اليمن والتعديلات الدستورية المرتقبة ...
بقلم/ نصر طه مصطفى
نشر منذ: 17 سنة و شهر و 10 أيام
الجمعة 28 سبتمبر-أيلول 2007 03:03 م

عشية الاحتفال بالعيد الخامس والأربعين لثورة 26 سبتمبر وقيام النظام الجمهوري في اليمن، فاجأ الرئيس علي عبدالله صالح الأوساط اليمنية عموماً، والسياسية خاصة، بمشروع موسع لتعديلات دستورية مهمة تمس جوهر النظام السياسي القائم وتركيبته الحالية تجاوز في الحقيقة ما تضمنه برنامجه الانتخابي، الذي خاض به الانتخابات الرئاسية في العام الماضي، والتي فاز فيها بنسبة 77% من أصوات الناخبين. ويبدو أن الرئيس صالح تعمد الإعلان عن مشروعه في مناسبة ذكرى قيام النظام الجمهوري، ليؤكد أن تعديلاته الدستورية المقترحة هي خطوة جديدة في ترسيخ جذور النظام الجمهوري في اليمن، بل إن بعض السياسيين اعتبرها ثورة جديدة نسبة إلى حجم التغيير والتطوير الذي تضمنته هذه التعديلات على كل الصعد السياسية، سواء في شكل النظام السياسي وجوهره أو في تطوير السلطة التشريعية، أو في ما يتعلق بالسلطة المحلية، أو حتى في ما يخص الحقوق السياسية للمرأة، وبلاشك فإن هذه التعديلات لو تمت كما هو مقترح لها فإنها تعتبر تطوراً سياسياً غير مسبوق، قد يثير حفيظة الكثير ممن يقلقون على مستقبل بلد كاليمن موارده شحيحة وأكثر من نصف سكانه يعانون من الأمية ولايزال للعصبية القبلية تأثيرها، على الرغم من تراجعه بفعل التعددية الحزبية والسياسية.

كان الرئيس علي عبدالله صالح دعا أحزاب المعارضة قبل ذلك بيوم واحد ليعرض عليها مشروعه للتعديلات، إلا أن أحزاب اللقاء المشترك المعارضة لم تحضر فيما حضرت أحزاب المعارضة القريبة من الحزب الحاكم، الأمر الذي أفقد اللقاء هدفه الأساسي، ما جعل الرئيس صالح يقرر الحديث بشكل مباشر إلى شعبه عبر احتفالية في اليوم التالي لمناسبة عيد الثورة، حيث أوضح في خطابه دواعي التعديلات المقترحة وانتقد غياب أحزاب اللقاء المشترك، لكنه أكد في الوقت ذاته أن أبواب الحوار ستظل مفتوحة معها بهذا الشأن الذي يحرص دوما على إشراكها فيه منذ أول تعديلات جرت في عام 1994م وفي ثاني عملية تعديل عام 2001م، ليس فقط من أجل حصولها على الأغلبية المطلوبة، بل من أجل إقرارها بنوع من الوفاق الوطني باعتبارها تمثل عملية تطوير مستمر للنظام السياسي الذي تعتبر المعارضة وجهه الآخر والشريك الأساسي في صياغته وضمان استمراره. وبحسب اتجاهات التعديل التي أعلنها الرئيس صالح يوم الثلاثاء الماضي، فإنها تعتبر قريبة جداً من مشروع المعارضة الذي أعلنت عنه قبل حوالي عامين، كما أنها تعتبر تطوراً كبيراً ومفاجئاً بالنسبة لما ورد في برامج الحزب الحاكم وما ورد في البرنامج الانتخابي للرئيس نفسه، إلى درجة اعتبر معها مراقبون أن الاتجاهات التي أعلنها الرئيس صالح قد تجاوزت عملياً مشروع المعارضة... هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن تساؤلات كثيرة برزت إلى الوسط الاجتماعي حول ما إذا كانت البلاد مهيأة من جميع النواحي للتعاطي مع مشروع (الحكم المحلي) الذي أعلنه الرئيس ضمن مشروعه، إذ يعتبر فقهاء القانون أن صيغة (الحكم المحلي) إذا طبقت بحذافيرها هي صيغة فيدرالية في الأساس لأن المحافظات تتحول بموجبها إلى ما يشبه الولايات التي تدير شؤونها بالكامل، بدءاً من انتخاب المحافظ ومروراً بانتخاب مجالسها المحلية واختيار شرطتها المحلية وانتهاء باعتمادها على موارد محلية إلى جانب ما يمكن أن تخصصه لها الحكومة المركزية. فهناك من يعتقد أن اليمن بحاجة لأن يصبح لديه حكومة مركزية قوية أولاً قبل أن توزع سلطاتها على المحافظات، في حين أن هناك من يعتقد أن إقامة نظام الحكم المحلي كفيل بحد ذاته مع مرور الوقت بتقوية الحكومة المركزية التي ستعنى أساسا بالضبط والربط العام والتركيز على المشروعات الاستراتيجية بدلاً من تشتيت همومها في قضايا المحليات الهامشية والصغيرة.

