الروتي : أبو أصبع يا حكومة
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 16 سنة و شهر و 13 يوماً
الثلاثاء 11 نوفمبر-تشرين الثاني 2008 10:05 م

من الملاحظ أن ثمة قضايا تشكل ثقلا كبيرا على المواطنين وحلها غاية في البساطة لكن الحكومة اليمنية لا تلتفت إليها لا من قريب ولا من بعيد مع أن ذلك هو من صميم عملها ، نطالب دولة الأخ الدكتور رئيس الوزراء ، وعناية الأخوة الوزراء المعنيين الالتفات على قضايا بسيطة قاتلة ومن البساطة ما قتل. من هذه القضايا سنستعرض في هذه المقالة الروتي حجما ووزنا وجودة وثمنا.

أول ملاحظة ينبغي التفطن إليها من لدن أصحاب القرار أن حجم الروتي على قول العبد الله نظما:

يزيدُ نحافة فنزيد جوعا    ***   وجيب الناس دوما في خواءِ

وعلى الرغم من تراجع سعر الدقيق عالميا دون الخمسين في المائة وتراجعه في اليمن إلى الثلاثين في المائة تقريبا إلا أن حجمه يزداد صغرا وسعره ثابت. والمفترض أن الرقابة الحكومية والتدخل لحماية المواطنين أن ترغم أصحاب المخابز إلى بيع الروتي بالميزان وليس حسب الحجم الشكلي، أو أن ترغمهم على زيادة وزن الروتي بمقدار ثلاثين في المائة وهي نسبة تراجع أسعار الدقيق في السوق المحلية.

إن الروتي في معظم مخابز اليمن من حيث الحجم تـُرك تحديد حجمه لأصحاب المخابز فأبدعوا في تقزيمه وتصغيره إلى الحد الذي صار يشبه الأصابع ، وعندما يخرج الناس في مظاهرات عادة ما تبث عبر الفضائيات وعلى رؤوس أصابعهم عددا من الروتي مما يثير لدى غير اليمنيين التعجب والاستغراب والسخرية وكأن اليمن تعيش خارج نطاق التغطية التاريخية المعاصرة ( بفضل روتي أبو أصبع ). ونقترح ثلاث طرق لمعالجة المشكلة المسكوت عنها.

الطريقة الأولى : المطلوب من المعنيين في السلطة تحديد حجمين للروتي مع ضرورة ربط السعر بالوزن:

الأول: حجم صغير للاستخدام الفردي – الشخصي، ولا بأس أن يكون سعره بعشرين ريال بوزن 150 جراما.

والثاني: حجم عائلي ولا بأس أن يكون سعره بأربعين ريال، وبوزن 300 جرام.

وهذا التدخل ضروري جدا لخلق سلوك استهلاكي منظم يحمي جميع الأطراف، أصحاب المخابز والمستهلكين على السواء.

والطريقة الثانية: هي أن يـُـترك لأصحاب المخابز تحديد الحجم والشكل السائد شريطة أن تخضع طريقة البيع للوزن المربوط بسعر الكيلو – روتي ، أي أن المواطن يشتري حسب الوزن ، فإذا تقرر بيع الكيلو الروتي مثلا بمائة وأربعين ريالا (علما بأن سعر الكيلو الدقيق جملة 100 ريال) فإن نصف الكيلو بسبعين ريال وربع الكيلو بأربعين ريال...الخ.

والطريقة الثالثة: تحديد أحجام وأوزان مختلفة للروتي ويتم التعامل مع هذه الأحجام والأوزان طبقا للسعر الأصلي للدقيق واحتساب ربح المخابز مضافة إليه، فإذا أنتجت المخابز روتي بوزن 100 جرام فإن الكيلو الدقيق سيصنع منه عشرة روتي بسعر 14 ريال ، وإذا زدنا بوزن الروتي إلى مائة وخمسين جرام ليكون الروتي بسعر 20 ريال ، أو روتي عائلي بوزن مائتين جرام بسعر 28 ريال أو 30 ريال، وبإمكان الجهة الحكومية المشرفة إقناع أصحاب المخابز بإنتاج روتي بحجم كبير كي يسهل عليهم الجهد ويقلل التكلفة لسعر الروتي.

