مصر في الذاكرة اليمنية 2
بقلم/ د . عبد الوهاب الروحاني
نشر منذ: 3 سنوات و 3 أشهر و يومين
الثلاثاء 03 أغسطس-آب 2021 09:49 ص

 عندنا نتحدث عن الدور المصري في اليمن لا ننجم، ولا نبحث في الغيبيات، ولا نبحث عن دور هنا او هناك، وانما نستحضر حقائق وارقاما ارتبطت بحراك علمي واحياء ثقافي متواصل لم ينقطع.. ونتحدث عن دور ارتبط بعبد الناصر والمشروع القوي العربي، الذي حمله لغاية تحرير الأمة من ظلم الاستعمار وجبروت واستبداد الانظمة. اسم مصر في اليمن ارتبط بمساهمة فعلية في بناء الانسان والمؤسسة ..

ارتبط بالمدرسة والاستاذ، بالطبيب والمستشفى، والادارة والدستور، وبرياح التغيير المعاصرة التي هبت من النيل بنينا نظامنا التعليمي والاداري والقانوني والمحاسبي.

‏ ‏ بدعم مصر انتقل اليمنيون بثورتهم وجمهوريتهم من عالم الالحاق والخنوع والرعوية الى عالم المواطنة المتساوية.. عالم جديد تسوده روح المشاركة والابداع وصنع الحياة، فوجد الانسان اليمني ذاته واصبح عضوا حيا وفاعلا في المجتمع.. رواد التنوير: ‏ رواد التحديث والثقافة اليمنية كانوا ولا يزالون فعلا متمازجا مع حركة التنوير المصرية العربية، فكان الزميلان الزبيري والنعمان، اللذان وجدا في تجربة الوعي السياسي المصرية متنفسا لصياغة وعي يمني جديد، فبعثا القضية اليمنية على السطح، وخاضا تجارب نضال مريرة من اصدار "الميثاق الوطني المقدس" في الاربعينيات..

الى مسيرة "حزب الاحرار"، و"صوت اليمن"، و"الجمعية اليمنية الكبرى"، و"الاتحاد اليمني"، وبعث نسائم الحرية في الشارع اليمني من صوت العرب بعد ثورة يوليو 52م.

‏ برزت نخبة جديدة من جيل التنوير المتأثر بتجربة مصر في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والادارية، عبر شباب تلك المرحلة، محمد عبد الوهاب جباري، احمد الشجني، محمد انعم غالب، يوسف الشحاري، وعلي لطف الثور، وعبدالله الكرشمي، ومحمد عبد الولي، ابو بكر السقاف، ومحمد الزرقة، وفيصل عبد اللطيف الشعبي، وسعيد الشيباني، وعبده عثمان ..

وكثيرون من زملائهم من خريجي الجامعات العربية والاجنبية كمحمد سعيد العطار، وعبد الغني علي، وحسن مكي، وعبد العزيز عبد الغني، وكفاءات وطنية كثيرة وكبيرة رفعت مبكرا مشاعل التنوير والتحديث في البلاد. بلا منّ ولا أذى: قدمت مصر في اليمن اكثر من 36 الف شهيد لنجدة ونصرة الثورة اليمنية في 62م ، وحينما اطمأنت لانتصار اليمنيين

غادرت دون ان تكن لديها اطماع لاحتلال الجزر، أو اقتضام الاراضي والسيطرة على المنافذ، رغم ان جزيرة ميون (باب المندب) هي بوابة قناة السويس ومنفذها للعالم عبر البحرين العربي والاحمر، لكنها لم تسيطر عليها، ولم تقدم على بناء قاعدة عسكرية فيها بل ساعدت في بناء الجيش الجمهوري، ولم تسم اليمن بالحديقة الخلفية لمصر...

بل قالت هي دولة عربية أصيلة مستقلة ذات سيادة. قدمت مصر تضحيات كبيرة من أجل اليمن، قدمت الرجال والمال والسلاح ولم تمن على اليمنيين او تؤذيهم كما يفعل عرب النفط، ولم تقل يوما انها ضحت، رغم ان اسهامها في بناء المجتمع اليمني الجديد كان ولا يزال حقيقة قائمة، وشمل كل مناحي الحياة، بدءا بنجدة الثورة ونصرتها في الشمال والجنوب وانتهاء بما تقدمه اليوم في محنتهم الجديدة القديمة.. ‏

مصر كانت ولا تزال هي قبلة اليمنيين ووجهتم للدراسة والاقامة والاستثمار والتطبيب، طلابا واكاديميين، تجارا وسياسيين، اعلاميين، وادباء ومثقفين قبل الثورة وبعدها، تعلموا بشغف وثقة في جامعاتها ومعاهدها التي فتحت لهم ابوابها بترحاب وحب كبيرين. ‏

مصر، هي الدولة العربية الوحيدة تقريبا، التي رحبت باليمنيين خلال سنوات الحرب، بعكس الأطراف الإقليمية المؤججة للحرب والصراع، التي أغلقت حدود بلدانها أمام اليمنيين ليواجهوا مصيرهم مع الحرب والحصار التي فرضوهما عليهم. فسيفساء: ‏

يقيم اليوم في مصر ما يزيد على نصف مليون مواطن يمني من مختلف المناطق والتوجهات والمشارب السياسية والفكرية.. ويشكلون نسيجا وطنيا وقوميا بين اهلهم واخوتهم المصريين، في تجمعات صغيرة في الدقي والمهندسين، وفيصل، ومدينة نصر، واكتوبر، وزايد.

. ويرسمون مع مزيج من عرب المشرق والمغرب فسيفساء عربية تظللها روح مصر العروبة والدولة والانسان. اطفالنا في المدارس المصرية يدرسون كما يدرس اطفال سوريا والعراق وليبيا والسودان، ويعاملون جميعا بنفس الالية والاسلوب التي يعامل بها طلاب وتلاذة مصر، فظلت مصر هي الاخ الاكبر والرائد الذي لا يخذل ولا يكذب أهله.