|
يُخيل لبعض اليمنيين أن تعز جنة وارفة، ولها نصيب من اهتمامات الحاكم، وينعتها آخرون بأقذع النعوت بسبب موقفها من نظام "صالح" معتبرين سكوتها –ظلماً- رضاً، ويستشهدون بتعديد مقوماتها كأدوات رفض ووسائل ممانعة تكتنزها تعز إن هي شعرت بالقهر وتحركت للتغيير وباستطاعتها تركيع قاهريها الصغار والكبار.
ويجتاحني شعور بالخزي والعار حينما يسمون سياسيين ومثقفين مقربين من السلطة، وتؤلمني مرارة الفقد أثناء تعديدهم لبيوت تجارية ضاربة ورجال أعمال تعزيين بإمكانهم –لو أرادوا- إعادة صياغة معادلة الحكم في الجمهورية على اعتبار ما للقوى الاقتصادية من نفوذ يؤهلها لأحداث تغير ما.
لهذا وغيره أجدني مضطراً لتصحيح اللغط الحاصل، وتبديد الرؤية البنفسجية الملتصقة بتعز، أو على الأقل تشريح معنى السكوت، كون الحقيقة غائبة في ظل رؤى ضبابية تحسد عليها تعز، وربما لو عرينا سبب سكوت محافظة مليونية عاجزة عن الفعل وإنصاف نفسها ممن اغتالوا فيها قيم التمدن وأفسدوا معنى التحضر، وأحالوها إلى بقايا مدينة تدعى (تعس) –حد تسمية الساخر فكري قاسم.
في أي مجتمع كان يعد التعدد ثراء، وتنوع القوى عافية تنعكس على بيئتها، لكن هذه الجزئيات لا معنى لها في تعز وغيرها من محافظات اليمن، وتعديد عينات من تعز لم نتذكرهم ولن يصبحوا يوماً رهاناً لأي تغيير، لأنهم بلغوا من الجبن عتيا "والجبناء لا يصنعون الحرية"، وإن حسدوا على مراكزهم وكنوزهم، وما يعتقده من ود يكنه الرئيس صالح لتعز لاعتبارات عدة، ويتجلى ذلك بمزايا للمحافظة عمن سواها فهنا تبدو المهزلة دامية للقلوب المنهكة بفعل خيول الرئيس.
ينظر إلى تعز من بعيد كواحة خير، وموطن نماء، وواقعها غير ذلك، حتى وإن تراءت للبعض كـ(حالمة) –كما يعوون- ليس لها من عزها نصيب، لقد جلبت لحظات الحب مع الحاكم عليها مواسم قحط، ولعنات شعب تصنف الصمت عند الأذى خيانة، ناهيك عما يقاسيه التعزي كإنسان مشطر بين البداوة والمدنية.
بلا شك يمثل تعدادها السكاني، وانحدار كثير من سياسيي ومثقفي البلد منها وما يمثله رأس المال من عامل محرك ورقماً صعباً في بورصة الحكم المسيرة لبلد، لكن هذا لا مكان له في الواقع الفعلي، ولوغاريتم السلطة مؤمم والمسالك إلى رباها مسدود على أي طامح أكان تعزياً أو عدنياً أو حضرمياً.
تعزيون كثر بزغ نجمهم، واتسع نفوذهم، وسرعان ما ضاع نورهم، وانعدم نفعهم، وأغلبهم مروا دونما فائدة كـ(سراب بقيعة)، ومن تعمر منهم في أسطبل السلطة، هم أساساً ساسة خيول، وليسوا سياسيين بالمعنى العملي، وفي أفضل الحالات يعدون مهدئات آلام (أبو فاس) من رتبة (العليمي) وبنادق رباح من عيار (البركاني) و(الجندي) وبراويز للتندر أمثال (عبدالعزيز عبدالغني) ..الخ.
من ينقب تأريخ وأدوار تعزيو السلطة وأزلامها في (صنعاء) و(تعز) لا يجد أثراً لمنجز في مسقط رؤوسهم، وتكاد سيرهم تخلو من موقف يحسب لمدينتهم، وأنهم كائنات بلا هدف يقضون جل حياتهم في التناحر على كسب ود الزعيم ولا داعي للتدليل هنا.
