نكبة الأمة..ليست فى الحكام وحدهم
بقلم/ احمد منصور
نشر منذ: 15 سنة و 11 شهراً و يومين
السبت 24 يناير-كانون الثاني 2009 06:50 م

يلقي الكثيرون بالمسئولية علي الحكام وحدهم فى النكبة التي تعيشها الأمة فى ظل حرب الإبادة التى يقوها الصهاينة أعداء الإنسانية علي قطاع غزة ،وهذا صحيح فالحكام الذين يدافع بعضهم جهارا نهارا عن الصهاينة ويتواطؤون معهم ضد مصالح الأمة ويشاركونهم الولوغ فى دماء الشعب الفلسطيني العربي المسلم ، مسئولون أمام الله ثم أمام الناس و التاريخ عما يحدث لشعب فلسطين ،

لكن فى ظل مرور ما يقرب من شهر علي الهجمة الصهيونية الشرسة علي الشعب الفلسطيني في غزة ، يؤكد المشهد العام أن الحكام ليسوا وحدهم مسئولين ، ولكننا نتساءل بوضوح ودون مواربة ودون مجاملة وأين العلماء ؟ أين علماء الأمة الذين يشكلون العصب الرئيسي للشعوب ،لا شك أن هناك قطاع من هؤلاء لا يرجي من ورائهم أمل لأنهم أزلام الحكام وأحذيتهم التى يمشون بها فى الناس حيث يضفي هؤلاء المشروعية علي الحكام فيما يقومون به بل إنهم يدعون لوجوب طاعتهم حتى لو فى المعصية والتواطؤ مع الكافرين ..

، وقسم منهم شأنهم شأن العامة يعيشون العجز بكل أشكاله ومراحله ، لكن هناك قسم لا زال الناس يثقون فيهم وينتظرون منهم ما هو أكبر من الظهور علي الفضائيات وإعلان الفتاوي والمؤازرة لشعب فلسطين ، هل ما يقوم به كبار علماء الأمة يمثل ذروة سنام الجهاد وغايته ، أم أن النتائج الهزيلة التى حققوها حتى الآن لا تقل في عمومها سوءا عن دور الحكام ، وإذا كانوا يقولون إنهم قد تكلموا فقد تكلم كثير من حاخامات اليهود المعارضين لإسرائيل ربما بكلام أقوي من كلام بعض علمائنا ، وبالتالي فإن دور العلماء فى الأمة ليس الكلام أو الشجب أو الإدانة أو الاستنكار أو القيام بتصرفات تضفي شرعية علي تصرفات حكام أعلنوا مواقفهم صريحة مما يحدث فى غزة وهي موالاتهم لليهود واشتراكهم معهم فيما يقومون به وإنما موقفهم كان علي مدار التاريخ أكبر من ذلك بكثير وينبغي أن تكون مواقفهم مناسبة للحدث الجلل الذي يحيق بالأمة ، ولن نذكر الكثيرين ولكن نذكر واحدا منهم هو عالم مصر وإمامها العز بن عبد السلام الذي باع المماليك وكانوا حكام مصر حتى يجهز الجيوش لمواجهة الغزاة فبين ما ينبغي أن يكون عليه العالم حينما يواجه السلطان الجائر وحينما تكون الأمة تحت الخطر .

أما الحركات القومية فلم يزد موقفها عن موقف العلماء من شجب وإدانة وكفاح بالحناجر ومشاركة فى المسيرات والمظاهرات واحتجاجات علي شاشات الفضائيات .

