آخر الاخبار
الجارودية الخمينية.. وإشعال الحروب في صعدة
بقلم/ نجيب غلاب
نشر منذ: 14 سنة و 3 أشهر و 18 يوماً
السبت 17 يوليو-تموز 2010 06:42 م

لن تتمكن « الجارودية الخمينية» (وهي الوصف الفكري للانشقاق الحوثي عن المذهب الزيدي) من قبول السلام وقيم العيش المشترك مهما كانت التنازلات المقدمة لها من قبل الدولة والمجتمع في اليمن، لأن بنيتها العقيدية المتطرفة تتناقض مع الجمهورية والوحدة والديمقراطية، فالتجديدات التي أدخلها حسين الحوثي على الفرقة الزيدية الجارودية جعلت حركته التي أسسها بإشراف الملالي ومراقبة المخابرات الإيرانية تعتقد أنها المجسد الفعلي للحقيقة الدينية، وهذا جعلها أثناء حركتها للترويج لعقائدها تفرز الصراع بشكل تلقائي مع المختلفين معها حتى في الوسط الاجتماعي المتشابه معها مذهبيا. فقد دخلت منذ تأسيسها في صراعات كثيرة مع الزيدية كمذهب؛ سواء بوجهه التقليدي، أم المجدد. ففي الشهر الماضي مثلا، قامت جماعة حوثية بقتل شاب زيدي جارودي في أحد مساجد مران في صعدة لأنه رفض التعامل مع اجتهادات الحركة، وكانت النتيجة صراعا داميا بين فرقتين زيديتين كلتيهما تنتمي إلى الزيدية الجارودية.

أما الفقيه الزيدي المعتدل محمد عزان الذي أسهم في تأسيس الشباب المؤمن، فقد تم التعامل معه كخائن لمذهب آل البيت لأنه قدم اجتهادات محورية في مسألة الإمامة مستندا إلى تراث الفقه الزيدي، وتوصل في أبحاثة إلى أن الإمامة لا تكون إلا بالشورى.. يتولاها من يجمع الناس علية بصرف النظر عن الانتماء العرقي، وهو باجتهاده يؤيد فتوى دينية أصدرها علماء هاشميون كبار ومحوريون داخل المذهب الزيدي في بداية التسعينات من القرن الماضي، أكدوا فيها أن العصر والتحولات التي أحدثتها الجمهورية والوحدة قد تجاوزت مسألة الحق الإلهي المقدس لآل البيت، وأن الديمقراطية هي الآلية العادلة في تحديد من يحكم.

وما يجعل العنف طبيعيا في بنية الحركة الحوثية أثناء تفاعلها مع الواقع مقارنة بالزيدية المعتدلة، أن مشروعها في ظل تأثرها بالخمينية تم بناؤه على عقائد دينية صارمة وناجزة، هذه العقائد تؤكد أن تحقيق الدين وإصلاح الدنيا لن يتم إلا بالتسليم بالحق المقدس لآل البيت في الولاية الدينية والسياسية، وحتمية بناء دولة يحكمها أمام فاطمي. لذا، فإن نشاطها حتى وإن اتخذ وسائل سلمية، فإن نتائجه النهائية هي الخروج لتحقيق عقيدة الإمامة، وهذه المسألة غير قابلة للمراجعة، وأي فعل في زمن الحرب أو السلم هدفه الجوهري تحقيق هذه الغاية.

هذه الإشكالية العويصة غير القابلة للحل هي التي تنتج الحروب المتلاحقة في صعدة، والتي ستنتجها في المستقبل، وهي التي مكنت إيران من اختراق الحركة. مع ملاحظة أن هذه العقيدة المحورية لدى الحوثية تتناقض مع عقيدة الإمام الغائب، التي يرى فيها حسين الحوثي أنها عقيدة خرافية، إلا أن حسين الحوثي سوق آية الله الخميني لأنصاره كإمام رباني يعبر عن المذهب الزيدي النقي، لأنه أعلن الخروج وأسس لثورة أسست دولة لآل البيت في إيران.

ونشير هنا إلى أن التفسيرات التي يتم من خلالها فهم المجريات في صعدة من قبل المتابعين للأحداث من خلال التركيز على الأبعاد السياسة والاقتصادية والاجتماعية لا يمكن أن تعطي تفسرا واضحا للحروب المتلاحقة ما لم يتم الاقتراب من الإشكالية العقيدية التي تحكمت في الصراعات المختلفة التي أنتجتها الدولة الزيدية عبر تاريخها الطويل في صراعها مع المجتمع اليمني، والتركيز على تلك العوامل تستغله الحركة الحوثية في صراعها لخلق حجاب يمنع المراقب من فهم طبيعتها ودور عقيدتها في إنتاج الصراعات. وقد تمكنت الحوثية كتنظيم، وباحتراف، من بناء آلية صراعية لها أوجه متعددة ومساقات مختلفة، تعتمد على نقل المتابع للحدث إلى نقاط الضعف التي يعاني منها الواقع، واستغلال المشكلات المختلفة والتركيز عليها باعتبارها هي المشكلة، ويتم تدعيم هذه الاستراتيجية بضخ إعلامي منظم ودقيق، ومن يتابع تفاصيل خطط الحركة في مواجهة الدولة، التي تمتاز بالكفاءة والفعالية، ويقارنها بالخبرة الإيرانية والقوى التابعة لها في المنطقة، سيجدها متشابهة، مع تجديدات تم إدخالها لتتناسب مع الواقع اليمني وتركيبته الاجتماعية وطبيعة واقعه الاقتصادي والسياسي.