والتعزي داخل منظومة الحكم أناني بالفطرة، يكتفي بفتات المنصب، وتخلو أجندته من جزئية جلب المنافع للمحافظة –أسوة ببقية المسؤولين- ولا يتورع معظمهم من استخدام سلطاته في إذلال أهله وناسه لهذا ينظر إليهم الحاكم بدونية ويتعامل معهم ككائنات ناقصة لا وزن لها يسهل التخلص منها حينما تقتضي المراحل لكباش فداء.
وبقدر اشتعال حروب الضرب تحت الحزام بين وجاهات تعز في صنعاء، تضرم حروب بلهاء من نوع آخر في تعز بين متنفذيها وهم جزء منها على مكان رجل تعز الأول لنيل رضا الحاكم، وتجددت هذه الحرب بنزول الصوفي محافظاً للمحافظة ما زاد من ضعف الرجل، وظهرت تحالفات شبه مناطقية لتشكل فيما بعد جبهتين، وبينهما ملايين من البشر يدفعون فاتورة هذه الحروب.
وبدأنا نسمع وسط طابور الحاكم في تعز عن محافظ (شرعبي)، وأمين عام (صبري)، ورؤوس أموال (حجريين)، ولازال المركز يصب زيته على لهب متصاعد بين خيوله الجرباء، التي لا تعي تبعات صراعهم الذميم على مدينة بأمس الحاجة لمن ينتشلها من مستنقع خطاياهم.
وبحسب مصادر مطلعة هناك طرفان يتزعمان حروب تدمير تعز وأولها محافظ تعز (حمود الصوفي) و(رشاد العليمي) و(فتحي توفيق عبدالرحيم) وأصغرهم (عبده الجندي)، وفي الجبهة المقابلة يتسنم جبهة التيار التقليدي الأمين (أحمد الحاج)، و(سلطان البركاني) وبيت البحر ورجال أعمال صغار، بالإضافة إلى لوبي المحافظ السابق (أحمد الحجري) وعلى أي حال فالكل سبب رئيس للخراب والدمار في تعز لأنهم أثبتوا فشلهم في إدارة المحافظة والحديث هنا ليس بمعزل عن سياسات المركز في تخريب تعز بأيادي أبنائها.
وكما هو معلوم فالتيار الجديد ممثلاً بالمحافظ الصوفي ضعيف إلى أبعد حد، فالحرس القديم يحتفظون بخيوط الخراب، ولعل الضربات التي تلقاها الصوفي من كل اتجاه دفعته للصراخ ولفت الأنظار، وانتهى المهرجان الانتخابي لابنه في مسقط رأسه مناسبة لاستعراض ذراعه المسلح في حضرة (عبدالعزيز عبدالغني) و(سلطان البركاني) وآخرين.
فالحشود المسلحة تلك في ذلك اليوم المشؤوم حين زج بها إلى ساحة المهرجان في طوايبر كرنفالية لم تك رسالة لمنافس في 37 فهو ينافس نفسه دائماً، لكنها وجهت لضيوف المنصة من باب تذكيرهم بسر قوته ليس إلا!! وهنا تتجسد للعيان حماقة المنظم وبلاهة الضيوف على حد سواء.
تعز التي نعرفها، أو ننشدها ليست بحاجة لمليشيات صوفية، أو حروب جانبية بين متنفذيها على فتات المناقصات، ومشاريع الهبر وما يزيد من تعقد المشكلة تسابق مسؤولو تعز على نهب أراضي الناس بطرق مباشرة وغير مباشرة.
تعز المحروسة بقراصنة الأراضي وقاطعي الأرزاق فقدت الأمل في الخلاص من ربقات القهر، ما دام كبارها يتناحرون على اللاشيء، والبقية يخورون طوعاً وكراهية لسواطير القتل والدمار، وستظل هكذا ضعيفة تدفع فاتورة الرجل الأول ما لم ينتفض الجميع ضد الجميع لتبقى تعز بلدة للعز.
sharabi53@gmail.com
في الأحد 28 مارس - آذار 2010 04:37:57 م