أما الحركات الإسلامية فإن مصيبتها أكبر وعجزها أبشع ، فقد ابتلي معظمها بقيادات لا تعي متطلبات المرحلة ولا حسن الخطاب ، وإذا حاولنا أن نتحدث بمكاشفة لا نفاق فيها عن موقف كبري الحركات الإسلامية وهي جماعة الأخوان المسلمين التى دفع مؤسسها حسن البنا حياته ثمنا لفلسطين حيث كان قبل ستين عاما أكثر الناس وعيا بقضيتها وكان الحامل الأول لراية الدفاع عنها والقتال فى سبيل تحريرها من اليهود الغاصبين ، ويكفي الرجوع لما تركه من أدبيات حتي ندرك أن حسن البنا لم يكن يتعامل مع قضية فلسطين كما يتعامل الأخوان اليوم بالبيانات المتناقضة أو برفع الأحذية فى البرلمان المصري دون دراية أو أبعاد للتصرفات غير المدروسة أو التصريحات الفارغة التى يدلي بها كثيرون منهم في وسائل الأعلام ، ماذا يفعل 88 نائبا للأخوان فى البرلمان المصري غير إضفاء المشروعية علي المهازل الذي يمارسها النظام وعلي رأسها مد إسرائيل بالغاز ؟ وماذا يفعل المتحدثين باسم الأخوان الذين يظهرون علي شاشات التلفزة متخبطين ومتلعثمين ومتناقضين فى أدائهم وتصريحاتهم وكأنهم قد ضاعت منهم أهدافهم وركائزهم وتاريخهم وصاروا يبحثون عن شيء لا يعرفون كنهه ولا مراميه ونسوا أن مرشدهم الأول دفع حياته مع عشرات أومئات من الأخوان قبل ذلك فداء لقضية فلسطين ، ولماذا لا يصارحون أنفسهم بواقعهم ويحاولوا إصلاحه قبل أن تتجاوزهم الأحداث ويتجاوزهم الواقع والمستقبل وحتى التاريخ ؟

أما المسيرات والمظاهرات التى تقوم بها الشعوب فكلها تدخل في إطار الغضب المقنن حيث يحتشد الآلاف أو عشرات الآلاف أوحتي مئات الآلاف محاطين بأكثر منهم من قوات الأمن التى إن سمحت لهم بالهتاف تتركهم حتى تحتقن حناجرهم ثم يعودون قانعين إلي بيوتهم راضين بأنهم قد قاموا بواجبهم تجاه إخوانهم الذين يذبحون عيانا جهارا علي شاشات التلفزة أمام العالم أجمع فى نكبة جديدة أكبر من كل النكبات التي حلت من قبل بالأمة .

مشكلة هذه النكبة التى نعيشها أنه لا أحد يستطيع أن يختبيء الكل يشاهد ويري صوتا وصورة ومن ثم فإن الناس كلها تري تخبط قيادات الأمة بكل أطيافها وألوانها فى أدائها الأعلامي والسياسي حتي أصبحت مواقف بعضهم موافقة لمواقف بعض الأنظمة المتواطئة مع اليهود بينما الآخر يبدوا متلعثما لا يدري كيف يقول كلمة حق لا يداري فيها ماداموا مثل غيرهم ليس لديهم سوي الكلام .

مشهد الأمة برمته ليس مؤلما ولا محزنا ولا مخزيا ولا سيئا فحسب ولكنه مشهد قاتل أمة كاملة وصفها الله بأنها " خير أمة أخرجت للناس " لا شيء فيها يدل علي الحياة سوي الفئة القليلة الصامدة المرابطة فى غزة التي تدافع عن الدين والعرض والشرف ومعهم قليل من المخلصين الذي عرفوا طريقهم لنصرة أهل فلسطين فأخذوا يعملون لنصرة دينهم وأخوانهم فى العروبة والإسلام بصمت ، بينما الأمة كلها بين مشارك أو متواطئ أو متفرج أو ميت أو عاجز أو مشارك بالهتاف .

ليست المرة الأولي التى تمر فيها الأمة بمثل ما تمر به لكنها الحالة التي يجب أن يتصارح فيها الجميع وأن يكف المنافقون عن نفاقهم لأن المواجهة مع الذات ومحاسبة النفس هي بداية لتصحيح الطريق وتحديد الهدف واليقظة من السبات ، ورغم المشهد القاتل فإن مثل هذه المشاهد عادة ما تخفي بعض الأمل و تكون تمهيدا لولادة قائد منقذ يخرج هذه الأمة من كبوتها ، ويقودها إلي عزها ومجدها فالأمم تنهض من العجز وأمتنا عاجزة ، وتفيق من السبات وأمتنا فى سبات عميق ، وتسير نحو العز وأمتنا فى ذل شديد ، وحرب غزة كشف الواقع علي حقيقته وإذا كانت الخرائط عادة ما تتغير بعد الحروب حتى لوك كانت محدودة فإننا نأمل أن تتغير كل خرائطنا بعد معركة غزة ، وأن تكون نهايتها بداية لخرائط جديدة لم يخطط لها الأعداء ولكن ربما شاء الله لها أن تكون ولننتظر الصبح .. أليس الصبح بقريب ؟