فبعد أن رسخت الحوثية العقائد في تنظيمها المتماسك وخلقت شبكة من التحالفات الداخلية والخارجية، انتقلت إلى مرحلة المواجهة لفرض أجندتها، وخلال الحروب المتلاحقة تمكنت من استقطاب القوى الهاشمية القريبة من رؤيتها وحتى المختلفة معها، وتمكنت من استقطاب وتحفيز قوى قبلية في محيط حركتها في ظل وضع سياسي يستغل هذا الواقع القبلي القائم على الثأر والغنيمة، وحولته إلى قوة مقاتلة شرسة في حروبها المتلاحقة. ومما زاد من فاعلية الحركة، أن الصراع في اليمن في بنية النظام الحاكم وبينه وبين معارضيه محكوم بالانتهازية السياسية.

فأحزاب «المشترك» مثلا ترى في الحركة قوة إيجابية لإضعاف النظام الحاكم، ولجنة الحوار الوطني ذات التوجه المعارض تتعامل مع الحوثية كفصيل وطني مناضل يدافع عن نفسه في مواجهة الاستبداد. أما المجتمع المدني الضعيف وقليل الخبرة وذو التوجهات التنويرية فقد وجد نفسه في غمار الصراع في مواجهة مع الدولة، وحمّلها أسباب الحروب المتلاحقة. والمتابع لمجريات الصراع سيجد أن نتائج الحروب والمآسي الناتجة عنها قد أوقعت الدولة في ورطة كبيرة أمام المجتمع اليمني وأمام العالم.. كل هذه العوامل وغيرها ساعدت الحركة الحوثية على وضع نفسها كطرف مظلوم يدافع عن نفسه. ولأن الحركة خرجت من كل حرب وهي أقوى مما كانت عليه، فقد تسرب اعتقاد لدى أنصارها أنها مؤيدة من الله؛ فقد تمكنت الحركة، حسب المتعاطفين، من تحدي ومواجهة دولتين في الحرب الأخيرة.

ومن يتابع الأحداث في صعدة خلال الأشهر الخمسة الماضية من إيقاف الحرب السادسة، سيلاحظ فشل الحكومة من تحقيق نتائج إيجابية على الواقع بحيث تسهم في محاصرة اندلاع حرب قادمة، وقد اتهمت الحكومة الحوثية بعرقلة السلام، التي اتهمت بدورها النظام الحاكم بالبحث عن حرب سابعة لتغطية فشله في إدارة أزماته مؤكدة أن الحرب القادمة ستكون حاسمة. ومما يجعل الحركة الجارودية الخمينية تتلكأ في تنفيذ شروط الدولة التي وافقت عليها لإيقاف الحرب، إدراكها أن المخاطر التي تواجه الدولة اليمنية قد تجعلها غير قادرة على تحمل الحرب، فالصراع مع «القاعدة» يقود مناطق القبائل إلى التكتل لمواجهة النظام الحاكم، كما أن الاتجاهات التي تدفع بالحراك الجنوبي نحو العنف تتنامى كل يوم، ناهيك بفشل الحوار بين القوى السياسية، والأخطر من كل ذلك الاقتصاد الضعيف ودولة قريبة من الفشل حسب تقارير بعض المنظمات الدولية، وواقع اجتماعي يبتلعه الفقر ويتآكل في التناقضات الطائفية والمناطقية والقبلية.

حسب تصوري، فإن الحل لن يكون بالحرب وفق الأساليب السابقة، فالحركات المتطرفة التي احترفت حروب العصابات في حاجة إلى استراتيجية مختلفة طويلة المدى، من ضمن هذه الاستراتيجية عدم تقديم تنازلات مهمة للحوثية، والتعامل مع كل فعل يقلل من هيبة الدولة من قبل الحوثية بحسم وقوة والعمل على محاصرته وتعبئة المجتمع لمواجهته، على أن يتم تبني خطة واضحة تقوم على التحفيز لصناعة السلام في صعدة متوافقة مع قيم ومبادئ المشروع الوطني، والاعتماد على المجتمع المحلي في صعدة لمواجهة التحديات المختلفة.

السلام هو الطريق الوحيد لخنق عقائد الحوثية، والسلام لن يتحقق إلا بحزم متماسكة ومتكاملة، تبدأ بكسب القبيلة وحل مشكلات الثأر فيها، وبناء تحالف قبلي واسع من أبناء صعدة وما حولها لدعم سيادة الدولة على أن يكون مسنودا باستراتيجية تنموية متكاملة لحل مشكلات المجتمع، هذه الاستراتيجية هي المدخل لكسب المجتمع المحلي وتحويله إلى قوة مساندة. أما الخطوة الثانية والمتزامنة مع الأولى، فهي تقوية وتدعيم الزيدية المعتدلة وحمايتها من قبل الدولة ومن التحالف القبلي في مواجهتها مع القوى المتطرفة الرافعة للسلاح.

وفي الختام، أشير إلى أن إعادة بناء توافق سياسي يتجاوز واقع الصراع الحالي وفق مبادرة رئيس الجمهورية الداعية للحوار التي أعلنها في عيد الوحدة الماضي، هي المدخل الأساسي لإحلال الأمن والاستقرار، وهي البداية التي ستمكن اليمن من مواجهة مشكلاته المعقدة. وفي تصوري، لن يتم ذلك إلا بمساعدة دول الخليج والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي من خلال ممارسة الضغوط على القوى المتنازعة لخوض غمار الحوار، ولا مانع من الإشراف عليه، وأيضا العمل بشكل جاد في اتجاهات واضحة وبينة تمكن اليمن من الحصول على القوة الكافية حتى يخرج من معضلاته المتراكمة.

* عن الشرق الأوسط