كيف يبني الامريكان علاقاتهم مع الربيع العربي والانساني .. (من وحي تصريح السفير في صنعاء) ؟
بقلم/ كاتب/مهدي الهجر
نشر منذ: 12 سنة و 10 أشهر و 10 أيام
الأحد 25 ديسمبر-كانون الأول 2011 11:51 م

تبت يداه شعب يُعلِّقالرجاء لثورته على الولايات المتحدة الامريكية او غيرها من ذات الفصيل، إنه كمن يفرُ من الآفة الى المصيبة ، ومن إبليس الى الشيطان .

فمع الخبرات السابقة فإن الذاكرة أيضا لا زالت حاضرة بشأن الموقف الامريكي تجاه قضايا المنطقة الراهنة وتجاه الربيع العربي الفاعل والشاغل الآن .

يسعى الأمريكي لتحصيل مصلحته على أي وجه وباي سبيل دونما اعتبار البتة للقيم الامريكية المعلنة في سياسته الخارجية ، فإن حضرت فليست بأكثر ولا تختلف عن دندنة الزعيم العربي في خطابه التاريخي والمتكرر عن رسالته التي يعمل عليها ومن اجلها خُلق والتي تدور حول الحقوق والحريات ، واحترام رغبة الامة ، وقضايا المرأة والتنمية ... وغيرها على هذا النسق .

هذا هو الامريكي عندنا على حقيقته عند حضوره يلهث وراء مصلحته.

يُقاتل القاعدة فيقتلنا نحن ويُبقي عليها في الآن نفسه لتظل واحدة من اهم ادواته الضامنة لاستمرار مشروعه الاستراتيجي .

يعلن العداء السافر تجاه ايران وخطورة مشروعها التنموي العسكري التكنولوجي تجاه السلم والامن الدوليين ومنطقة الخليج على وجه التحديد ، وباطراد والحاح يظل يضخم هذا الخطر القادم على دول المنطقة ، والمصلحة العالمية التي تقترب حسب زعمه من المصيرية بصورة تخلق حالة من التوجس والقلق تقطع بحتمية المواجهة في الوقت الذي تتصافح فيه اليد الامريكية والايرانية من تحت الطاولة على قضايا لا تبدو انها في هامش العلاقات .

في خطابها الصاخب والمتكرر برتابة حد اللؤم هناك ، وحد الصداع والتقزز لدى شعوب المنطقة .. ما عاد لها الخارجية الامريكية او الادارة الامريكية في مجملها أي اثر من مصداقية أو أخلاق تطبعه في الوعي الجمعي للمنطقة ، ويعود على مصالحها في المدى البعيد .

كيف التوفيق بين هذا التناقض الصارخ والجدلية المهترئة في الخطاب المعلن والسلوك القمعي المضاد ؟

في مرأى العالم عبر الفضائيات وشهود من الواقع رسميين ، ومن جملة الشعب ، منظمات محلية واخرى عالمية .. تخرج مدرعات من مبنى السفارة الامريكية بيضاء من نوع متميز ومتقدم لتسحق وتدوس الشعب المصري في أيام ثورته ثم تُولي عائدة ، وعند بلوغ الفضيحة سمع العالم وبصره تعلن السفارة الامريكية في القاهرة افتقادها ـــــــ سرقة ــــــــــــ لبعض آليتها من مبنى سفارتها .

وبعد ان حسم شعب مصر امره وأسقط الله الفرعون ، خرج البيت الابيض على لسان سيده اوباما بخطاب ثوري عاطفي وشجي مُوحي بجملة من المشاعر مُوجه لشعب مصر يُحيي فيه هذا الشعب الحضاري العظيم الذي علَّم العالم وابدع حضارة جديدة سقفها انساني ، وروحها قد دبت في العالم تتحرك ...ثم يلعن فيه الفرعون ودكتاتوريات المنطقة ، ويدعو بقية دكتاتوريات المنطقة والعالم ان تعي الدرس ...

وكأنك بين يدي الزعيم سعد زغلول ، وجيفارا ، وغاندي ، وتوكل كرمان ، وفؤاد الحميري ..وكل ارواح احرار الامة العربية .

كيف الثقة بالسيد الامريكي بشأن قيمه المعلنة والتي صدع الرؤوس لأجلها وهو الذي يبني ويخندق في مقابلتها ؟

كل دكتاتوريات المنطقة حماها الامريكي وطوَّرها ورعاها وزودها بكل سبل العصر في القوة والحشد والحيل والتقنية ، ثم يريدنا كشعوب في هذه البلدان أن نصدقه ونبني معه العلاقات الانسانية المختلفة على اساس من هذه القيم ــــ التي يزعمها ـــ وهو الذي فَجَرَ، وكذب ، ونافق ، وكفر عندما يحل الواقع .

هكذا رأيناه في اكثر من مناسبة ومكان على الواقع والارض .. من عند فلسطين مع اسرائيل ومع الديمقراطية عندما باضت لحماس ، ومرورا بثورات الربيع العربي على اختلافها ، فضلا عن ما فعله بالعراق .... وووووو..

أما إن كان له بعض من حسنة في ظاهرها بدت بشأن الثورة الليبية ، فإنها لم تكن منه خالصة وذات مقصد انساني إنما اجبرته الثعالب الاوربية على ان يلحقها وبشأن كعكة خشي ان تفوت منه ، وما يضمره لليبيا في الغد المنظور ابشع واخس .

