سؤال للثورة.. كيف يمكن الانتقال من القبيلة الى الدولة؟
بقلم/ حميد عقبي
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 18 يوماً
الأربعاء 15 يونيو-حزيران 2011 01:15 ص

اتجهت الانظار اخيرا لليمن بعد طول انتظار، المظاهرات والاعتصامات تدخل شهرها الرابع، لا احد يعرف عدد الضحايا الذين سقطوا بيد الحرس الجمهوري او الامن المركزي او البلاطجة، رحل الرئيس اليمني صالح للرياض للعلاج بعد تفجير اصابه، وهو في قصره او مسجد قصره بين حرسه وحاشيته، ولا توجد معلومات واضحة عن حالته الصحية وماذا حدث له بالضبط ! نائب الرئيس مشلول لا يستطيع تسيير امور البلاد بسبب سطوة ابناء الرئيس وعائلته، اما المعارضة اليمنية الرسمية هي الاخرى ليس لها من الامر شيء بسبب ضعفها وفقدانها الشعبية بعد انحيازها الواضح بطرق غير مباشرة بجانب النظام ومحاولتها انقاذه كونها جزءا منه لا يمكن ان تعيش الا في وحله القذر، ما يسمى باحزاب اللقاء المشترك هو فعلا مشترك مع نظام صالح في طريقة التفكير ومواصفات كثيرة، فهو كما يرى المفكر السياسي الدكتور عزمي بشارة وغيره (ان احزاب المعارضة جزء من النظام القديم فقد شرعيته بعدم التحاور مع الشباب بشكل فعلي وايجابي وركن للمبادرات من دون الاحساس بمصير الامة وخطورة المرحلة الحالية).

لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص، حيث ينهمر كالمطر مع كل مناسبة وفي كل مدينة فاصبح الناس يتعايشون مع الموت والدمار، فلم يسلم طفل او رجل مسن وسقط الكثير من خيرة الشباب وتم تهجير الناس من بيوتهم، فاليمن يواجه كارثة انسانية رغم خطورة الوضع لا احد يتحرك لانقاذه، الدول العظمى والمجتمع الدولي ترك ملف اليمن بيد السعودية وهي جارة لا تحب جارها كثيرا فلم ترسل طائرة واحدة لاسعاف مئات الجرحى الذين سقطوا برصاص النظام، ولا هي فتحت حدودها للحالات الانسانية، وسارعت الى استقبال صالح واعوانه وهي مصممة على تجريع اليمن مبادرتها غير المنصفة التي لا تلبي واحدا بالمئة من تطلعات الثورة اليمنية.

اتذكر ان هيكل قال في احد احاديثه (ان اليمن لم يكن يوما دولة وطريقة صالح في التفكير طريقة شيخ قبيلة)، الجميع الان يتحدث عن القبيلة باعتبارها قدرا لا فكاك منه سيظل يحكم اليمن قرونا اخرى، وهنا يأتي التحدي بالنسبة لثورة التغيير هل تمتلك فكرا سياسيا مدنيا حضاريا متقدما او فكرا قبليا متحالفا؟ ساحات التحرير ومسارحها اليوم تعاني فعلا من صعود وجوه قبلية او دينية متشددة لا تملك ولا تعترف بالفكر المدني والحقوق، ولم تلتزم يوما واحدا بأي قانون حتى قانون المرور هم يكسرون الاشارة بسياراتهم الفارهة مع مرافقيهم المدججين بالسلاح والبوازيك، اتذكر ان عبدالمجيد الزنداني رئيس جامعة الايمان له موكب كبير لا يختلف عن موكب صالح مع مروره تتعطل الحياة في الشوارع التي يمر بها، وحتى عندما يقوم بالخطابة بالجوامع يتحول الجامع لثكنة عسكرية، حيث تتوزع الحراسة في كل مكان وعلى سطوح المنازل القريبة، موكب صادق الاحمر وحميد وبقية ابناء الاحمر ايضا مواكب مهيبة تنشر الذعر ويمكنها ان تدوس اي شخص يوقعه حظه العاثر امامها، وبيوتهم هي معسكرات شديدة التحصين يمتلكون اسلحة متوسطة وثقيلة، قادة المعارضة ايضا لا يختلفون كثيرا في هذا السلوك ونادرا ما يقوم هؤلاء بزيارة مقرات احزابهم والاختلاط بكوادرهم، اتذكر جيدا بل واعرف مقر حزب التجمع الناصري بصنعاء هو بحالة يرثى لها عبارة عن مقيل، اما القادة فيسكنون فللا فاخرة يصدرون منها البيانات. من النادر جدا ان يقوم رئيس حزب معارض بزيارات ميدانية لمدن ريفية الا في موسم الانتخابات، من النادر جدا ان يسارع هؤلاء للوقوف في طابور او حتى احترام اشارة المرور، اي ان الجميع يمتلك تفكيرا قبليا، واغلب المؤتمرات الحزبية او الانتخابات النقابية ومكونات المؤسسات المدنية المستقلة تكون فيه السيادة والرئاسة لشيخ قبلي او ابن شيخ.