وأفضل حجم ووزن للروتي يمكن تعميمه في بلادما هو وزن 150 جراما للاستعمال الفردي في المطاعم والبوفيهات والأسواق والمدارس ، وحجم عائلي للاستعمال في البيوت بحجم ووزن 300 جرام. في البداية سنجد صعوبة في تقبل الناس وأصحاب المخابز قبول هذا التجديد لكنه سيكون مناسبا للاستهلاك لكل الشرائح وفي كل الأوضاع. للتذكير فقط بأن المخابز الفرنسية تنتج أنواعا كثيرة من الأحجام ، ولكن الأكثر تداولا هو الباجيت (الحجم الصغير للروتي بوزن 250 جراما ) والروتي الكبير ( نصف كيلو) قطعة واحدة تكفي عائلة بحالها.

 نود التنبيه إلى أن السعر الحالي للكيلو الروتي يتجاوز 250 ريال إن خضع للوزن( بينما سعر الكيلو دقيق 100 ريال) ويصل أحيانا سعر الكيلو روتي إلى ثلاثمائة ريال عندما يعمد أصحاب المخابز ( مع غياب الرقابة ) إلى التصغير المتزايد لحجم الروتي وهو سعر مجحف ومبالغ فيه، خاصة وأن سكان المدن يشترون ما يحتاجون إليه من المخابز بشكل يومي ( إما روتي أو رغيف) ولا يحس سكان الريف أو المعتادون من الناس على الخبز في البيت بهذه المشكلة لكنها مشكلة بسيطة وأثرها غير بسيط على سلوك الناس الغذائي اليومي وعلى ميزانيتهم حين يصل شراء روتي للعائلة الكبيرة بين ألف وألفين ريال. وما ينطبق على الروتي ينطبق على الرغيف.

طبعا أصحاب المخابز يتحذلقون على الناس في ظل غياب الرقابة ، مع العلم بأن ايطاليا وهي الرائدة في صناعة أفران المخابز تصنع أفرانا حسب الطلب بما في ذلك العجانات وأدوات تقطيع العجين إلى أحجام موزونة بشكل تلقائي، فيخرج الروتي موزونا عبر تقطيع العجين أثناء التشكيل بعد العجن، وقد استمرأ أصحاب المخابز إلى الإمعان في تصميم قوالب محلية للروتي تتناسب مع سياستهم في التلاعب بالأحجام والأوزان ، لقد كنا راضين وصامتين عندما كان سعر الكيلو الدقيق يصل إلى مائة وأربعين ريال، لكن ثبات الحجم وازدياد صغره وثبات سعره لا ينبغي السكوت عليه في ظل انخفاض السعر الأصلي للدقيق إلى مائة ريال، وإذا ظلينا ساكتين وصامتين فأين دور الحكومة في حماية المواطن من الفوضى والعبث.

إن المشكلة بسيطة ومحددة ومعلوم أطرافها لكننا لم نجد قرارا متخذا بشأن ذلك ومما يفسر سكوت أصحاب القرار على استفحال هذه المشكلة أن الحكومة تفرض رشاوي وأتاوات على أصحاب المخابز مقابل سكوتها عليهم، وتفسيرات أخرى أن معظم المخابز تتبع ملكيتها في الباطن لبعض النافذين كشركاء معهم ، لكنني لا أميل إلى هذا التفسير الذي يعد رجما بالغيب ،ولذلك نحن ندعو الحكومة (ممثلة بأصحاب القرار والاختصاص) أن تكون حاضرة في كل ما يخص مصلحة الناس أو الإضرار بهم ، وننتظر منهم سرعة الاستجابة ولهم منا كل الود والاحترام.

hodaifah@yahoo.com