في جانب آخر، فإن الرئيس صالح الذي يخوض ولايته الدستورية الأخيرة قد أعلن ضمن مشروع تعديلاته تبنيه للنظام الرئاسي بالكامل، معتبراً أن ذلك ناتج عن خبرته الطويلة في الحكم وحيث كان معروفاً عنه تمسكه بالنظام المختلط (على النمط الفرنسي) والمعمول به في أغلبية النظم الجمهورية العربية، حيث يكون هناك رئيس للدولة بعيد في الغالب عن المساءلة البرلمانية، وهناك حكومة تتشكل بموجب نتائج الانتخابات البرلمانية تخضع لمثل هذه المساءلة. وهذا التحول الواضح في موقف الرئيس صالح والذي لم يتضمنه برنامجه الانتخابي سيعتبر تطوراً دستورياً مهماً في حال تنفيذه، إذ أنه سيجعل رئيس الدولة، كما قال صالح في خطابه مسؤولاً بشكل مباشر أمام الشعب والبرلمان عن تنفيذ سياساته التي انتخب بموجبها. لأنه سيكون حينها رئيس الحكومة كذلك وحيث ستتشكل الحكومة من عدد محدود من الوزراء يديرون المهام السيادية. وفيما كانت المعارضة، ولا تزال تطالب بنظام برلماني يجعل الحكومة المسؤول الأول أمام البرلمان بحجة أن الرئيس كان دوماً حتى بموجب الدستور فوق المساءلة، فإن فكرة النظام الرئاسي ستسبب لها حرجاً بالغاً إن أصرت على التمسك بالنظام البرلماني، لأن مبدأ النظام الرئاسي يبدو أكثر ديمقراطية من البرلماني باعتبار أنه يحقق فصلاً كاملاً بين السلطات من ناحية، ولأنه يقصر ولاية الرئيس المنتخب على دورتين انتخابيتين فقط لا يحق له التجديد بعدهما. ولذا فإن الأوساط السياسية تنتظر باهتمام رد فعل أحزاب اللقاء المشترك على مبادرة الرئيس عموماً، وهذه المسألة خاصة!

وبموجب مشروع الرئيس صالح، فإن البرلمان سيتشكل من غرفتين تشريعيتين هما مجلس النواب المنتخب بحسب الدوائر ومجلس الشورى الذي ستتمثل فيه المحافظات بالتساوي، وبموجب مشروع التعديلات فإن 15% من دوائر مجلس النواب ستخصص للنساء، ومن غير الواضح كيف سيتم تطبيق هذه المسألة لأنها ستعني أن يكون هناك خمس وأربعون امرأة في البرلمان، في حين لم تفز في الدورة الانتخابية السابقة سوى امرأة واحدة، لكن المؤشرات تؤكد أن حصولها على مثل هذا الرقم لا يمكن أن يتم إلا من خلال (كوته) على النموذج الذي أخذت به المملكة المغربية في نظامها الانتخابي، وهو نموذج صالح للتطبيق في اليمن إن جرى الأخذ به بصورة حقيقية، خاصة أنه يجد ترحيباً بالغاً من الوسط النسائي بالكامل.