نجحت الثورة الشعبية بيد شباب لا ينتمي للحزبية، لكن هناك ملاحظات فشباب الثورة يكاد يقع في شباك فكر القبيلة، كون دعم اي قبيلة للثورة ومشاركتها لا يمكن ان يتم رفضه لكن ما يجب رفضه فعلا هو الاستسلام للفكر القبلي، خصوصا الجانب السلبي المبني على المصلحة الخاصة جدا لشيخ القبيلة، ثم الاقربين، يعني فكر التوريث وفكر الشخص الواحد صاحب الرأي السديد صاحب العظمة المانع الوهاب الكريم العظيم الذي يجب السمع والطاعة له والتضحية من اجله، نحن لسنا ضد مكارم الاخلاق والشجاعة والكرم التي يمتاز بها بعض المجتمعات القبلية لكننا نريد ان نعيش جميعا في وطن به قانون وحقوق وكرامة للجميع وليس للقبيلي فقط كل هذا ولغيره الذل والمهانة ودفع المكوس والضرائب والاتاوات للدولة ولشيخ القبيلة ولرجل الدين، لعلكم تتذكرون فضيحة العبودية باليمن وان رجال اعمال ومشائخ وكبار القوم يملكون جواري وعبيدا يباعون ويشترون، وان هناك فئة كبيرة اسمها الاخدام (اصحاب البشرة السوداء والملامح الافريقية) - يعاملون ايضا بطريقة مزرية لا حقوق لهم كأنهم مخلوقات اخرى دونية.

الخلل باليمن لم يكن بنظام الحكم وحده، بل في المنظومة الاجتماعية، لعلنا نود التذكير ان ثورة اليمن الشمالي ضد الامام احمد بن يحيى حميد الدين استبعدت شرائح ومناطق وتحولت لثورة الجبال او ثورة الزيود، وتم اهمال وتهميش السهل الشافعي فاصبح هناك اهل مطلع واهل منزل، اي اهل فوق واهل تحت، فمنطقة تهامة وتعز وريمة والمحويت وحجه باليمن الشمالي لم ينلها من التنمية اي شيء، تركز اهتمام النظام بصنعاء وحدها وكانت الميزانية ومازالت تصرف لارضاء المشائخ وشراء ولائهم للرئيس فمنهم العسكر والضباط والمديرون والوزراء، ومن اهل تحت العمال وصغار الموظفين ودافعو الضرائب والمكوس. بعد الوحدة لم تتغير الامور كان الجنوب به مظاهر مدنية فزحف الفكر والهيمنة القبلية عليه واستولى مشائخ القبائل على الاستثمارات والاراضي مع انتصار صالح على خصمه وشريكه في الوحدة علي سالم البيض، اصبح الجنوب ارض غنيمة مباحة لحاشية الرئيس واسرته وكبار مشائخ القبائل، تم مسخ جميع المظاهر المدنية وتشجيع الفكر الديني المتشدد، ما نخافه اليوم ان الثورة الجديدة ثورة التغيير يتم مسخها لتنتقل السلطة من علي صالح لعلي محسن او ابناء عبدالله الاحمر، اي اننا سنتخلص من ثعلب ليأتي ذئب او ذئاب لذا على الثورة ان تعلن بشكل واضح المبادئ الاساسية، تعترف بتهامة وتعز واهل الجنوب، كون الهروب من المشكلة الجنوبية يعني استمرار واجازة الانتهاكات التي تم ارتكابها ضد ابناء الجنوب الذين طالبوا في وقت سابق بفك الارتباط مع الشمال، لكن كانت لهم وقفة مشرفة وتضحيات جسيمة في هذه الثورة اذن من المفروض ان يكون لهم الحق في تقرير مصيرهم في عهد ما بعد صالح ولا يجوز لاي نظام قادم ان يستمر في ممارسة القتل والتدمير الممنهج ضد اهلنا في الجنوب، اي ان الانفصال لو حدث في اطار تفاهمات واتفاقات خير من استمرار قتل الناس وسرقة اموالهم واستعبادهم لصالح شريحة وفئة محدودة هي من استفاد طيلة الفترة الماضية. من الافضل ان نكون جيرانا متحابين، خير من اخوان متحاربين وان ظلت الوحدة فالوحدة يجب النظر اليها على انها مصلحة اجتماعية وسياسية واقتصادية لجميع الاطراف، وليست قدرا الهيا يجب من اجله سفك الدماء وارتكاب الجرائم، كما فعل صالح ونظامه. اليمن يعاني من مشاكل اقتصادية وتعليمية وثقافية وفساد في كافة مجالات الحياة وانعدام شبه كامل لابسط الحقوق، اضف لذلك انتشار الفقر والجهل والمرض والظلم واستحواذ فئة قليلة على كافة الثروات فالمطلوب من الثورة اذن ان تدرك الواقع وتتعامل معه بشكل علمي وجدي وليس عاطفيا، لكن ما نلاحظه ان اللجان التي تم تشكيلها، اي اللجان الثورية في الساحات لا تدرك الكثير من هذا الواقع ومازالت الرؤية للمستقبل غامضة، خصوصا مع محاولة عناصر حزب الاصلاح الديني السيطرة الكاملة على اللجان ومحاولة جرف تيار الثورة وانحرافها لتشكيل دولة دينية، وهذا يجب الا يحدث والا نحن سنكون بحاجة لثورة اخرى ستكون اكثر كلفة ودموية، فحزب الاصلاح الديني ينوي السيطرة على الحكم والبدء بتشكيل محاكم تفتيش وفرض قوانين وكبت صوت الحرية، اي اننا سنتخلص من نظام استبدادي لنقع في يد نظام كهنوتي بذلك سيتبخر حلمنا بدولة مدنية وسنظل عبيدا للفكر القبلي والديني المتشدد.

' كاتب يمني يقيم في فرنسا

*القدس العربي