********

يبدوا أن الولايات المتحدة وهي الدكتاتور المستبد الاول في العلاقات الدولية قد تساوت في تفكيرها مع المستبد الفرد في منطقتنا من حيث القلة في الافق وسوء التقدير للحسابات بشأن المتغير الذي انبثق فجأة وصار يفرض معطيات جديدة وقيم تختلف على ارض الواقع .

فــ المستبد الفرد في النظام العربي لم يتطور وبقي على منظومته التقليدية في الرؤية والتفكير ، والتعويل فقط على ما معه من العصا والجزرة ومجاميع البلطجة ثم على من يَكْفُلُهُ في النظام الدولي .

من جهته هناك .. وعلى ذات السياق والرؤية وكلا بحسبه يظل المستبد الدولي على حاله من حيث التعويل على منظومته التقليدية من شطط القوة ، وصرخات ، عاصفة الصحراء ، والضربة ، والصدمة ، وراس الرمح وغيرها ..ثم التعويل على المستبد الفرد الفرعون هنا ، والقطة لديه ..

وهذه رؤى وفلسفات وتفكير ، ومتكرر ، ومعتاد ..قد اسقطها جملة وفجأة الربيع العربي ليس على مستوى المنطقة العربية بل على الصعيد الانساني ، قيم تجذرت ، وسلوك سار .

********

وثورة التغيير في اليمن رغم عنت الداخل والخارج عليها ظلت تحمل قيم انسانية متفردة في مجال العلاقات والتعايش لخصتها بإيجاز ووضوح السيدة توكل كرمان صاحبة نوبل وإحدى الفاعلات في هذه الثورة في كلمتها التاريخية اثناء مراسيم تكريمها واستلامها الجائزة .

وهي من أفقها العام ..

العمل على بناء علاقات دولية على اساس راق ينبثق من قيم العدل والاخوة والمساواة والسلام ، ومن نحسب ان الارض باتت اسرة انسانية تكفلها قيم الرحمة والتعاضد والرشد والنصر وتحقيق الكفاية والكفاءة..

********

إن تصريح السفير الامريكي بصنعاء السيء والمجافي للحقيقة والاقرب للتحامل بشأن مسيرة الحياة السلمية ، قد اساء بل واعتدى بالجور والبهتان على الشعب اليمني بكل مكوناته .

وإن المسيرة السلمية الراجلة من تعز الى صنعاء والتي ائتلفت بمليونية على مشارف صنعاء ، وتحوطها المنظمات ووسائل الاعلام المختلفة ، والمراقبون ، والحقوقيون ، وشهود مستقلون كُثر ، لَتَقطع بأن اليمن قد انتقل الى يمن آخر ، وأن الشعب اليمني قد امتلك ارادته ويثابر بكل ممكناته وحيوياته لاستكمال ما بقي من اهداف ، والانتصار لكرامته وحقه في الحياة .

كما أن شعوب الربيع العربي التي قدمت أغلى ما تملك لاستعادة حقها واسقاط الدكتاتور المحلي ، لقادرة بذات الروح الجبارة والحيويات الاخرى ان تسقط في ارضها مَن ظل في حسه ومنهجه يتعامل معها ويجوس في اطار العلاقات بحس وتفكير وسلوك ذات الدكتاتور وإن كان في نمطه مختلف يتقنع بمسمى العلاقات الدولية ..

ويبدو انه ما زال غائبا عن بعض الاطراف الدولية حقيقة هذا الربيع العربي ونمط الثورة الجديد.

فما كان معتادا وسار الفهم عليه .... ان هنا اوهناك أعلنت ثورة يكون من ورائها عدد من العسكر لا يتجاوز اصابع اليد ، هم كل الثورة وثقافتها وفلسفها واهدافها ، ومن ثم ما زال امر الفأر في المصيدة.

بيد ان ثورة اليوم مختلفة فهي ثورة غير تقليدية ، مختلفة تماما ومن نوع آخر غير مألوف ، ليس لها حد او سقف ، انسانية شاملة بنَفَس سلمي شعبي معرفي متقدم .

وهي ثورة على الثقافة الجامدة والتقاليد السياسة البالية المثبطة ، وعلى قيود الصمت وحواجز النفس ومحبطات الخطو المختلفة ، وقبلها ثورة على النفس واقتلاع الخوف الجاثم والوهم المدمر .

وإن الام التي قدمت ابنها شهيدا ، وأهدت دمه ولحمه لأجل اليمن وأن يسقط الدكتاتور ، لأهون عليها بكثير وهي من اعتاد التضحية والصبر أن تربط على بطون اولادها قليلا في سبيل أن تسقط الدكتاتور الدولي على ارضها ومنطقتها بذات السلمية إن رأته يتحرك وما زال يصر على تلك الروح الغاشمة والمستبدة .

فإذا كانت فرنسا سارعت بالاعتذار الرسمي ثم أقالت وزيرة خارجيتها تقديرا لتونس وثورتها جراء تصريح لوزيرتها احس التونسيون أن فيه لثورتهم إساءة ... فلا اقل هنا من أن يلعق السفير الامريكي حذاءه ويعلن اعتذاره الرسمي والصريح لثورة التغيير ولمسيرة الحياة في اليمن .