كل منطقة أو محافظة أو ربما عزلة وتنادي بحق تقرير المصير، وهذا عبث ليس بعده عبث. نعم من حق الجميع تقرير المصير، ولكنه حق للجميع. فيصوت جميع الشعب على قضية تقرير المصير. ومن ثم فالتصويت على انفصال الجنوب مثلا – يشترك فيه كل الشعب، بالموافقة أو الرفض. لماذا؛ لأننا شعب واحد، ومن حقنا أن نقرر مستقبلنا جميعا، لا أن تقوم طائفة هنا وأخرى هناك بذلك. كما أن الدعوة إلى انفصال الجنوب هي دعوة إلى انفصال الشمال، ومن ثم فالشمال والجنوب معا تهمهم هذه القضية بنفس الدرجة، ويهمهم تقرير مصيرهم معا بنفس الدرجة، ذلك أن واقعهم قد تغير معا، وأي تغيير لهذا الواقع فإنه يتطلب موافقة الطرفين، فهو كالعقد الذي لا يمكن فكه إلا برضا الطرفين. وطرح هذا الموضوع لا يعني فرض رؤية ما بالقوة العددية لأبناء المناطق الشمالية، فأبناء الجنوب مع الوحدة، والأصوات المدافعة عنها أكثر من الأصوات الانفصالية. ولكنه حق مشترك يهم الجميع، ونتائجه تهم الجميع، ومن ثم فمن حق الجميع الاشتراك فيه. ولا يصح هنا القياس على السودان، فجنوبه مختلف عن شماله لغة ودينا وحضارة وثقافة، وعوامل الانفصال أقوى من عوامل الارتباط، ولهذا كان من حق احدهما فقط تقرير مصيره.